كثير من الناس يتساءل لماذا نتحدث عن التاريخ ولماذا نبكي على اللبن المسكوب ؟ .
في الحقيقة إن ثلث القرآن الكريم قصص وهذا أمر يلفت النظر وهو أسلوب رباني فريد في التربية والقرآن الكريم فيه آيات تشير إلى منهج المسلم في تلقي القصص فيقول الله عز وجل { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (176) سورة الأعراف .
ويقول أيضا { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (111) سورة يوسف .
إذن لما نقص القصص بصفة عامة لابد أن نأخذه بهذا المنطلق منطلق التفكر والتدبر وهذه السلسلة التي سنذكرها لكم ليست من باب إشعال العواطف أو تحريكها أو البكاء على اللبن المسكوب لكن هي دعوة للتفكر والتدبر وهي طريق نبدأ فيه سويا ننقب عن صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي وهي ليست كافية أبدا لتاريخ الأندلس الذي استمر حوالي 800 سنة وهذه السلسلة نحاول فيها إظهار الحق الذي حاول كثيرون جعله باطلا أو إظهار الباطل الذي زعم الكثيرون أنه حق.
وفي هذه السلسلة أيضا سنتعرف على سنن الله في كونه التي لا تتغير ولا تتبدل { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (62) سورة الأحزاب .
بمعنى أننا نجد الماء على سبيل المثال يغلي عند درجة حرارة 100 درجة مئوية فلو أنه يغلي يوما عند 50 درجة ويوما آخر يغلي عند 150 درجة فلن تستقيم الحياة ولكن الله يثبت قوانين معنية فمثلا النار تحرق وستظل تحرق إلى يوم القيامة وهناك استثناءات فمثلا النار لم تحرق إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فهل يمكن للمؤمن أن يعيش على هذه الاستثناءات بأن يضع يده في النار ويقول ربما لا تحرقني بالطبع لا .
ومن ينظر إلى التاريخ ويقلب صفحاته يجد أن التاريخ يكرر نفسه بطريقة عجيبة فتشعر وكأنها نفس الأحداث ولكن بأسماء مختلفة وبهذا فتشعر أن الله عز وجل فتح لك المستقبل فكأنه يمكنك النظر إلى المستقبل من خلال أحداث ماضية وثوابت الله التي لم تتغير والمؤمن الفطن هو الذي يتجنب أخطاء السابقين ويستفيد منها حتى لا يكررها هو.
والسؤال الآن لماذا ندرس التاريخ الأندلسي ؟ .
وذلك لأنه تاريخ يشمل أكثر من 800 سنة من سنة 92 هـ إلى 897 هـ وكان له تداعيات بعد هذه الفترة أيضا ومن العجيب أن كثير من المسلمين لا يدري شيئا من هذا التاريخ وأيضا لكبر هذا التاريخ نجد أن سنن الله تتكرر ونجد دولا تصبح قوية وتنتصر ودولا تصبح ضعيفة وتنهزم كما يحدث الآن وظهر في هذا التاريخ المجاهد الشجاع والخائف الجبان وظهر التقي الورع وظهر المخالف لشرع ربه وظهر الأمين على نفسه ودينه وبلده وظهر الخائن لنفسه ودينه وبلده وظهرت هذه الأمور في عوام الشعب والحكام والعلماء .
فعلى سبيل المثال من منا يسمع عن معركة (وادي برباط) Berbat والتي تشبه في التاريخ بمعركة القادسية واليرموك ؟ .
وهي التي كانت بداية فتح الأندلس وهي التي لا نعلم عنها شيئا وقصة حرق السفن التي أحرقها طارق بن زياد أهي حقيقية؟ وتفاصيل هذا الأمر لا يعلمه أحد ومن هو عبد الرحمن الداخل والذي قال فيه المؤرخون لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية منالأندلس؟ ومن هو عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق وكيف وصل لهذه المكانة وكيف أصبح أقوى قوة في العالم في عصره ؟ .
ويوسف بن تشفين صاحب موقعة (الزلاقة) كيف نشأ ؟ وكيف ربى الناس على الجهاد وكيف وصل بدولته إلى حدود لم يصل إليها المسلمين في كثير من الفترات ؟ .
وأبو بكر بن عمر اللمتوني من يسمع عن هذا الرجل ومن يسمع عن هذا الرجل من عامة المسلمين هذا المجاهد الذي أدخل الإسلام في أكثر من خمسة عشر دولة إفريقية ؟.
ومن يسمع عن أبي يوسف يعقوب المنصور صاحب ( موقعةالأرك) التي دكت فيها حصون الصليبيين والتي انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا ؟ ومن يسمع عن مسجد قرطبة الذي كان أكبر مسجد في زمانه وإلى أزمان متلاحقة بعد ذلك وكيف حُول إلى كنيسة ومن يسمع عن دولة المرابطين ودولة الموحدين ومن يسمع عن مسجد أشبيليةالعجيب ومن يسمع عن جامعةقرطبة والمكتبة الأموية ومن يسمع عن قصر الزهراء ومدينة الزاهرة وقصر الحمراء وغيرها من الأماكن التي يزورها المسلمين وغير المسلمين إلى الآن .
ومن يسمع عن موقعة العقاب التي هُزم فيها المسلمون فيها هزيمة ساحقة والتي كان عددهم يفوق عدد أعدائهم وكأن حنين تتكرر من جديد والتي قال فيها المؤرخون أن بعد هذه المعركة لا يُرى شاب مسلم يصلح للقتال في الأندلس أو المغرب كلها والتي قتل فيها أكثر من ثمانين ألف مسلم .
وكيف سقطت الأندلس وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت سقطت الأمة لأن لله سننا لا تتغير ؟ وكيف سطعت شمس الإسلام في القسطنطينية بعد سقوط الأندلس ؟.
وما هي مأساة(بلنسيا ) وقتل ستين ألف مسلم في يوم واحد وما هي مأساة ( أوبَادَّا ) وقتل ستين ألف مسلم آخرين في يوم واحــــــــــــــد وما هي مأساة (برْبَشْتَر) وقتل أربعين ألف مسلم وسبي سبعة آلاف فتاة بكر من فتيات بربشتر وكأنها البوسنة والهرسك وكيف قاموا المسلمين من هذه المآسي والتي إن عرفنا أسباب القيام لقمنا الآن .
فتاريخ الأندلس ثروة حقيقية من العلم والخبرة والعبرة وهو صفحات من 800 سنة ومن المستحيل أن نلخصها في مجموعة من المقالات فأنت في حاجة لأن تقرأ هذا التاريخ لعدة سنين فأنت أمامك مشوار طويل في البحث حتى تتعرف على سنن الله في الكون .
____________
نقل مختصر من أول شرائط الشيخ الدكتور راغب السرجاني في سلسلته المباركة - التي أتمنى أن تسمعوها و تستفيدوا منها - (تاريخ الأندلس ، من الفتح إلى السقوط) .
عدل سابقا من قبل أحمد في السبت يناير 30, 2010 12:54 pm عدل 1 مرات