أخطر حدث واجه الأمة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و سلم)
إنه ردة العرب الذين جاؤا إلى النبي - صلى الله عليه و سلم - مسلمين في عام الوفود
سوف أنقل لكم هذه الفقرات الصغيرة عن الدكتور راغب السرجاني (حفظه الله) للتعريف بهذه الفتنة العظيمة
و دور سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه العظيم في مواجهتها
و أرجو ألا تحرموني من الدروس المستفادة منها في ردودكم الكريمة
:798/7487: :798/7487: :798/7487:
____________________
فتنة الرِّدَّة :
ما إن علمت الجزيرة العربية بوفاة الرسول - صلى الله عليه و سلم - حتى ارتدَّتْ!! ولم يبق على الإسلام إلا المدينة المنورة، ومكة، والطائف، وقرية جُوَاثَى في منطقة البحرين بشرق الجزيرة العربية، وحتى هذه الأماكن -باستثناء المدينة المنورة- كانت على شفا حُفرة من الرِّدَّة، لولا أن ثبَّتهُمُ الله U برجال صادقين فيهم من أمثال "سهيل بن عمرو" في مكة فثبَّت الناس فيها على الإسلام، و"الجارود بن يعلى" في جُوَاثَى حيث خطب فيهم ودعاهم للإيمان بالله وبرسوله حيًّا أو ميِّتًا، فلمَّا ثبتت جُواثى على الإيمان حاصرتها قوى البغي والردة من البحرين، ومنعوا عنها الطعام حتى كادت أن تهلك إلى أن أذن الله لها في النجاة.
نِعْمَة الصِّدِّيق (رضي الله عنه) :
كان من الممكن أن تكون لهذه الفتنة العظيمة آثارٌ وخيمة، لولا أن الله U مَنّ على الأمَّة في ذلك الوقت بنعمة عظيمة هائلة، تلك هي نعمة الصِّدِّيق t. فالله U أيَّد به هذه الأمة، وحفظ به الدين والقرآن، وقمع به المشركين والمرتدين. يقول أبو هريرة t يصف هذا الموقف المتأزم: "والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استُخْلِفَ ما عُبِد اللهُ". ولا ننسى أن مصيبة الردة هذه جاءت بعد أيام قلائل من مصيبة أخرى كبيرة، هي مصيبة وفاة الرسول r. ولا شك أن مصاب الصِّدِّيق كان كبيرًا، فهو أقرب الناس إلى رسول الله r، وأشدهم حزنًا على فراقه، ولكن الله U رزقه نعمة الثبات، والثبات نعمة جليلة لا توهب إلا لمن كان مؤمنًا حقًّا.
وقد كان ارتداد الجزيرة العربية على درجات؛ فمن العرب من منع الزكاة، ومن العرب من ترك الإسلام كله، وعاد إلى ما كان يعبد من أصنام، ومن العرب من لم يكتفِ بالردة ويترك المسلمين في شأنهم، بل انقلبوا على المسلمين الذين لم يرتدوا، فقتلوهم، وذبحوهم، وفعلوا بهم أشنع المنكرات، ومن العرب من سارع بادِّعاء النُّبُوَّة، ومن أشهر هؤلاء مسيلمة الحنفيّ الكذاب، والأسود العنسيّ، وطليحة بن خويلد، وسَجَاح.
أسباب حدوث الردة
الواقع أن هناك أعدادًا ضخمة من العرب دخلوا في الإسلام في العامين الأخيرين من حياة الرسول r، فيما عرف في التاريخ بالوفود، ولم يدخل هؤلاء في الإسلام إلا انبهارًا بسيطرة المسلمين على الجزيرة العربية، فجاء الناس أفواجًا يدخلون في دين الله U، ولكن ليس كلهم عن اقتناع؛ فمنهم من جاء رغبًا في المال والغنائم، والارتباط بالقوة الأولى الجديدة في الجزيرة، ومنهم من جاء رهبًا من قوة المسلمين، ومنهم من جاء لا رغبًا ولا رهبًا، ولكن اتباعًا لزعمائهم وقادتهم، فَسَاقهم زعماؤهم كالقطيع فدخلوا في دينٍ لا يعرفون حدوده، ولا فروضه، ولا تكاليفه، ولم يفقهوا حقيقة الرسول r وحقيقة الرسالة، ولم يعيشوا مع القرآن، ولا مع السُّنَّة.
فلما مات الرسول r اعتقد الجميع أن الدولة الإسلامية انهارت بموت من أسَّسَها كما تنهار الكثير من الأعمال المعتمدة على شخص بعينه إذا غاب هذه الشخص، وفوق ذلك هم لم يأخذوا الفرصة الكاملة والوقت المناسب لفقه حقيقة الإيمان، فدخلوا في الإسلام ولم يفقهوا حقيقته بعدُ. ولم تكن المشكلة فقط في عوامِّ الأعراب، ولكن كانت أيضًا في زعمائهم؛ فالقبائل العربية ما تعودَّتْ مطلقًا على القيادة الجماعية، بل كان كل زعيم قبيلة زعيمًا في مكانه وقبيلته، يأمر فيُطَاع، ويُشير فلا رادَّ لكلمته، وفجأة ضاعت زعاماتهم، وذابت في الدولة الإسلامية، ولم يقبل غالبهم بذلك، فلما مات رسول r بحث كل منهم عن زعامته المفقودة، وباعت الأعراب كل شيء في سبيل القبيلة.
ومع ذلك فالصورة النهائية للوضع، هي حرب بين الحق والباطل، هي السُّنَّة الكونية الطبيعية جدًّا، لقد كانت القبليَّة هي القناع الذي وقف وراءه أعداء الإسلام في ذلك الوقت لحرب الإسلام، أمَّا الهدف العميق الأصيل، فهو حرب الإسلام ذاته. ودليل ذلك أن المرتدِّين قتلوا المسلمين في قبائلهم نفسها، فانقلب مسيلمة الكذاب الحنفي على المسلمين من بني حنفية فقتلهم، وكذلك فعل طلحة، وفعل غيرهم.
بعث أسامة :
كان الرسول r قد أوصى بإنفاذ جيش أسامة بن زيد لقتال الروم قبل وفاته، وجهّز الجيش، وخرج الجيش على مشارف المدينة، ولكنهم لمَّا علموا بمرض الرسول r لم يخرجوا، فكان أول قرار يأخده أبو بكر الصِّدِّيق t في الخلافة، هو قرار إنفاذ بعث أسامة بن زيد، ولكن الجزيرة العربية كلها ارتدتْ عن الإسلام، وكلها تتوعَّد المدينة، وهذا الجيش الخارج من المدينة لم يكن موجَّهًا إلى من ارتدوا، ولكن كان موجهًا إلى الرومان، ولم يكن في منطقة قريبة من المدينة حتى يستطيع أن يأتي إليها إذا داهمها المرتدُّون، بل كان خارجًا إلى مشارف الشام، ومع ذلك أصرَّ أبو بكر t أن يُنفِذَ هذا الجيش مع كل ما يحيط بالمسلمين من خطورة. فثار عليه بعض الصحابة، وكلموه في ذلك، فقال لهم كلمة تسجل بحروفٍ من نور:
"والله لا أحلُّ عقدةً عقدها رسول الله r، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزَنَّ جيش أسامة".
وبالفعل يخرج جيش أسامة بن زيد، فتكلمه الصحابة في أمير الجيش، ويأتى له عمر بن الخطاب t، ويقول: "لو اتخذت أميرًا غير أسامة بن زيد". وكان سِنُّهُ يومئذِ 17 أو 18 عامًا، يطلب منه عمر أن يُنَصِّبَ أميرًا أكثر حكمة منه؛ لأن الأمر صعب. فيمسكه أبو بكر t من لحيته ويهزُّه ويقول له: "ثكلتك أمُّك يابن الخطاب! أمنع أميرًا أمَّرَهُ رسولُ الله r عن إمارة جيشه؟!". ويخرج بعث أسامة بن زيد من المدينة إلى مشارف الشام, والجزيرة العربية كلها مُتَأجِّجَةٌ في نار الردَّة.
لما خرج الجيش إلى أطراف الشام فرَّت منه الجيوش الرومانية في هذه المنطقة، فلم يلقَ قتالاً، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدَّتْ، فقاتلهم، وشتَّتَ شملهم، وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، ومعه الغنائم من هذه الموقعة. وخروج الجيش إلى شمال الجزيرة أحدث بكل القبائل العربية الموجودة في هذه المنطقة رهبةً من المسلمين؛ مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوةً في المدينة، وأن هذا جزءٌ صغير من الجيوش، فقرَّرَتْ عدم الهجوم على المدينة وإيثار السلامة، مع أنه لم يكن هناك جيش بالمدينة، إلا أنها كانت حكمة من الله U ألهم بها نبيَّه، ووفَّق لها أبا بكر، فكانت هذه فائدة عظيمة من خروج جيش أسامة بن زيد t.
إنه ردة العرب الذين جاؤا إلى النبي - صلى الله عليه و سلم - مسلمين في عام الوفود
سوف أنقل لكم هذه الفقرات الصغيرة عن الدكتور راغب السرجاني (حفظه الله) للتعريف بهذه الفتنة العظيمة
و دور سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه العظيم في مواجهتها
و أرجو ألا تحرموني من الدروس المستفادة منها في ردودكم الكريمة
:798/7487: :798/7487: :798/7487:
____________________
فتنة الرِّدَّة :
ما إن علمت الجزيرة العربية بوفاة الرسول - صلى الله عليه و سلم - حتى ارتدَّتْ!! ولم يبق على الإسلام إلا المدينة المنورة، ومكة، والطائف، وقرية جُوَاثَى في منطقة البحرين بشرق الجزيرة العربية، وحتى هذه الأماكن -باستثناء المدينة المنورة- كانت على شفا حُفرة من الرِّدَّة، لولا أن ثبَّتهُمُ الله U برجال صادقين فيهم من أمثال "سهيل بن عمرو" في مكة فثبَّت الناس فيها على الإسلام، و"الجارود بن يعلى" في جُوَاثَى حيث خطب فيهم ودعاهم للإيمان بالله وبرسوله حيًّا أو ميِّتًا، فلمَّا ثبتت جُواثى على الإيمان حاصرتها قوى البغي والردة من البحرين، ومنعوا عنها الطعام حتى كادت أن تهلك إلى أن أذن الله لها في النجاة.
نِعْمَة الصِّدِّيق (رضي الله عنه) :
كان من الممكن أن تكون لهذه الفتنة العظيمة آثارٌ وخيمة، لولا أن الله U مَنّ على الأمَّة في ذلك الوقت بنعمة عظيمة هائلة، تلك هي نعمة الصِّدِّيق t. فالله U أيَّد به هذه الأمة، وحفظ به الدين والقرآن، وقمع به المشركين والمرتدين. يقول أبو هريرة t يصف هذا الموقف المتأزم: "والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استُخْلِفَ ما عُبِد اللهُ". ولا ننسى أن مصيبة الردة هذه جاءت بعد أيام قلائل من مصيبة أخرى كبيرة، هي مصيبة وفاة الرسول r. ولا شك أن مصاب الصِّدِّيق كان كبيرًا، فهو أقرب الناس إلى رسول الله r، وأشدهم حزنًا على فراقه، ولكن الله U رزقه نعمة الثبات، والثبات نعمة جليلة لا توهب إلا لمن كان مؤمنًا حقًّا.
وقد كان ارتداد الجزيرة العربية على درجات؛ فمن العرب من منع الزكاة، ومن العرب من ترك الإسلام كله، وعاد إلى ما كان يعبد من أصنام، ومن العرب من لم يكتفِ بالردة ويترك المسلمين في شأنهم، بل انقلبوا على المسلمين الذين لم يرتدوا، فقتلوهم، وذبحوهم، وفعلوا بهم أشنع المنكرات، ومن العرب من سارع بادِّعاء النُّبُوَّة، ومن أشهر هؤلاء مسيلمة الحنفيّ الكذاب، والأسود العنسيّ، وطليحة بن خويلد، وسَجَاح.
أسباب حدوث الردة
الواقع أن هناك أعدادًا ضخمة من العرب دخلوا في الإسلام في العامين الأخيرين من حياة الرسول r، فيما عرف في التاريخ بالوفود، ولم يدخل هؤلاء في الإسلام إلا انبهارًا بسيطرة المسلمين على الجزيرة العربية، فجاء الناس أفواجًا يدخلون في دين الله U، ولكن ليس كلهم عن اقتناع؛ فمنهم من جاء رغبًا في المال والغنائم، والارتباط بالقوة الأولى الجديدة في الجزيرة، ومنهم من جاء رهبًا من قوة المسلمين، ومنهم من جاء لا رغبًا ولا رهبًا، ولكن اتباعًا لزعمائهم وقادتهم، فَسَاقهم زعماؤهم كالقطيع فدخلوا في دينٍ لا يعرفون حدوده، ولا فروضه، ولا تكاليفه، ولم يفقهوا حقيقة الرسول r وحقيقة الرسالة، ولم يعيشوا مع القرآن، ولا مع السُّنَّة.
فلما مات الرسول r اعتقد الجميع أن الدولة الإسلامية انهارت بموت من أسَّسَها كما تنهار الكثير من الأعمال المعتمدة على شخص بعينه إذا غاب هذه الشخص، وفوق ذلك هم لم يأخذوا الفرصة الكاملة والوقت المناسب لفقه حقيقة الإيمان، فدخلوا في الإسلام ولم يفقهوا حقيقته بعدُ. ولم تكن المشكلة فقط في عوامِّ الأعراب، ولكن كانت أيضًا في زعمائهم؛ فالقبائل العربية ما تعودَّتْ مطلقًا على القيادة الجماعية، بل كان كل زعيم قبيلة زعيمًا في مكانه وقبيلته، يأمر فيُطَاع، ويُشير فلا رادَّ لكلمته، وفجأة ضاعت زعاماتهم، وذابت في الدولة الإسلامية، ولم يقبل غالبهم بذلك، فلما مات رسول r بحث كل منهم عن زعامته المفقودة، وباعت الأعراب كل شيء في سبيل القبيلة.
ومع ذلك فالصورة النهائية للوضع، هي حرب بين الحق والباطل، هي السُّنَّة الكونية الطبيعية جدًّا، لقد كانت القبليَّة هي القناع الذي وقف وراءه أعداء الإسلام في ذلك الوقت لحرب الإسلام، أمَّا الهدف العميق الأصيل، فهو حرب الإسلام ذاته. ودليل ذلك أن المرتدِّين قتلوا المسلمين في قبائلهم نفسها، فانقلب مسيلمة الكذاب الحنفي على المسلمين من بني حنفية فقتلهم، وكذلك فعل طلحة، وفعل غيرهم.
بعث أسامة :
كان الرسول r قد أوصى بإنفاذ جيش أسامة بن زيد لقتال الروم قبل وفاته، وجهّز الجيش، وخرج الجيش على مشارف المدينة، ولكنهم لمَّا علموا بمرض الرسول r لم يخرجوا، فكان أول قرار يأخده أبو بكر الصِّدِّيق t في الخلافة، هو قرار إنفاذ بعث أسامة بن زيد، ولكن الجزيرة العربية كلها ارتدتْ عن الإسلام، وكلها تتوعَّد المدينة، وهذا الجيش الخارج من المدينة لم يكن موجَّهًا إلى من ارتدوا، ولكن كان موجهًا إلى الرومان، ولم يكن في منطقة قريبة من المدينة حتى يستطيع أن يأتي إليها إذا داهمها المرتدُّون، بل كان خارجًا إلى مشارف الشام، ومع ذلك أصرَّ أبو بكر t أن يُنفِذَ هذا الجيش مع كل ما يحيط بالمسلمين من خطورة. فثار عليه بعض الصحابة، وكلموه في ذلك، فقال لهم كلمة تسجل بحروفٍ من نور:
"والله لا أحلُّ عقدةً عقدها رسول الله r، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزَنَّ جيش أسامة".
وبالفعل يخرج جيش أسامة بن زيد، فتكلمه الصحابة في أمير الجيش، ويأتى له عمر بن الخطاب t، ويقول: "لو اتخذت أميرًا غير أسامة بن زيد". وكان سِنُّهُ يومئذِ 17 أو 18 عامًا، يطلب منه عمر أن يُنَصِّبَ أميرًا أكثر حكمة منه؛ لأن الأمر صعب. فيمسكه أبو بكر t من لحيته ويهزُّه ويقول له: "ثكلتك أمُّك يابن الخطاب! أمنع أميرًا أمَّرَهُ رسولُ الله r عن إمارة جيشه؟!". ويخرج بعث أسامة بن زيد من المدينة إلى مشارف الشام, والجزيرة العربية كلها مُتَأجِّجَةٌ في نار الردَّة.
لما خرج الجيش إلى أطراف الشام فرَّت منه الجيوش الرومانية في هذه المنطقة، فلم يلقَ قتالاً، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدَّتْ، فقاتلهم، وشتَّتَ شملهم، وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، ومعه الغنائم من هذه الموقعة. وخروج الجيش إلى شمال الجزيرة أحدث بكل القبائل العربية الموجودة في هذه المنطقة رهبةً من المسلمين؛ مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوةً في المدينة، وأن هذا جزءٌ صغير من الجيوش، فقرَّرَتْ عدم الهجوم على المدينة وإيثار السلامة، مع أنه لم يكن هناك جيش بالمدينة، إلا أنها كانت حكمة من الله U ألهم بها نبيَّه، ووفَّق لها أبا بكر، فكانت هذه فائدة عظيمة من خروج جيش أسامة بن زيد t.