الأزمة المالية و معالم البديل الإسلامي "
" خبراء: المصرفية الإسلامية تقدم حلولا عملية لأزمات المال "
" البنوك الإسلامية ، قاعدة مصرفية آمنة "
" الأزمة المالية تدفع فرنسا لإدراج المعاملات الإسلامية "
كانت هذه بعض العناوين التي عرضت لها مواقع إخبارية عديدة ضمن تغطيتها لأزمة المال العالمية و تداعياتها ، يظهر للقارئ من أول وهلة أن العناوين كلها تتفق فيما بينها بوجود بديل إسلامي لحل الازمة ، لكن هل يقف الأمر عند مجرد العناوين ؟ أم أن الحل الاقتصادي من منظور إسلامي يستطيع بالفعل حل المشكلات الحالية في الاقتصاد و من بينها أزمة المال العالمية ؟!
بداية أعتقد أنه علينا تعريف الأزمة الاقتصادية العالمية .
الأزمة المالية هي التداعيات الناجمة عن أزمة الرهون العقارية التي ظهرت على السطح في العام 2007 بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في الولايات المتحدة في تسديد ديونهم للبنوك.
وأدى ذلك إلى حدوث هزة قوية للاقتصاد الأميركي، ووصلت تبعاتها إلى اقتصادات أوروبا وآسيا مطيحة في طريقها بعدد كبير من كبريات البنوك والمؤسسات المالية العالمية.
ولم تفلح مئات مليارات الدولارات التي ضخت في أسواق المال العالمية في وضع حد لأزمة الرهون العقارية التي ظلت تعتمل تحت السطح حتى تطورت إلى أزمة مالية عالمية، لم يخف الكثير من المسؤولين خشيتهم من أن تطيح بنظم اقتصادية عالمية وأن تصل تداعياتها إلى الكثير من أنحاء العالم.
يمكن القول إن منتصف شهر سبتمبر/أيلول 2008 شهد تفجر الأزمة المالية في الولايات المتحدة لدرجة أن المحللين الاقتصاديين والسياسيين اعتبروا بداية الأسبوع الثالث في هذا الشهر "أسبوعا داميا" وتاريخيا للاقتصاد الأميركي انهارت فيه مؤسسات مالية ضخمة، بعد سنوات طويلة من النجاح، واضطرت مؤسسات أخرى للاندماج خشية السقوط، في حين تواصل المد الزلزالي الاقتصادي ليطال مؤسسات مالية كبرى في أوروبا وآسيا باعتباره نتيجة محتومة لارتباطها الاستثماري بالسوق المالية الأميركية.
أما من المنظور الإسلامي ، فبإمكاننا قراءة الأزمة على أن سببها في الأساس هو الربا ، أي وجود الفائدة على القروض، ما يعني المتاجرة بالنقود ، أو الاستثمارات الوهمية ، و هو ما أدى لازمة الرهن العقاري الأمريكية ، التي تعد السبب الرئيسي لأزمة المال العالمية .
بالطبع هناك العديد من الأسباب الأخرى ، و التي حرمها الإسلام تماما في المعاملات الاقتصادية ،مثلا العمل بمنهج البيع على المكشوف؛ أي يبيع الإنسان ما ليس عنده، وكذلك الشراء بالهامش؛ أي الشراء دون دفع، وهي أمور محرمة في الإسلام، وقد أكدت هذا التحريم مقررات مجمع الفقه الإسلامي.
بإمكاننا القول أن النظام الرأسمالي في هذه المرحلة الحرجة قد أصبح على المحك ، فالدولة التي تتدخل في معالجة قضايا اقتصاد السوق ، تخالف بذلك أساس من أعمدة الرأسمالية ، و هو اعتبار الدولة كحارس على اقتصاد السوق ، و ليست مشاركة فيه بحال من الأحوال ، بالطبع الرأسمالية النقية التي تحدث عنها مؤسسها آدم سميث تكاد تكون اختفت خاصة عقب أزمة عالمية طاحنة في نهاية العشرينات و بداية الثلاثينات ، لكن بقى من أسس تلك الرأسمالية "المعدلة" ألا تظهر الحكومة في الصورة ، حتى لو تدخلت بشكل يعرف " باليد الخفية " ، أما ما يحدث الآن فهو تعديل ضخم في أسس الرأسمالية ، فتدخل الحكومة الأمريكية في علاج المشكلة يبدو واضحا لكل ذي عينين ، عبر شراء الأصول أو ضخ المزيد من الأموال أو غيرها من سبل معالجة الأزمة .
الحقيقة الأخرى أن القضية الاقتصادية تبدو الآن و كأنها بالأساس قضية أخلاقية ، فلا يمكن الحديث عن هذه الأزمة دون التعرض إلى عامل أساسي ساهم بشكل مهيمن على انطلاقة شرارتها وهو السقوط الأخلاقي، حيث تميز التعامل المالي بعوامل ثلاثة تلتف كلها حول ماهية الربح والكسب، فالربح الرأسمالي في مفهومه الممارس بعيدا عن تعقيدات المدارس الفكرية تحمله ثلاثية جهنمية، فهو ربح شخصي، وربح عاجل، وربح وافر، في إطار تنافسي غير سليم، حيث تتداخل فيه عوامل احتكار المعلومة أو السلعة، وممارسات التلفيق والتغرير في كثير من الثنايا والوجوه.
الأخلاق والأبعاد الروحية ليست إطارا أو ديكورا للاقتصاد ولا حالة استثناء، بل هي الأصل في العملية الاقتصادية. فليست هناك أخلاق اقتصادية ولكن هناك اقتصاد أخلاقي. ولا تخفى على أحد أهمية الأخلاق في المشروع الإسلامي حتى إنها جمعت هدف الرسالة المحمدية (حديث: "إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق").
إن محاربة الفساد والإفساد تشكل إحدى المهمات الرئيسية لمشهد اقتصادي سليم، ولا يمكن بناء رفاهة اقتصادية على أسس مغروسة في مستنقعات الرشَى والمحسوبية والغش. ولا يمكن لمنظومة قيمية حازمة الاحترام والتأطير إذا لم يكن الإطار مهذبا من هذه الطفيليات التي أصبحت تشكل ثقافة وعقلية وحتى آلية في خدمة اقتصاد غير عادل ومتخلف.
فمن أولويات هذا البعد الأخلاقي تفعيله المباشر في حزمة من القوانين الرادعة والمناهج التربوية البناءة والقرارات الاقتصادية الفاعلة لتشكّل حلقة ثقافية اجتماعية اقتصادية سليمة تؤسس على بياض.
وهذه السقطة الأخلاقية الأساسية التي يحفل بها المشهد المتأزم الحالي، تقابلها المرجعية الإسلامية بنظرة فطرية سامية للمال وللكسب، فالمال مال الله بما يعنيه ذلك من ملكية محدودة وضوابط يلزمها المالك الحقيقي بها الخليفة، فلا ربا ولا احتكار ولا غش ولا محسوبية ولا غرر ولا ميسر.
ورغم هذا التفسير البسيط لهذه العلاقة التي يمكن أن تتمايل لها بعض الرؤوس استخفافا فإنها في أبعادها الكبرى وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة لها بصمات وتوجيهات أساسية وهي تشبه في حالها حراك أجنحة فراشة في الصين في تكوّن الأعاصير الشديدة والتغيرات المناخية الضخمة في الأرض من الجهة المقابلة.
ففلسفة المال في الإسلام واعتمادها على بعدي الفطرة والنسبية، تجعل من فطرية التملك فطرية في السلوك والمعاملات تنجر عنها حرية المبادرة داخل الإطار الشرعي المحدد، ومن هذه النسبية في التملك تتشكل نسبية في التصرف والإنفاق والتعامل، تؤطر داخل منظومة قيمية حازمة.
وهذه الفطرية والنسبية هما اللتان تؤطران المال المصرفي وتجعلانه رهينة هذه الأخلاقية الصارمة في المعاملات، فلا بيع لما لا تملك، ولا بيع للديون، ولا بيع على المكشوف. وهي مبادئ تشكل إحدى هنات الطرح الرأسمالي السائد والسبب الأولي في الأزمة المالية الحالية، على تعقيداتها الكثيرة.
والاقتصاد الإسلامي ليس اقتصاد سوق في مفهومه المتوحش والمستفرد، وليس اقتصاد تخطيط في بعده المركزي الضاغط والمهيمن، ولكنه اقتصاد سوق بالأساس لأنه اقتصاد الفطرة، مع توفر يد الدولة غير الخفية ولا المخفية.
عنصر الزكاة يمثل ولا شك إحدى خاصيات الطرح الإسلامي الاقتصادي وأعمدته الأساسية، وعلاقة الزكاة بالأزمات الاقتصادية عامة والأزمة الحالية خاصة، تبرز أولا من خلال البعد الأخلاقي لكسب المال والتصرف فيه، ثم البعد الاجتماعي في تقارب الطبقات وتعاونها، وفي البعد الاقتصادي عبر الأخذ بيد المعوزين في مسار تنموي صاعد، حيث لا تقف الزكاة عند باب الصدقة "الثابتة" ولكنها تدخل باب المسار التنموي المتحرك عبر إعانة المحتاجين على تنشئة موارد رزق قارة.
ولذلك فإذا حدثت أزمات في ظل تطبيق اقتصادي إسلامي، فإن معالجتها ستكون سريعة، وسيكون لمؤسسة الزكاة الضلع الأكبر في تجاوزها عبر حديث "في المال حق سوى الزكاة".
وفي حالنا اليوم فإن تدخل هذه المؤسسة يبدو حازما لو فرضنا أن مجتمعاتنا تعاني من أزمة عقارية على الشاكلة الأميركية، فمن واجبات هذه المؤسسة التدخل المباشر في إعانة الملهوفين مع تدخل الدولة حيث "لا يؤمن أحدكم وجاره جائع"، فكيف به وهو مطرود من بيته يفترش الأرض ويلتحف السماء؟
لذلك يبدو واضحا تماما أن النظام المصرفي الإسلامي ، بل النظام الاقتصادي الإسلامي ككل هو الحل الأمثل لتجاوز الأزمة الحالية ، ليس فقط معالجة تداعياتها عبر ضخ النقود أو شراء الأصول كما يحدث الآن ، لكنه يعالج أسبابها الجذرية ما يمنع تكرار مثلا مستقبلا ، و يحمي كذلك المستثمر و الدولة من الوقوع في أزمات مشابهة عبر العديد من الضوابط و الفلسفات ، أهمها فلسفة المشاركة .
ولا يسعنا أن نتعجب من أن يكون الاقتصاد الاسلامي قادرا على تجاوز المشكلات أو حلها أو معالجة أسبابها من البدء ، فالإسلام دين يشمل كل مناحي الحياة ، الاقتصاد منها أو السياسة أو الاجتماع ، و هو عندما يناقش قضية أو جانبا من جوانب حياة
الإنسان ، لا يهمل أي جانب آخر أو يغفل عنه ، ولا عجب ، فهو دين الله الخاتم .
المصادر :
موقع الجزيرة نت
موقع الألوكه
موقع إخوان أونلاين
شبكة محيط الإخبارية
" خبراء: المصرفية الإسلامية تقدم حلولا عملية لأزمات المال "
" البنوك الإسلامية ، قاعدة مصرفية آمنة "
" الأزمة المالية تدفع فرنسا لإدراج المعاملات الإسلامية "
كانت هذه بعض العناوين التي عرضت لها مواقع إخبارية عديدة ضمن تغطيتها لأزمة المال العالمية و تداعياتها ، يظهر للقارئ من أول وهلة أن العناوين كلها تتفق فيما بينها بوجود بديل إسلامي لحل الازمة ، لكن هل يقف الأمر عند مجرد العناوين ؟ أم أن الحل الاقتصادي من منظور إسلامي يستطيع بالفعل حل المشكلات الحالية في الاقتصاد و من بينها أزمة المال العالمية ؟!
بداية أعتقد أنه علينا تعريف الأزمة الاقتصادية العالمية .
الأزمة المالية هي التداعيات الناجمة عن أزمة الرهون العقارية التي ظهرت على السطح في العام 2007 بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في الولايات المتحدة في تسديد ديونهم للبنوك.
وأدى ذلك إلى حدوث هزة قوية للاقتصاد الأميركي، ووصلت تبعاتها إلى اقتصادات أوروبا وآسيا مطيحة في طريقها بعدد كبير من كبريات البنوك والمؤسسات المالية العالمية.
ولم تفلح مئات مليارات الدولارات التي ضخت في أسواق المال العالمية في وضع حد لأزمة الرهون العقارية التي ظلت تعتمل تحت السطح حتى تطورت إلى أزمة مالية عالمية، لم يخف الكثير من المسؤولين خشيتهم من أن تطيح بنظم اقتصادية عالمية وأن تصل تداعياتها إلى الكثير من أنحاء العالم.
يمكن القول إن منتصف شهر سبتمبر/أيلول 2008 شهد تفجر الأزمة المالية في الولايات المتحدة لدرجة أن المحللين الاقتصاديين والسياسيين اعتبروا بداية الأسبوع الثالث في هذا الشهر "أسبوعا داميا" وتاريخيا للاقتصاد الأميركي انهارت فيه مؤسسات مالية ضخمة، بعد سنوات طويلة من النجاح، واضطرت مؤسسات أخرى للاندماج خشية السقوط، في حين تواصل المد الزلزالي الاقتصادي ليطال مؤسسات مالية كبرى في أوروبا وآسيا باعتباره نتيجة محتومة لارتباطها الاستثماري بالسوق المالية الأميركية.
أما من المنظور الإسلامي ، فبإمكاننا قراءة الأزمة على أن سببها في الأساس هو الربا ، أي وجود الفائدة على القروض، ما يعني المتاجرة بالنقود ، أو الاستثمارات الوهمية ، و هو ما أدى لازمة الرهن العقاري الأمريكية ، التي تعد السبب الرئيسي لأزمة المال العالمية .
بالطبع هناك العديد من الأسباب الأخرى ، و التي حرمها الإسلام تماما في المعاملات الاقتصادية ،مثلا العمل بمنهج البيع على المكشوف؛ أي يبيع الإنسان ما ليس عنده، وكذلك الشراء بالهامش؛ أي الشراء دون دفع، وهي أمور محرمة في الإسلام، وقد أكدت هذا التحريم مقررات مجمع الفقه الإسلامي.
بإمكاننا القول أن النظام الرأسمالي في هذه المرحلة الحرجة قد أصبح على المحك ، فالدولة التي تتدخل في معالجة قضايا اقتصاد السوق ، تخالف بذلك أساس من أعمدة الرأسمالية ، و هو اعتبار الدولة كحارس على اقتصاد السوق ، و ليست مشاركة فيه بحال من الأحوال ، بالطبع الرأسمالية النقية التي تحدث عنها مؤسسها آدم سميث تكاد تكون اختفت خاصة عقب أزمة عالمية طاحنة في نهاية العشرينات و بداية الثلاثينات ، لكن بقى من أسس تلك الرأسمالية "المعدلة" ألا تظهر الحكومة في الصورة ، حتى لو تدخلت بشكل يعرف " باليد الخفية " ، أما ما يحدث الآن فهو تعديل ضخم في أسس الرأسمالية ، فتدخل الحكومة الأمريكية في علاج المشكلة يبدو واضحا لكل ذي عينين ، عبر شراء الأصول أو ضخ المزيد من الأموال أو غيرها من سبل معالجة الأزمة .
الحقيقة الأخرى أن القضية الاقتصادية تبدو الآن و كأنها بالأساس قضية أخلاقية ، فلا يمكن الحديث عن هذه الأزمة دون التعرض إلى عامل أساسي ساهم بشكل مهيمن على انطلاقة شرارتها وهو السقوط الأخلاقي، حيث تميز التعامل المالي بعوامل ثلاثة تلتف كلها حول ماهية الربح والكسب، فالربح الرأسمالي في مفهومه الممارس بعيدا عن تعقيدات المدارس الفكرية تحمله ثلاثية جهنمية، فهو ربح شخصي، وربح عاجل، وربح وافر، في إطار تنافسي غير سليم، حيث تتداخل فيه عوامل احتكار المعلومة أو السلعة، وممارسات التلفيق والتغرير في كثير من الثنايا والوجوه.
الأخلاق والأبعاد الروحية ليست إطارا أو ديكورا للاقتصاد ولا حالة استثناء، بل هي الأصل في العملية الاقتصادية. فليست هناك أخلاق اقتصادية ولكن هناك اقتصاد أخلاقي. ولا تخفى على أحد أهمية الأخلاق في المشروع الإسلامي حتى إنها جمعت هدف الرسالة المحمدية (حديث: "إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق").
إن محاربة الفساد والإفساد تشكل إحدى المهمات الرئيسية لمشهد اقتصادي سليم، ولا يمكن بناء رفاهة اقتصادية على أسس مغروسة في مستنقعات الرشَى والمحسوبية والغش. ولا يمكن لمنظومة قيمية حازمة الاحترام والتأطير إذا لم يكن الإطار مهذبا من هذه الطفيليات التي أصبحت تشكل ثقافة وعقلية وحتى آلية في خدمة اقتصاد غير عادل ومتخلف.
فمن أولويات هذا البعد الأخلاقي تفعيله المباشر في حزمة من القوانين الرادعة والمناهج التربوية البناءة والقرارات الاقتصادية الفاعلة لتشكّل حلقة ثقافية اجتماعية اقتصادية سليمة تؤسس على بياض.
وهذه السقطة الأخلاقية الأساسية التي يحفل بها المشهد المتأزم الحالي، تقابلها المرجعية الإسلامية بنظرة فطرية سامية للمال وللكسب، فالمال مال الله بما يعنيه ذلك من ملكية محدودة وضوابط يلزمها المالك الحقيقي بها الخليفة، فلا ربا ولا احتكار ولا غش ولا محسوبية ولا غرر ولا ميسر.
ورغم هذا التفسير البسيط لهذه العلاقة التي يمكن أن تتمايل لها بعض الرؤوس استخفافا فإنها في أبعادها الكبرى وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة لها بصمات وتوجيهات أساسية وهي تشبه في حالها حراك أجنحة فراشة في الصين في تكوّن الأعاصير الشديدة والتغيرات المناخية الضخمة في الأرض من الجهة المقابلة.
ففلسفة المال في الإسلام واعتمادها على بعدي الفطرة والنسبية، تجعل من فطرية التملك فطرية في السلوك والمعاملات تنجر عنها حرية المبادرة داخل الإطار الشرعي المحدد، ومن هذه النسبية في التملك تتشكل نسبية في التصرف والإنفاق والتعامل، تؤطر داخل منظومة قيمية حازمة.
وهذه الفطرية والنسبية هما اللتان تؤطران المال المصرفي وتجعلانه رهينة هذه الأخلاقية الصارمة في المعاملات، فلا بيع لما لا تملك، ولا بيع للديون، ولا بيع على المكشوف. وهي مبادئ تشكل إحدى هنات الطرح الرأسمالي السائد والسبب الأولي في الأزمة المالية الحالية، على تعقيداتها الكثيرة.
والاقتصاد الإسلامي ليس اقتصاد سوق في مفهومه المتوحش والمستفرد، وليس اقتصاد تخطيط في بعده المركزي الضاغط والمهيمن، ولكنه اقتصاد سوق بالأساس لأنه اقتصاد الفطرة، مع توفر يد الدولة غير الخفية ولا المخفية.
عنصر الزكاة يمثل ولا شك إحدى خاصيات الطرح الإسلامي الاقتصادي وأعمدته الأساسية، وعلاقة الزكاة بالأزمات الاقتصادية عامة والأزمة الحالية خاصة، تبرز أولا من خلال البعد الأخلاقي لكسب المال والتصرف فيه، ثم البعد الاجتماعي في تقارب الطبقات وتعاونها، وفي البعد الاقتصادي عبر الأخذ بيد المعوزين في مسار تنموي صاعد، حيث لا تقف الزكاة عند باب الصدقة "الثابتة" ولكنها تدخل باب المسار التنموي المتحرك عبر إعانة المحتاجين على تنشئة موارد رزق قارة.
ولذلك فإذا حدثت أزمات في ظل تطبيق اقتصادي إسلامي، فإن معالجتها ستكون سريعة، وسيكون لمؤسسة الزكاة الضلع الأكبر في تجاوزها عبر حديث "في المال حق سوى الزكاة".
وفي حالنا اليوم فإن تدخل هذه المؤسسة يبدو حازما لو فرضنا أن مجتمعاتنا تعاني من أزمة عقارية على الشاكلة الأميركية، فمن واجبات هذه المؤسسة التدخل المباشر في إعانة الملهوفين مع تدخل الدولة حيث "لا يؤمن أحدكم وجاره جائع"، فكيف به وهو مطرود من بيته يفترش الأرض ويلتحف السماء؟
لذلك يبدو واضحا تماما أن النظام المصرفي الإسلامي ، بل النظام الاقتصادي الإسلامي ككل هو الحل الأمثل لتجاوز الأزمة الحالية ، ليس فقط معالجة تداعياتها عبر ضخ النقود أو شراء الأصول كما يحدث الآن ، لكنه يعالج أسبابها الجذرية ما يمنع تكرار مثلا مستقبلا ، و يحمي كذلك المستثمر و الدولة من الوقوع في أزمات مشابهة عبر العديد من الضوابط و الفلسفات ، أهمها فلسفة المشاركة .
ولا يسعنا أن نتعجب من أن يكون الاقتصاد الاسلامي قادرا على تجاوز المشكلات أو حلها أو معالجة أسبابها من البدء ، فالإسلام دين يشمل كل مناحي الحياة ، الاقتصاد منها أو السياسة أو الاجتماع ، و هو عندما يناقش قضية أو جانبا من جوانب حياة
الإنسان ، لا يهمل أي جانب آخر أو يغفل عنه ، ولا عجب ، فهو دين الله الخاتم .
المصادر :
موقع الجزيرة نت
موقع الألوكه
موقع إخوان أونلاين
شبكة محيط الإخبارية