محولة الملك غازي التخلص من الانكليز من والاستعانة بالفوهرر
لعل قصر عهده واضطراب المعلومات عنه واختلاف القريبين منه على تقييمه فقد ساد الاجماع الشعبي وانتقل ذلك إلى كتب التأريخ أن الملك غازي نجل الملك فيصل الأول الذي توج عام 1933 ملكاً على العراق وعمره واحد وعشرون عاما هو او ل زعيم عراقي يخرج بفكرة من بطون الكتب وأناشيد الطلبة ورسائل الدبلوماسيين وصالات الهمس السياسي إلى الصوت الاذاعي الممزوج بتميم والمدعوم بمؤسسة اذاعية خاصة تحض في برامجها أهل الكويت وأهل العراق على عمل ثوري ضد حاكم الكويت والحاق الكويت بالعراق عنوة. فوضع هذا الشاب قليل التجربة والخبرة والمعجب بسيارات السباق والطائرات الخفيفة موضع الملك سيجموند في عواطف البولنديين. وأحبه من لم يكن من محبي السلطة ورجالها المعزولين عن حياة الناس. لكن انطباع الساسة العراقيين والدبلوماسيين الأجانب الذين رافقوه في تلك الفترة واقتربوا من أسرار البلاط لا تشجع الباحث على الانضمام إل كتابات تروّج للصورة المتداولة في الأروقة الشعبية عنه. ولم ينجح هؤلاء الذين يبدو أنهم نفذوا اشارات رسمية بالتركيز الايجابي على الملك غازي وأصدروا أكثر من كتاب عنه في اخفاء جوانب من المعلومات الخاصة والمتداولة في أروقة الدبلوماسيين ومذكرات الساسة الملكيين والدبلوماسيين الأجانب عن الملك غازي.لكن حزباً أو شخصية أو حملة ما لم تستطع أن تخلخل خطوط الصورة الجميلة للملك غازي في الذهن الشعبي، رغم أنه لم يكسر تقاليد العزلة الملكية فيستقبل مثلا الناس ويستمع إلى همومهم أو يزورهم في المجالس والدواوين ولم تسجل على مستوى المخاصمة مع الانكليز حادثة له في الكتاب الوطني العراقي.
كان الملك غازي مغموساً في نمط من حياة الشباب إلى جانب حاشية من أصدقائه السابقين في الكلية العسكرية العراقية يمارسون في قصره الملكي دور التلاميذ في مدرسة مسائية بلا مدير. ولم تتناول التحليلات السياسية علاقته بياسين الهاشمي رئيس الوزراء القومي الذي حاول أن يشغل غرفة المدير فيها مكتفين بعرض نماذج من الاجراءات الصارمة لتقييد جرية الملك وما اذا كانت تلك الاجراءات خطوة لتجميده وازاحته عل غرار ما فعل زميله في الدراسة مصطفى كمال اتاتورك في تجميد السلطان العثماني قبل أن يتسنى له الغاء الخلافة. أو ما اذا استهدفت اجراءات التضييق عزل الملك للانفراد به. وما اذا كانت لتلك الاجراءات التي لم يقدم عليها رئيس وزراء ضد ملك عربي او شرقي صلة برواية العلاقة بين الملك وابنة الهاشمي وترشيح أوساط غير رسمية احتمال زواجها من الملك غازي وهو مشروع كان سيدعم مركز الهاشمي ويغيظ زملاءه الأقوياء أمثال نوري السعيد الذي عقب قائلا بلهجة عراقية (جانت عايزة التمّت، ما بعد إلا يصير ياسين عم الملك).
ومعروف عن الهاشمي أنه لا يلبث أن يغير عقيدته ومواقفه السياسية ولم يكن على صلابة نوري السعيد في خطه البريطاني وصلابة جعفر أبو التمن في خطه الوطني، لكنه كان يكتب ورقة للوطنيين يزايد فيها على وطنية أبو التمن وورقة للإنكليز يزايد فيها على ولاء الملك ونوري السعيد لهم.
واذ اكتشف الانكليز ورقته الوطنية عن طريق عميل لحسابهم من رجال الدولة، لم يكشف الوطنيون ورقته الانكليزية إلا بعد أن شكل وزارته الأولى ووقع على اتفاقية النفط التي منحت الشركات الأجنبية حق احتكار التنقيب والاستثمار والتسويق إل مطلع القرن الحادي والعشرين كما وقع عل الاتفاقية المالية التي اعترت العراق المحتل مديناً لبريطانيا ومسؤولاً عن تسديد نفقات الاحتلال، وإلا بعد أن نشرت المس بيل رسائلها إلى ابيها في كتاب.
والهاشمي رأس سلجوقي وشاربان ألمانيان وعينان ترقبان خطوات صديقه أتاتورك الذي أوعز لنوري السعيد ولسياسيين عراقيين بقبول زعامة الهاشمي منفذا لبرنامج اتاتوركي مماثل في العراق. وقد انفرد الهاشمي في الإشارة إلى (الوحدة) مع الكويت من بين زعماء الأحزاب الأخرى، لقد أهملت تحليلات خاصة بالظروف التي تهيأت للملك غازي بإعلان حركة ضمن الكويت، تلك الأسئلة ولم تشر إلى علاقة الأستاذ ساطع الحصري ومعلمي الملك غازي في الكلية العسكرية في الإعداد لحركة الضم.
ان كتابات الثناء على الملك غازي والتي تجد لها صد شعبياً طيباً تتحدث عنه بلغة الفخر وهو يقف وراء المايكروفون ويذيع تعليقات سياسية ضد شيوخ الكويت وينقل أخبار الحركة الوطنية الكويتية الناهضة عام 1938.
الواقع واستناداً إلى التقاليد الملكية فان عملا كهذا لا ينبغي أن يتورط الملوك بالاقتراب منه، فالملك ليس مذيعا ودار الاذاعة مكانها ليس القصر الملكي.
واذ يجري تكبير دور الملك غازي في تزعم حركة المطالبة بالكويت، تهمل الاشارة -إلا في حالات نادرة- إل احتمال أن يكون له دور في الأحداث الساخنة في فترة حكمه. فقد اشتعلت سبع انتفاضات وثورات محلية جرى قمعها بوحشية وحدث أول انقلاب عسكري على صعيد العراق والوطن العربي عندما قام نائب رئيس أركان الجيش الفريق بكر صدقي بالزحف على بغداد وقصفها بطائرات القوة الجوية مطالباً باجراء تغيير وزاري دون أن يمسّ الملك بضرر فاستجاب الملك حالاً وسقطت وزارة ياسين الهاشمي الذي جعلت اجراءاته الملك غازي لا يستطيع أن يقوم بأي عمل مهما كان بسيطاً دون موافقة رئيس الوزراء أو أخذ رأيه بواسطة رئيس الديوان الملكي عن طريق دائرة المرافقين، وقد شعر الملك غازي بوطأة وضغط رئيس المرافقين الشديد عليه حتى أخذ يردد قوله بأنه (سجين محترم). وكما أزيح الهاشمي عن رئاسة الوزراء فقد قتل أثناء حركة الجيش وزير الدفاع جعفر العسكري ثم اغتيل لاحقا الفريق بكر صدقي زعيم الانقلاب مع قائد القوة الجوية ولم يعد حكمت سليمان رئيس الوزراء والمنافس الاتاتوركي القوي يمتلك قوة اسناد.
نقول هل يمكن أن يكون الملك غازي بعيداً عن هذه (المكاسب) التي وفرت له حرية التصرف إلى جانب رئيس وزراء ضعيف وغير مكترث كجميل المدفعي، بعد أن كانت حركة الفريق بكر صدقي الطامح بالدور الاتاتوركي هو الآخر في 29 تشرين الأول 1936، وما أعقبها من أحداث درامية، قد أنهت صراع الجبابرة عل دور الجبار الأناضولي! ولم يبق في الساحة من الأقوياء سوى رشيد عالي الكيلاني، الذي كان موقعه الخطير رئيساً للديوان الملكي، كافياً لتمرير دور من أدوار الهاشمي، ولكن بطريقة خفية ومقبولة إلى حد! ولعله ضخ قدراً غير يسير من أفكاره ومشاعره في وجدان الملك الذي كان تلميذا في ذات المدرسة، وقد لا يكون بعيدا انه ان يحض الملك على اعلان فكرة الضم كممارسة بسماركية مطلوبة.أغلب الظن أن الملك بعد هذه الصراعات لابد أنه تساءل عن دوره كزعيم أو كملك لا يكتفي بلقب الجلالة السجين في قيود لم تعد قائمة بعد رحيل الهاشمي.
ان عددا من الظروف الناضجة ستلح عليه بالتحرك، فأعوام التثقيف الألماني والنفوذ الألماني، والرغبة الشخصية وجاذبية القادة الأربعة في ألمانيا وايطاليا وتركيا وإيران، وأصداؤها “الشعبية” في العراق قد وفرت مناخاً مناسباً للتحرك.
وكان الملك غازي مبتهجاً بأخبار النجاح الذي حققه هتلر بضم النمسا إلى الرايخ الألماني وحث روسيا على ضم أوكرانيا.
ولعل الملك غازي كان يتابع هو ومعلموه تفاصيل الخطة التي وضعتها ألمانيا لضم اقليم السوديت في مقاطعتي بوهيميا ومورافيا والعائد إلى جيكوسلوفاكيا لكون السكان في هذا الاقليم يتحدثون الألمانية، أو أنهم من الجنس الألماني فعلاً فأثار فيهم نخوة الانضمام إلى (الوطن الأم) منتهزاً ظروفاً دولية معقدة وموقف بريطانيا المؤيد لنقل اراضي السوديت إلى ألمانيا، فعبر الجنود الألمان الحدود في أول اكتوبر تشرين أول 1938. وإذ رأى الجيران هذا طالبت بولندا بمدينة تشن من جيكوسلوفاكيا وتقدم الهنغاريون بطلب أجزاء أخرى منها. أما الإيطاليون فقد هتفوا في مجلس النواب وصاحوا (تونس. كورسيكا. جيبوتي).
كانت اذاعة برلين العربية في تلك الفترة تبث لتحريض العرب على الانكليز والترويج للنازية، وكان نفوذ السفير الألماني في بغداد موازياً لنفوذ السفير البريطاني، ولابد أن عناصر ألمانية اتصلت بمن يعمل في اذاعة الملك غازي وقدمت لها معلومات وأخباراً وتقارير لمساعدتها على تغطية أوقات البث واستخدامها في هدف مشترك.
حسين الخزاعي (الفوهرر) - العراق