ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    عثمان بن مظعون (المسلم الرابع عشر )

    ابو مصعب
    ابو مصعب
    ركن أساسي ساهم في رفعة المنتدى
    ركن أساسي ساهم في رفعة المنتدى


    عدد الرسائل : 189
    العمر : 37
    العمل/الترفيه : طالب جامعى
    المزاج : اريد حياة صالحة والرزق والصحة
    نقاط : 138
    تاريخ التسجيل : 04/10/2008

    عثمان بن مظعون (المسلم الرابع عشر ) Empty عثمان بن مظعون (المسلم الرابع عشر )

    مُساهمة من طرف ابو مصعب الثلاثاء ديسمبر 02, 2008 2:11 pm

    عثمان بن مظعون المسلم الرابع عشر

    كان عثمان بن مظعون واحداً من الذين التفوا حول النبي صلى الله عليه وسلم.. يستمعون إليه وهو يلقي أول خطبة معلنًا نبوته.. داعياً إلى الاسلام.. وانصرف مع من انصرف من الناس وصوت النبي يتردد في أعماقه.. فقد كان لكلماته صلوات الله عليه أكبر الأثر في نفسه ولكن شيئاً ما أخره عن إعلان إسلامه، لم يعرف له كنهاً. ولكنه أرق ضميره طوال عمره بعد ذلك. إذ لم يكن أول من مد يده إلى النبي مبايعاً.. ومسلماً.. الأمر الذي أضفى على سلوكه إيمان المتصوفة وزهد الصالحين بقية حياته.. وشاهد عثمان معارضة قريش والزعماء للنبي ودعوته، وشاهد أيضا بدء مراحل الاضطهاد والتعذيب لكل من يعلن إسلامه.. ولكل من يسير وراء محمد عليه الصلاة والسلام.. وأحس بقلبه يثور عليه، وبضيق يكتم أنفاسه واستمر على ذلك أياماً حتى أحس ذات ليلة أنه يكاد يختنق ما لم يجد حلاً يخرجه من حيرته فيحدد لنفسه موقفاً من الدين الجديد.


    إيمان راسخ

    وجاء الصباح وفي وضح النهار كان يسير في شوارع مكة بوقاره وعظمة رجولته حتى وصل إلى دار النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وأعلن إسلامه ويومها أصبح عدد المسلمين أربعة عشر شخصاً لا أكثر، وبدأ عثمان حياة جديدة وكان يعتبر وبحق أن إسلامه يسدل ستاراً كثيفاً على حياته السابقة.. وبشوق الإيمان وبتأنيب الضمير لأنه لم يكن أول من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، بدأ عثمان بن مظعون حياة فريدة مع المسلمين. فكان يشاركهم كل حياتهم.. وكل متاعبهم وقد جهر بإسلامه. ودعا إليه أهله وسارت من خلفه زوجته وابنه الأمر الذي أثار عليه قومه حتى نسوا أنه واحد من الشعراء وأن بعض أشعاره تتناقلها الركبان ولم يخشوا هجاءه لهم. والعرب يومذاك كانت تجري أعظم قبائلها وراء بيت شعر مادح وتدفع أثقالاً لتمنع بيت هجاء فيها نسوا ذلك كله، وبدأوا معه أنواعاً شتى من العذاب حيث ضربوه.. وسجنوه وربطوا على قلبه الأحجار وتركوه فوق الصخور أياماً وليالي وليزداد ألماً وكلوا بهذا التعذيب أقرب أهله إليه مودة في حياته السابقة ابن عمه أمية بن خلف.. ومع ذلك لم يهتز إيمان عثمان ولم يستسلم لكل ما قدموه إليه من إغراء حتى يترك دينه ويسب نبيه بل صمد وقاوم وصبر وراح يجهر بإسلامه وخشي عليه النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يلقاه فأمره بالهجرة إلى الحبشة مع القلة المؤمنة الأولى.. وأن يصحب معه ابنه السائب وأن يكون هو أميراً على هذه المجموعة التي أحبها الله ورسوله. وأطاع عثمان أمر النبي بعدما كان يتمنى البقاء الى جانبه فما كان له أن يختار أمراً غير الذي يريده الرسول صلى الله عليه وسلم. وبقي في الحبشة مع المهاجرين يتدارسون دينهم.. ويتلقون في شوق أخبار نبيهم وتأتيهم الرسل بكل جديد من القرآن الكريم يحفظونه ويعبدون الله ويتشوقون للحظة العودة حيث الرسول صلى الله عليه وسلم وحيث الدعوة.. ووصلت أخبار إلى قريش تخص هذا الوفد الاسلامي. فكادت أن تجن وحاولت استعادتهم ففشلت. فحاولت الوقيعة بينهم وفشلت أيضا. فلجأت أخيراً إلى المكر والخداع فأرسلت من يخبرهم بأن قريشاً قد آمنت بالله.. واتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مكة كلها أصبحت على يد رجل واحد تؤمن بالاسلام، وخرج المهاجرون وسارعوا بالعودة إلى مكة.

    وعلى مشارف مكة اكتشف المسلمون الخديعة والكذب. وكان أهل قريش وأتباعها يعلمون ما يدبر لهذه الفئة المؤمنة بالله ورسوله. ولكن واحداً منهم كانت تربطه بعثمان أواصر مودة عميقة وجذبه إليه صموده إزاء ما يلقاه فقابله في الطريق قبل وصوله مكة ولم يحدثه بنوايا قريش وإنما ألح عليه في أن يدخل في جواره. ومازال به حتى قبل، ذلكم هو الوليد بن المغيرة وبذلك دخل عثمان مكة آمناً. وتمر الأيام، ويرى عثمان أن رفاقه في الدعوة وإخوانه في الدين يلاقون من أنواع العذاب ما لم تشهده مكة من قبل ويرى أيضا أنه يسير في طرقات مكة آمناً ويؤدي مناسك دينه سالماً ولم يكن كذلك قبل هجرته إلى الحبشة رغم ما كان له من مكانة وعزة. وتمردت عليه نفسه الأبية، وثارت فيه كل مكامن الرجولة والعظمة والشهامة، وإذا به كما يقول واحد من الصحابة الأول: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة قال: والله إن غدوي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة وقال له: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك وقد رددت إليك جوارك. فقال له: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي، قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله ولا أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاُردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية.. فانطلقا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري، قال عثمان: صدق، ولقد وجدته وفياً كريم الجوار ولكنني أحببت ألا أستجير بغير الله. ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، فقال عثمان: صدقت. قال لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل فقال عثمان: كذبت.. نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد: يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه فارق ديننا.. فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان بن مظعون حتى شرى أمرهما فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما يحدث لعثمان. فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية. لقد كنت في ذمة منيعة فقال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس، فقال له الوليد: هلم يا بن أخي إن شئت فعد إلى جواري فقال ابن مظعون: لا.. ويترك عثمان المجلس ويعود إلى داره راضياً بما قدر الله.. سعيداً بمشاركة إخوانه في الدين مصيرهم، ومنشداً شعراً يتناقله العرب في كل مكان:




    فإن تك عيني في رضا الله نالها

    يدا ملحد في الدين ليس بمهتدي

    فقد عوض الرحمن منها ثوابه

    ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعدِ

    فإني وإن قلتم غوي مضلل

    لأحيا على دين الرسول محمدِ

    أريد بذاك الله والحق ديننا

    على الرغم من يبغي علينا ويعتدي


    أنموذج فريد

    وعلى الرغم من عينه الجريحة إلا أن أهله ومشركي قريش لم يتركوه، بل مارسوا معه كل أنواع التعذيب لعله يترك دينه، أو يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم جميعاً لم ينالوا منه شيئاً، واستمر يعاندهم بقوة إيمانه وصلابة عزيمته إلى أن أذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، ووصلها عثمان بن مظعون ليشهد المسلمون في المدينة فيه أنموذجاً فريداً في العبادة والدعوة فقد كان رضي الله عنه يرفض كل متع الحياة وكان يقبل على الله بقلب تهتز لإيمانه الدنيا وكان يعمل.. ويتعلم.. ولا يغيب عنه رسول الله لحظة.. حتى ظنه بعض العرب من أسرة النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة ما رأوه من محبته صلى الله عليه وسلم له، وتفقده إياه وكثرة السؤال عنه. واشترك مع النبي الكريم في بعض الغزوات.. فكان الفدائي البطل الذي يبحث عن الاستشهاد ولم يطل به الأجل فقد هد جسده ما لقي من عذاب فوق طاقة البشر ولم تنفع مقاومته للآلام وآثار التعذيب. فسقط ذات يوم صريع هذا كله.. وفي ومضة كان المسلم الرابع عشر في تاريخ المسلمين المشرق الحافل يلفظ أنفاسه الأخيرة، راضياً مطمئناً وليكون أول المهاجرين وفاة بالمدينة المنورة.. وينحني النبي العظيم ليقبله وهو يبكي بكاء تهتز له القلوب من حوله وحتى يبتل وجه عثمان بدموع النبي ويودعه بكلمات جليلة: “رحمك الله أبا السائب. خرجت من الدنيا وما أصبت منها ولا أصابت منك”. ثم يأمر النبي بدفنه بعد أن صلى عليه، فيكون عثمان بن مظعون أول من يدفن في البقيع.

    د. عبدالكريم صقر
    منقول من جريدة الخليج
    الإمارات



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 5:40 am