أولاً: سيادة لهجة قريش:
مر بنا عند الحديث عن اللهجات أن هناك لغة مشتركة كان العرب ينظمون بها شعرهم وخطابهم، وأنهم اصطلحوا على هذه اللهجة الفصحى.
وهذه اللهجة أو اللغة المشتركة يطلق عليها أحياناً لغة قريش التي نزل بها القرآن الكريم، ووصلنا بها الشعر الجاهلي.
ولقد كان لقريش الحظ الأوفر من هذه اللغة، مما حدا ببعض الباحثين إلى تسميتها بالقرشية.
بل لقد استقر في نفوس الأسلاف أن هذه اللهجة الفصحى إنما هي لهجة قريش، وأن قريشاً كانوا أفصح العرب، وأنهم مع ذلك كانوا يتخيرون من كلام الناس أحسنه وأصفاه.
قال أبو نصر الفارابي: "كانت قريش أجود العرب انتقاءً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعاً، وأبينها إبانة عند النطق".
وقال أحمد بن فارس : "أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمد مولى بني هاشم بقزوين، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عباس الخُشكي قال: حدثنا إسماعيل بن أبي عبدالله قال: أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالِّهم أن قريشاً أفصح العرب ألسنةً، وأصفاهم لغةً.
وذلك أن الله - جل ثناؤه - اختارهم من جميع العرب، واصطفاهم، واختار منهم نبيَّ الرحمة محمداً " فجعل قريشاً قُطَّان حرمه، وجيران بيته الحرام، وولاته؛ فكانت وفود العرب من فجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم، وتحكم بينهم.
ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم، وتسميهم (أهل الله) لأنهم الصريح من إسماعيل - عليه السلام - لم تَشُبْهُم شائبة، ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة، فضيلةً من الله - جل ثناؤه - لهم، وتشريفاً؛ إذ جعلهم رهط نبيه الأولين، وعترته الصالحين.
وكانت قريش - مع فصاحتها، وحسن لغاتها، ورقة ألسنتها - إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم، وأصفى كلامهم؛ فاجتمع ما تخير من تلك اللغات إلى نحائزهم، وسلائقهم التي طبعوا عليها؛ فصاروا بذلك أفصح العرب.
ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفيَّة قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكسر الذي تسمعه من أسد، وقيس مثل: تِعلمون، ونِعلم، ومثل: شِعير، وبِعير".
ثانياً: عوامل سيادة لهجة قريش:
لقد تضافرت عوامل عديدة جعلت قريشاً تسود العرب زعامة، ومدنية، ولغة قبل الإسلام.
ولقد مر شيء من ذلك فيما سبق، وفيما يلي إجمال لتلك العوامل:
1- المكانة الدينية لموقع قريش: فقريش تقطن مكة، والعرب يحجون البيت الحرام، ويعترفون لقريش بالنفوذ الديني.
2- العامل الاقتصادي: فأسواق مكة، وشهرتها الاقتصادية، وقيامها بين الشام واليمن جعل لقريش مكانة عظيمة بين القبائل.
3- العامل الثقافي: حيث كان التجار والشعراء والخطباء يرتادون أسواق مكة، ومنتدياتهم الثقافية والأدبية.
ومما يدعم هذا العامل ما ذكره الرواة من أن العرب تعرض أشعارها على قريش؛ فما قبلوه كان مقبولاً، وما ردوه كان مردوداً، فقدم عليهم علقمة بن عَبَدَة التميمي فأنشدهم قصيدته:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم * أم حبلها إذ نأتك اليوم iiمصروم
فقالوا: هذه سمط الدهر أي: قلادته.
ثم عاد من العام المقبل، فأنشدهم قصيدته:
طحابك قلبٌ في الحسان طروب * بُعيد الشبابِ عصر حان iiمشيب
فقالوا: هاتان سمطا الدهر.
ويدلك على عنايتهم بأمر الفصاحة ما وصل إلينا من نتائج أفكارهم، وبدائع خطبهم وقصائدهم في سوق عكاظ، وسوق مجنة؛ إذ يفدون عليهما في موسم الحج، ويقيمون في سوق عكاظ ثلاثين يوماً، وفي مجنة سبعة أيام يتناشدون ما وضعوه من الشعر، ويتفاخرون بجودة صنعة الكلام.
وعند احتفالهم يضربون قبة للشاعر العظيم في وقته (النابغة الذبياني) ويعرضون عليه منتخبات أشعارهم.
4-العامل السياسي والجغرافي: حيث كانت مكة أبعد المناطق عن صراع الفرس والروم والأحباش؛ فعلى حين تعرض عرب الشام، والعراق واليمن وأطراف الجزيرة إلى الخطر دائماً من عدوهم، وأنهم قد اختلطوا بالأعاجم مما أدخل في لغتهم الكثير - نجد أن أهل مكة يعيشون في استقلال، وحرية، وبعد عن الأخطار مما جعل العرب ينظرون إلى مكة وأهلها نظرة تقدير وإجلال.
5- أيام العرب: وهي الحروب التي كانت تشنها قبائل العرب بعضها على بعض، أو تشنها على الأجانب لأي سبب من الأسباب.
وكان دعامتهم في هذه الحروب الكلام البليغ الذي يلجأ إليه قوادهم، ورؤساؤهم، وساداتهم، وجنودهم؛ للتفاخر، وتعداد المآثر، واستفزاز الهمم، والحث على الشجاعة.
وكان جميع ما يقال في هذه الحروب مؤلفاً بلغة قريش، وغنيٌّ عن البيان ما كان لذلك من أثر في نهضة هذه اللغة، وتجويدها، واتساع نطاقها.
6- سعة لغة قريش وغزارتها: فلغة قريش كانت أوسع اللغات ثروة، وأغزرها مادة، وأبعدها عن اللهجات المعيبة - كما مر - .
7- نزول القرآن بها: فالقرآن الكريم نزل بلغة عربية أكثرها لقريش، ولكنها معروفة للعرب جميعاً.
فهذه العوامل مكنت للغة قريش، وجعلت لها السيادة والريادة.
مر بنا عند الحديث عن اللهجات أن هناك لغة مشتركة كان العرب ينظمون بها شعرهم وخطابهم، وأنهم اصطلحوا على هذه اللهجة الفصحى.
وهذه اللهجة أو اللغة المشتركة يطلق عليها أحياناً لغة قريش التي نزل بها القرآن الكريم، ووصلنا بها الشعر الجاهلي.
ولقد كان لقريش الحظ الأوفر من هذه اللغة، مما حدا ببعض الباحثين إلى تسميتها بالقرشية.
بل لقد استقر في نفوس الأسلاف أن هذه اللهجة الفصحى إنما هي لهجة قريش، وأن قريشاً كانوا أفصح العرب، وأنهم مع ذلك كانوا يتخيرون من كلام الناس أحسنه وأصفاه.
قال أبو نصر الفارابي: "كانت قريش أجود العرب انتقاءً للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعاً، وأبينها إبانة عند النطق".
وقال أحمد بن فارس : "أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمد مولى بني هاشم بقزوين، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عباس الخُشكي قال: حدثنا إسماعيل بن أبي عبدالله قال: أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالِّهم أن قريشاً أفصح العرب ألسنةً، وأصفاهم لغةً.
وذلك أن الله - جل ثناؤه - اختارهم من جميع العرب، واصطفاهم، واختار منهم نبيَّ الرحمة محمداً " فجعل قريشاً قُطَّان حرمه، وجيران بيته الحرام، وولاته؛ فكانت وفود العرب من فجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم، وتحكم بينهم.
ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم، وتسميهم (أهل الله) لأنهم الصريح من إسماعيل - عليه السلام - لم تَشُبْهُم شائبة، ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة، فضيلةً من الله - جل ثناؤه - لهم، وتشريفاً؛ إذ جعلهم رهط نبيه الأولين، وعترته الصالحين.
وكانت قريش - مع فصاحتها، وحسن لغاتها، ورقة ألسنتها - إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم، وأصفى كلامهم؛ فاجتمع ما تخير من تلك اللغات إلى نحائزهم، وسلائقهم التي طبعوا عليها؛ فصاروا بذلك أفصح العرب.
ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفيَّة قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكسر الذي تسمعه من أسد، وقيس مثل: تِعلمون، ونِعلم، ومثل: شِعير، وبِعير".
ثانياً: عوامل سيادة لهجة قريش:
لقد تضافرت عوامل عديدة جعلت قريشاً تسود العرب زعامة، ومدنية، ولغة قبل الإسلام.
ولقد مر شيء من ذلك فيما سبق، وفيما يلي إجمال لتلك العوامل:
1- المكانة الدينية لموقع قريش: فقريش تقطن مكة، والعرب يحجون البيت الحرام، ويعترفون لقريش بالنفوذ الديني.
2- العامل الاقتصادي: فأسواق مكة، وشهرتها الاقتصادية، وقيامها بين الشام واليمن جعل لقريش مكانة عظيمة بين القبائل.
3- العامل الثقافي: حيث كان التجار والشعراء والخطباء يرتادون أسواق مكة، ومنتدياتهم الثقافية والأدبية.
ومما يدعم هذا العامل ما ذكره الرواة من أن العرب تعرض أشعارها على قريش؛ فما قبلوه كان مقبولاً، وما ردوه كان مردوداً، فقدم عليهم علقمة بن عَبَدَة التميمي فأنشدهم قصيدته:
هل ما علمت وما استودعت مكتوم * أم حبلها إذ نأتك اليوم iiمصروم
فقالوا: هذه سمط الدهر أي: قلادته.
ثم عاد من العام المقبل، فأنشدهم قصيدته:
طحابك قلبٌ في الحسان طروب * بُعيد الشبابِ عصر حان iiمشيب
فقالوا: هاتان سمطا الدهر.
ويدلك على عنايتهم بأمر الفصاحة ما وصل إلينا من نتائج أفكارهم، وبدائع خطبهم وقصائدهم في سوق عكاظ، وسوق مجنة؛ إذ يفدون عليهما في موسم الحج، ويقيمون في سوق عكاظ ثلاثين يوماً، وفي مجنة سبعة أيام يتناشدون ما وضعوه من الشعر، ويتفاخرون بجودة صنعة الكلام.
وعند احتفالهم يضربون قبة للشاعر العظيم في وقته (النابغة الذبياني) ويعرضون عليه منتخبات أشعارهم.
4-العامل السياسي والجغرافي: حيث كانت مكة أبعد المناطق عن صراع الفرس والروم والأحباش؛ فعلى حين تعرض عرب الشام، والعراق واليمن وأطراف الجزيرة إلى الخطر دائماً من عدوهم، وأنهم قد اختلطوا بالأعاجم مما أدخل في لغتهم الكثير - نجد أن أهل مكة يعيشون في استقلال، وحرية، وبعد عن الأخطار مما جعل العرب ينظرون إلى مكة وأهلها نظرة تقدير وإجلال.
5- أيام العرب: وهي الحروب التي كانت تشنها قبائل العرب بعضها على بعض، أو تشنها على الأجانب لأي سبب من الأسباب.
وكان دعامتهم في هذه الحروب الكلام البليغ الذي يلجأ إليه قوادهم، ورؤساؤهم، وساداتهم، وجنودهم؛ للتفاخر، وتعداد المآثر، واستفزاز الهمم، والحث على الشجاعة.
وكان جميع ما يقال في هذه الحروب مؤلفاً بلغة قريش، وغنيٌّ عن البيان ما كان لذلك من أثر في نهضة هذه اللغة، وتجويدها، واتساع نطاقها.
6- سعة لغة قريش وغزارتها: فلغة قريش كانت أوسع اللغات ثروة، وأغزرها مادة، وأبعدها عن اللهجات المعيبة - كما مر - .
7- نزول القرآن بها: فالقرآن الكريم نزل بلغة عربية أكثرها لقريش، ولكنها معروفة للعرب جميعاً.
فهذه العوامل مكنت للغة قريش، وجعلت لها السيادة والريادة.