ظل العلماء العرب مهتمين بالتأليف اللغوي من جوانبه المختلفة إلى أن كان القرن الرابع الهجري الذي يعد عصر ازدهار العلوم اللغوية؛ ففي هذا القرن وُجد عدد كبير من علماء اللغة الذين أثروا المكتبة العربية بتآليفهم اللغوية.
ولعل تأليف المعاجم كان أبرز ما ألف آنذاك؛ فمن المعاجم التي ألفت:
1-الجمهرة لابن دريد ت321هـ
2-ديوان الأدب للفارابي ت350هـ
3-البارع للقالي ت358هـ
4-التهذيب للأزهري ت370هـ
5-الصحاح للجوهري ت400هـ
كما ألف عدد من الكتب في القراءات القرآنية، والنحو والصرف، والأصوات، وغيرها.
أما البداية الحقيقية لفقه اللغة، وظهوره كعلم مستقل - فكانت على يد عالمين من علماء اللغة الكبار في القرن الرابع؛ حيث كان لهما أكبر الأثر في التأليف في (فقه اللغة) وتعد مؤلفاتهما البداية الحقيقة لإفراد هذا العلم بكتب خاصة.
الأول: أبو الحسين أحمد بن فارس ت395هـ: الذي ألف مجموعة من الكتب اللغوية وغيرها، ومنها كتاب: (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها).
وترجع أهميةُ هذا الكتاب إلى أمور عديدة لعل أهمها كونه أول كتاب في العربية يحمل اصطلاح (فقه اللغة).
وبه تأثر المؤلفون من بعده، واتخذوا هذا الاصطلاح فناً لغوياً مستقلاً.
وقد عالج ابن فارس -رحمه الله- في كتابه (الصاحبي) عدداً من الموضوعات التي تعد من صميم فقه اللغة، وجمع في كتابه ما تفرق في كتب من سبقه.
قال -رحمه الله- في مقدمة كتابه: "والذي جمعناه في مؤلفنا هذا مفرق في أصناف العلماء المتقدمين - رضي الله عنهم وجزاهم عنا أفضل الجزاء - .
وإنما لنا فيه اختصار مبسوط، أو بسط مختصر، أو شرح مشكل، أو جمع متفرق".
ثم بعد ذلك شرع -رحمه الله- في أبواب الكتاب التي تعد النواة الأولى في فقه اللغة، وذلك كحديثه عن نشأة اللغة، والخط العربي، وعن خصائص اللغة، ومزاياها.
وكحديثه عن اختلاف اللغات، وأقسام الكلام، ومعاني الحروف.
وكحديثه عن الخطاب المطلق والمقيد، وعن الحقيقة والمجاز، والقلب، والإبدال، والعموم، والخصوص، والحذف والاختصار، والاتباع، والنحت، والإشباع وغيرها.
وبالجملة فإن الكتاب يحتوي على 207 من الأبواب.
كل ذلك مع أن الكتاب في مجلد واحد، ويقع بعد التحقيق في 238 صفحة.
وقد طبع عدة طبعات، ولعل من آخرها طبعة دار الكتاب العلمية 1418هـ -1998م.
وقد علق عليه ووضع حواشيه أحمد حسن بسج.
كما أن ابن فارس -رحمه الله- أثرى المكتبة العربية بمعجم سماه (مقاييس اللغة).
وهو من أضخم المعاجم العربية.
وله معجم آخر اسمه (مجمل اللغة).
وهذه الكتب تدل على عقلية جبارة، وموهبة فذة مبتكرة.
وسيأتي مزيد حديث عن ابن فارس عند الحديث عن المعاجم العربية.
الآخر: أبو الفتح عثمان بن جني: كان أبوه جنيٌّ مملوكاً رومياً لسليمان ابن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي.
وجِنِّي بكسر الجيم وتشديد النون مكسورة، وسكون الياء - معرَّب كِنِّي.
ولد في الموصل سنة 300هـ، وقيل 322هـ وتوفي في بغداد عام 392هـ.
كان ابن جني رجل جدٍّ، وامرأَ صدقٍ في فعله وقوله؛ فلم يعرف عنه اللهو والشرب والمجون.
وكان عف اللسان والقلم يتجنب البذي من الألفاظ، ولم يكن همه رضاء الملوك ومنادمتهم كحال أدباء عصره.
أخذ النحو عن الأخفش، وبعده عن أبي علي الفارسي، وأخذ عن كثير من رواة اللغة والأدب.
اجتمع ابن جني بالمتنبي في حلب عند سيف الدولة، وفي شيراز عند عضد الدولة البويهي.
وكان المتنبي يجله، ويقول فيه: "هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس".
وكان إذا سئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف في شعره يقول: "سلوا صاحبنا أبا الفتح".
وكان يقول: "ابن جني أعرف بشعري مني".
وكان ابن جني يعجب بشعر المتنبي، ويستشهد بشعره في المعاني، وهو أول من شرح ديوانه، وله في ذلك شرحان: كبير وصغير.
أما مذهبه الكلامي فقد كان معتزلياً كما ذكر ذلك السيوطي في المزهر.
ويذكر بعض مترجميه أن لا يتقيد بأصول المعتزلة، ويذهب إلى ما يراه الحق.
يعد ابن جني من كبار علماء العربية وأفذاذها.
وكان محل الثناء من قبل كثير من العلماء، قال عنه الثعالبي: "هو القطب في لسان العرب، وإليه انتهت الرياسة في الأدب".
وقال عنه الفيروز أبادي: "الإمام الأوحد، البارع المتقدم".
وله كتب كثيرة في فنون مختلفة لم تعرف العربية لها نظيراً.
وله فيما يعد من صميم فقه اللغة كتابان جليلان.
أولهما: كتاب (الخصائص): حيث عالج فيه كثيراً من قضايا فقه اللغة، وقدم نظريات وآراء تجاري أو تفوق أحدث ما قال به العلماء.
وقد تحدث في كتابه المذكور عن موضوعات كثيرة تعد من صميم فقه اللغة.
ومنها حديثه عن أصل اللغة، ومقاييس العربية، وتداخل اللغات، والاشتقاق الأكبر، والإدغام، والعلاقة بين الألفاظ والمعاني، والتقديم والتأخير، واستخلاص معاني الأوصاف من المعاني، والإبدال.
وقد طبع عدة طبعات، وطبع أخيراً بتحقيق د. عبدالحميد هنداوي، ونشرته دار الكتب العلمية 1421هـ - 2001م
وهذه الطبعة تميز بحسن إخراجها، ودقة فهارسها، حيث يستطيع الباحث أن من خلالها الوصول إلى آراء ابن جني عبر الفهارس بدون كلفة.
أما كتاب الثاني فهو: (سر صناعة الإعراب): وقد خصه ابن جني لدراسة الأصوات؛ فكان أول عالم في العربية يفرد هذا البحث بكتاب مستقل؛ حيث كان قبله يُدْرَسُ ضمن بحوث النحو كما في كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد.
وقد قدم ابن جني في كتابه مباحث قيمة في علم الأصوات مستفيداً من سابقيه، ومضيفاً إليه الكثير؛ فهو في مقدمته يتحدث عن الفرق بين الصوت والحرف، وهو يشبه الحلق والفم بالناي، ويذكر أن الحركات أبعاض حروف المد.
ثم يتحدث عن الحروف، ومخارجها، وأجناسها، ومدارجها، وفروعها المستحسنة، والمستقبحة، وذكر خلاف العلماء فيها مستقصىً مشروحاً.
وبعد ذلك يعقد لكل حرف من حروف العربية مرتبة على الحروف الألفبائية باباً يتكلم فيه عن صفاته، ومخرجه، وما يعرض له من قلب، أو إبدال، أو إدغام، كما يتعرض لكثير من القضايا النحوية.
كما تحدث عن تصريف حروف المعجم، واشتقاقها، وجمعها، كما تحدث عن مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض، وما يجوز من ذلك وما يمتنع، وما يحسن وما يقبح إلى غير ذلك مما حفل به ذلك الكتاب.
والناظر في هذا الكتاب يلحظ فيه مزايا عديدة منها على سبيل الإجمال: غزارة المادة، والوضوح والسهولة، والشمول والاستقصاء.
وقد طبع هذا الكتاب مؤخراً في مجلدين طبعة طيبة معتنى بها كثيراً، حيث درسها وحققها د. حسن هنداوي، وقد قدم للكتاب بمقدمة رائعة بين فيها شيئاً من سيرة ابن جني، وأردفها بحديث ماتع عن الكتاب وعن سبب تسميته، وعن بعض مزاياه.
ولعل تأليف المعاجم كان أبرز ما ألف آنذاك؛ فمن المعاجم التي ألفت:
1-الجمهرة لابن دريد ت321هـ
2-ديوان الأدب للفارابي ت350هـ
3-البارع للقالي ت358هـ
4-التهذيب للأزهري ت370هـ
5-الصحاح للجوهري ت400هـ
كما ألف عدد من الكتب في القراءات القرآنية، والنحو والصرف، والأصوات، وغيرها.
أما البداية الحقيقية لفقه اللغة، وظهوره كعلم مستقل - فكانت على يد عالمين من علماء اللغة الكبار في القرن الرابع؛ حيث كان لهما أكبر الأثر في التأليف في (فقه اللغة) وتعد مؤلفاتهما البداية الحقيقة لإفراد هذا العلم بكتب خاصة.
الأول: أبو الحسين أحمد بن فارس ت395هـ: الذي ألف مجموعة من الكتب اللغوية وغيرها، ومنها كتاب: (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها).
وترجع أهميةُ هذا الكتاب إلى أمور عديدة لعل أهمها كونه أول كتاب في العربية يحمل اصطلاح (فقه اللغة).
وبه تأثر المؤلفون من بعده، واتخذوا هذا الاصطلاح فناً لغوياً مستقلاً.
وقد عالج ابن فارس -رحمه الله- في كتابه (الصاحبي) عدداً من الموضوعات التي تعد من صميم فقه اللغة، وجمع في كتابه ما تفرق في كتب من سبقه.
قال -رحمه الله- في مقدمة كتابه: "والذي جمعناه في مؤلفنا هذا مفرق في أصناف العلماء المتقدمين - رضي الله عنهم وجزاهم عنا أفضل الجزاء - .
وإنما لنا فيه اختصار مبسوط، أو بسط مختصر، أو شرح مشكل، أو جمع متفرق".
ثم بعد ذلك شرع -رحمه الله- في أبواب الكتاب التي تعد النواة الأولى في فقه اللغة، وذلك كحديثه عن نشأة اللغة، والخط العربي، وعن خصائص اللغة، ومزاياها.
وكحديثه عن اختلاف اللغات، وأقسام الكلام، ومعاني الحروف.
وكحديثه عن الخطاب المطلق والمقيد، وعن الحقيقة والمجاز، والقلب، والإبدال، والعموم، والخصوص، والحذف والاختصار، والاتباع، والنحت، والإشباع وغيرها.
وبالجملة فإن الكتاب يحتوي على 207 من الأبواب.
كل ذلك مع أن الكتاب في مجلد واحد، ويقع بعد التحقيق في 238 صفحة.
وقد طبع عدة طبعات، ولعل من آخرها طبعة دار الكتاب العلمية 1418هـ -1998م.
وقد علق عليه ووضع حواشيه أحمد حسن بسج.
كما أن ابن فارس -رحمه الله- أثرى المكتبة العربية بمعجم سماه (مقاييس اللغة).
وهو من أضخم المعاجم العربية.
وله معجم آخر اسمه (مجمل اللغة).
وهذه الكتب تدل على عقلية جبارة، وموهبة فذة مبتكرة.
وسيأتي مزيد حديث عن ابن فارس عند الحديث عن المعاجم العربية.
الآخر: أبو الفتح عثمان بن جني: كان أبوه جنيٌّ مملوكاً رومياً لسليمان ابن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي.
وجِنِّي بكسر الجيم وتشديد النون مكسورة، وسكون الياء - معرَّب كِنِّي.
ولد في الموصل سنة 300هـ، وقيل 322هـ وتوفي في بغداد عام 392هـ.
كان ابن جني رجل جدٍّ، وامرأَ صدقٍ في فعله وقوله؛ فلم يعرف عنه اللهو والشرب والمجون.
وكان عف اللسان والقلم يتجنب البذي من الألفاظ، ولم يكن همه رضاء الملوك ومنادمتهم كحال أدباء عصره.
أخذ النحو عن الأخفش، وبعده عن أبي علي الفارسي، وأخذ عن كثير من رواة اللغة والأدب.
اجتمع ابن جني بالمتنبي في حلب عند سيف الدولة، وفي شيراز عند عضد الدولة البويهي.
وكان المتنبي يجله، ويقول فيه: "هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس".
وكان إذا سئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف في شعره يقول: "سلوا صاحبنا أبا الفتح".
وكان يقول: "ابن جني أعرف بشعري مني".
وكان ابن جني يعجب بشعر المتنبي، ويستشهد بشعره في المعاني، وهو أول من شرح ديوانه، وله في ذلك شرحان: كبير وصغير.
أما مذهبه الكلامي فقد كان معتزلياً كما ذكر ذلك السيوطي في المزهر.
ويذكر بعض مترجميه أن لا يتقيد بأصول المعتزلة، ويذهب إلى ما يراه الحق.
يعد ابن جني من كبار علماء العربية وأفذاذها.
وكان محل الثناء من قبل كثير من العلماء، قال عنه الثعالبي: "هو القطب في لسان العرب، وإليه انتهت الرياسة في الأدب".
وقال عنه الفيروز أبادي: "الإمام الأوحد، البارع المتقدم".
وله كتب كثيرة في فنون مختلفة لم تعرف العربية لها نظيراً.
وله فيما يعد من صميم فقه اللغة كتابان جليلان.
أولهما: كتاب (الخصائص): حيث عالج فيه كثيراً من قضايا فقه اللغة، وقدم نظريات وآراء تجاري أو تفوق أحدث ما قال به العلماء.
وقد تحدث في كتابه المذكور عن موضوعات كثيرة تعد من صميم فقه اللغة.
ومنها حديثه عن أصل اللغة، ومقاييس العربية، وتداخل اللغات، والاشتقاق الأكبر، والإدغام، والعلاقة بين الألفاظ والمعاني، والتقديم والتأخير، واستخلاص معاني الأوصاف من المعاني، والإبدال.
وقد طبع عدة طبعات، وطبع أخيراً بتحقيق د. عبدالحميد هنداوي، ونشرته دار الكتب العلمية 1421هـ - 2001م
وهذه الطبعة تميز بحسن إخراجها، ودقة فهارسها، حيث يستطيع الباحث أن من خلالها الوصول إلى آراء ابن جني عبر الفهارس بدون كلفة.
أما كتاب الثاني فهو: (سر صناعة الإعراب): وقد خصه ابن جني لدراسة الأصوات؛ فكان أول عالم في العربية يفرد هذا البحث بكتاب مستقل؛ حيث كان قبله يُدْرَسُ ضمن بحوث النحو كما في كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد.
وقد قدم ابن جني في كتابه مباحث قيمة في علم الأصوات مستفيداً من سابقيه، ومضيفاً إليه الكثير؛ فهو في مقدمته يتحدث عن الفرق بين الصوت والحرف، وهو يشبه الحلق والفم بالناي، ويذكر أن الحركات أبعاض حروف المد.
ثم يتحدث عن الحروف، ومخارجها، وأجناسها، ومدارجها، وفروعها المستحسنة، والمستقبحة، وذكر خلاف العلماء فيها مستقصىً مشروحاً.
وبعد ذلك يعقد لكل حرف من حروف العربية مرتبة على الحروف الألفبائية باباً يتكلم فيه عن صفاته، ومخرجه، وما يعرض له من قلب، أو إبدال، أو إدغام، كما يتعرض لكثير من القضايا النحوية.
كما تحدث عن تصريف حروف المعجم، واشتقاقها، وجمعها، كما تحدث عن مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض، وما يجوز من ذلك وما يمتنع، وما يحسن وما يقبح إلى غير ذلك مما حفل به ذلك الكتاب.
والناظر في هذا الكتاب يلحظ فيه مزايا عديدة منها على سبيل الإجمال: غزارة المادة، والوضوح والسهولة، والشمول والاستقصاء.
وقد طبع هذا الكتاب مؤخراً في مجلدين طبعة طيبة معتنى بها كثيراً، حيث درسها وحققها د. حسن هنداوي، وقد قدم للكتاب بمقدمة رائعة بين فيها شيئاً من سيرة ابن جني، وأردفها بحديث ماتع عن الكتاب وعن سبب تسميته، وعن بعض مزاياه.