ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    حياة الفيلسوف شوبنهور

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    حياة الفيلسوف شوبنهور Empty حياة الفيلسوف شوبنهور

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الأحد نوفمبر 02, 2008 12:26 am

    حياة الفيلسوف شوبنهور


    ولد شوبنهور في دانزج في الثاني والعشرين من شهر فبراير عام 1788. وكان أبوه تاجراً امتاز بالمقدرة وحدة الطبع، واستقلال الشخصية وحب الحرية، وقد غادر دانزج التي جردها البولنديون من حريتها بضمها إلى بولندا في عام 1793.
    وكان ابنه آرثر شوبنهور في الخامسة من عمره في ذلك الوقت. لقد نشأ شوبنهور الصغير في جو مشبع بروح العمل وكسب المال. وعلى الرغم من أنه هجر حياة التجارة التي دفعه والده إليها، فقد تركت أثرها في نفسه وطبعت نظرته إلى الحياة بطابع الواقعية في التفكير ومعرفة بطبيعة الناس، ومات والده منتحراً على الأرجح في عام 1805. وتوفيت جدته وهي مصابة بالجنون.

    لقد قال شوبنهور أنه ورث من أبيه خلقه وارادته، وعن امه ذكاءها. لقد بلغت أمه أوج الشهرة في عالم القصص والروايات، وغدت إحدى مشاهير كتاب القصة في ذلك الوقت. لم تكن أمه سعيدة في حياتها مع زوجها الذي لم تساعده ثقافته على الامتزاج معها، وعندما توفي زوجها انطلقت تبحث عن الحب المتحرر بعد أن تحررت من قيود هذه الحياة الزوجية. وارتحلت إلى مدينة فيمار التي تنسجم مع هذه الحياة المنطلقة التي كانت تتوق لها. وقد ثارت ثورة شوبنهور على هذا الاتجاه الجديد من أمه، وأثر النزاع بينهما على نفسه وأثار فيها مقته الشديد للنساء الذي رافقه طيلة حياته، ولا يسعنا هنا إلا أن نسرد فقرات من خطاب أرسلته له يصور لنا مدى النزاع بين الأم وولدها. حيث تقول له: "إنك عبء ثقيل لا يطاق، والحياة معك عسيرة لا تحتمل. لقد طغى غرورك بنفسك على كل صفاتك الطيبة. وغدوت لا فائدة ترجى منك لعجزك عن منع نفسك من تسقط هفوات الناس وعيوبهم." وهكذا تم الاتفاق بينهما على أن يعيشا منفصلين بعد أن تعذرت الحياة بينهما وأصبح شوبنهور لا يتردد على منزل أمه إلا كما يتردد عليها الضيوف والزوار من وقت لآخر. وكانت الكلفة والمجاملة المصطنعة تطبع هذه الزيارات تماما كما يطبع التكلف المصطنع حديث الأغراب لا حديث الأم لولدها. وقد زاد في توتر هذه العلاقة أن جوته الذي كان يحب أم شوبنهور لانها كانت تسمح له باحضار كريستيان معه، أن قال للأم يوماً بأنه سيكون لولدها شأن عظيم وسيغدو رجلاً مرموقاً ومشهوراً. وقد أثارت هذه الملاحظة استياء الأم وغيرتها من منافسة ولدها لها في شهرتها، فهي لم تسمع بظهور نابغتين في أسرة واحدة. وأخيراً في ذروة نزاع بينهما، دفعت الأم ولدها ومنافسها في نبوغها من أعلى درج منزلها. ولكنه نهض واقفاً وقال لها بصوت مختنق من المرارة والحسرة، إن الأجيال القادمة لن تعرفها، وتسمع بها إلا عن طريقه، وهو بشهرته وذيوع صيته سيخلد اسمها وأسرع فيلسوفنا في مغادرة مدينة فيمار وعلى الرغم من أن أمه عاشت بعد ذلك أربعة وعشرين عاماً فإنه لم يرها بعد ذلك الحادث بينهما. وقد انتهى به هذا الحرمان من عطف أمه إلى التشاؤم، فالانسان الذي يحرم من حنان الأم وحبها ولا يعرف سوى مقتها وكراهيتها، لن يفتنه أو يغريه بعد ذلك شيء من محاسن الدنيا ومباهجها.

    وصل شوبنهور دراسته الجامعية واستوعب من المعلومات فوق ما درسه في برامج الجامعة. وسخر من الحب والعالم وألقى بهما من وراء ظهره. وقد طبع هذا الاتجاه حياته وترك أثره في أخلاقه وفلسفته. وغدا كئيباً ساخراً مرتاباً، قلقاً تستبد به المخاوف ويخشى على نفسه من شرور الناس وغدرهم. وأغلق على نفسه الأبواب. ولم يسلم ذقنه ورقبته لموسى الحلاق اطلاقاً. ونام ومسدسه محشواً بالرصاص دائماً إلى جانبه في انتظار من تحدثه نفسه من اللصوص بالسطو عليه وكان لا يحتمل الجلبة والضجيج وهو يقول في ذلك: "أعتقد أن طاقة الانسان على تحمل الضوضاء والضجيج من غير أن يضيق به دليل على مقدرته العقلية ويكون مقياساً لها.. ان الضجة والجلبة تعذيب للمثقفين الأذكياء الذين يعملون بعقولهم .. لقد سببت لي الضجة والجلبة الناجمة عن الدق والطرق عذاباً يومياً طيلة حياتي." كان شوبنهور يحس في أعماق نفسه بعظمته، على الرغم من عدم اعتراف الناس به، وعندما فاته النجاح والشهرة انقلب إلى نفسه، يعضها ويقرضها بأسنانه.

    لقد عاش وحيداً بلا أم ولا زوجة ولا ولد، ولا أسرة ولا وطن ولا صديق. ولم تلهب حمى الحماس الوطني التي اجتاحت عصره شعوره واهتمامه. لقد تأثر في عام 1813 بحماس فخته للدخول في حرب تحررية ضد نابليون، وفكر بالتطوع واشترى بعض الأسلحة اللازمة للقتال، ولكن الحكمة أوقفته في الوقت المناسب، وعدل عن التطوع مقنعاً نفسه بأن نابليون لم يزد عن الافصاح عن تأكيد ذاته وشهوته في الاستزادة من الحياة التي يشعر بها ضعاف الناس ويخفونها في صدورهم مرغمين". وبدلا من الذهاب للحرب، اتجه إلى الأرياف وكتب رسالة في الفلسفة لنيل شهادة الدكتوراة.

    وبعد كتابة هذه الرسالة التي كان موضوعها عن العقل انصرف بكل وقته وقوته على كتابة كتابه الذي أطلق عليه اسم "العالم كارادة وفكرة" وعندما أرسله للناشر علق عليه بقول: "إن هذا الكتاب ليس مجرد سرد لأفكار وآراء قديمة، ولكنه بناء شامخ متماسك من الاراء الأصيلة، والبيان الواضح، ولا يخلو من الجمال على الرغم من عنف أسلوبه، إنه كتاب سيكون في المستقبل مصدراً ومورداً لمئة كتاب.

    لقد كان شوبنهور على ثقة تامة بأنه قد حل في كتابه هذا جميع مشاكل الفلسفة.
    ومع ذلك فإن هذا الكتاب لم يلق رواجاً او اهتماما، فقد كان العالم فقيراً ومتعباً ولا حاجة به لقراءة كتاب عن فقره وتعبه وبعد ستة عشر عاماً من طبع الكتاب أبلغ شوبنهور أن جزءاً من نسخة بيعت بالجملة ورقاً تالفاً ليستخدم في رزم ولف البضائع.
    وقد أشار شوبنهور في مقال عن الشهرة في "حكمة الحياة" إلى كتابه العظيم هذا بحرقة وأسى بقوله: "إن كتاباً مثل هذا أشبه بمرآة، إذا نظر فيها حمار فلا ترجو أن يرى فيها ملاكاً." وهل اذا اصطدم رأس وكتاب وانبعث من أحدهما صوت أجوف، أيكون الأجوف هو الكتاب دائماً!.
    ويواصل شوبنهور كلامه بصوت الكبرياء التي أصابها جرح: "كلما كان الكاتب أو الفيلسوف عبقريا ويكتب للأجيال القادمة، أو بعبارة أوضح للانسانية بوجه عام، كان غريباً بالنسبة إلى معاصريه الذين يعيش بينهم ، لأن كتابه ليس موجهاً لهم وحدهم، بل يخاطبهم كجزء من الانسانية عامة. لذلك سيكون هذا الكتاب خالياً من الصبغة المحلية التي تستهويهم، وتسترضيهم وتنال قبولهم.

    أمضى شوبنهور البقية الباقية من حياته التي طالت إلى سن الثانية والسبعين في فرانكفورت . وكمتشائم حساس فقد تجنب الوقوع في حفرة المتفائلين، وأبى أن يسخر قلمه للكسب أسوة بسقراط الذي كان يرفض أجراً من تلاميذه.
    عاش في الثلاثين سنة الباقية من حياته بلا صديق سوى كلبه، الذي أطلق عليه اسم "اطما" (وهو اسم يطلقه البرهمي على روح العالم) ولكن مجان المدينة أطلقوا على كلبه اسم "شوبنهور الصغير" وقد جرت عادته أن يتناول طعام غدائه في مطعم يتردد عليه الانجليز وكان يضع ديناراً ذهبياً على مائدة الطعام أمام في كل مرة قبل تناول طعامه، ويعيده إلى جيبه بعد انتهاء كل وجبة، وسأله خادم المائدة في شيء من السخط عن هذا التصرف فأجابه شوبنهور، أنه قد أخذ على نفسه عهداً بإلقاء هذا الدينار الذهبي في صندوق الفقراء في أول مرة يسمع فيها الضباط الانجليز الذين يأكلون في المطعم يومياً يتحدثون في شيء آخر سوى الحديث عن الخيل والنساء والكلاب. وهو يعيده إلى جيبه لأنهم لا حديث لهم سوى في هذه الأمور.

    لقد تجاهلته الجامعات وتجاهلت كتبه، وكأنها بذلك قد أيدت زعمه بأن ما أحرزته الفلسفة من تقدم كان خارج جدران المعاهد العلمية، قال نيتشه "لا شيء أساء إلى أساتذة الجامعة والعلماء الألمان أكثر من مخالفة شوبنهور لهم." ولكنه صبر وكان على ثقة من اعتراف الناس به مهما جاء هذا الاعتراف متأخراً. وقد تحقق رجاؤه فأقبل المثقفون من أبناء الطبقة المتوسطة من محامين وأطباء وتجار على قراءة كتبه لأنهم وجدوا فيه فيلسوفاً لا يقصر بحثه على ادعاء معرفة أوهام المتيافيريقا الخيالية، بل يقدم لهم دراسة وافية واضحة عن ظواهر الحياة الحقيقية.

    لقد اتجهت أوروبا التي خيبت ظنها المثالية والجهود التي طبعت عام 1848 بطابعها إلى فلسفته التي صورت حالة اليأس التي عرفتها أوروبا في عام 1815، ان هجوم العلم على اللاهوت، وآثار الحرب وانتشار الفقر، والكفاح من أجل البقاء والدعوة إلى النظم الاشتراكية، كلها ساعدت شوبنهور ورفعته إلى ذروة المجد والشهرة.

    لم يكن قد بلغ من الكبر عتيا ليقعده عن التمتع بشعبيته وشهرته وأخذ يقرأ بشغف وشره كل ما كتب عنه من مقالات. وطلب من أصدقائه أن يرسلوا له كل ما يصل إلى أيديهم من تعليقات تنشرها الصحف حوله. وفي عام 1854 أرسل له فاجنر نسخة عن قطعة من روائع موسيقاه مرفقة بكلمة تقدير لفلسفته الموسيقية.
    وهكذا أوشك أن يتحول المتشائم العظيم إلى متفائل في أيام شيخوخته وراح يعزف على القيثارة كل يوم بعد الغداء. ويحمد الوقت الذي خلصه من نيران الشباب. وهرعت جموع الناس من جميع أنحاء العالم لرؤيته. وعندما احتفل ببلوغه السبعين من عمره انهالت عليه التهاني من كل بلد وكل قارة.

    لم يحن الوقت بعد، فقد عاش بعد ذلك سنتين، وفي اليوم الحادي والعشرين من شهر سبتمبر جلس وحده لتناول طعام الإفطار وكان يبدو وافر الصحة، ووجدته ربة الدار بعد ساعة لا يزال جالساً على المائدة ساكنا لا يتحرك وتقدمت منه فوجدته ميتاً.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 11:55 pm