الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي.
كان العرب في زمن النبوة من أذكى الأمم فقد كانت ألواح قلوبهم صافية لم تكتب فيها تلك الفلسفات والأساطير والأغلوطات التي يصعب محوها كما في الأمم المعاصرة لهم، فكأنهم يعدونها لحمل أبهى علم وأعظمه وهو الإسلام، ولهذا كانوا أحفظ شعب عرف في ذلك الزمن وقد وجه الإسلام قريحة الحفظ والذكاء إلى حفظ الدين وحمايته، فكانت قواهم الفكرية، ومواهبهم الفطرية مذخورة فيهم، لم تستهلك في فلسفات خيالية، وجدال بيزنطي عقيم، ومذاهب كلامية معقدة. ([1])
وكانت الأمية غالبة عليهم يعتمدون في أحوالهم وأيامهم على الحفظ، فكان الواحد منهم مثلاً يحفظ من القصائد ما يفوت الإحصاء والحصر، فهذا الأصمعي من المتأخرين يقول: "ما بلغت الحلم حتى رويت اثني عشر ألف أرجوزة للأعراب".
واتساع لغتهم دليل على قوة حفظهم وذاكرتهم فإذا كان للعسل ثمانون اسماً وللثعلب مائتان وللأسد خمسمائة، فإن للجمل ألفاً، وكذا السيف، وللداهية نحو أربعة آلاف اسم، ولاشك أن استعياب هذه الأسماء يحتاج إلى ذاكرة قوية حاضرة وقادة. ([2])
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي فيهم ثلاثة وعشرين عاما داعيا ومعلما ومربيا ومرشدا ومبشرا وبث فهم العلم ووجه قرائحهم لحفظه والعناية به، وما انتقل إلى ربه حتى وعوا عنه كل شيئ وتركهم على محجة بيضاء ليلها كنهارها، وقال لهم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وسنتي.
فكانوا يعتمدون على ذاكرتهم الوقادة وقوة حفظهم حيث كانوا يحفظون الحديث من أول مرة يسمعونه لا يخرمون منه حرفا.
ولهذا تأخر التدوين الشامل للحديث النبوي يقول ابن حجر: "أعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين:
أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة".
ولم يبدأ التدوين إلا في أواخر عصر التابعين فكان أول من جمع ذلك الربيع بن صبيح 1، وسعيد بن أبي عروبة 2، وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة.
ثم بدأ تدوين الأحكام، فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمر الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم.
وأما إفراد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينه غير مختلط بغيره من أقوال الصحابة والتابعين فقد بدأ على رأس المائتين حيث صنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء.
ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة" (مقدمة الفتح ص 8).
علم الحديث هو العلم المشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى صحابي أو إلى من دونه من الأقوال والأفعال والتقارير والأحوال والسير والأيام حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام وأسانيد ذلك وروايته وضبطه وتحرير ألفاظه وشرح معانيه (الرسالة المستطرفة ص3).
ثم جاء بعدهم الإمام البخاري ومن بعده الإمام مسلم فخرجا للأمة بأعظم تأليف على الأبواب عرفته البشرية إلى يومنا هذا من حيث الصحة والدقة والتحري، وقد جمعا فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم غير مختلط بغيره فأجمعت الأمة على كتابيهما وتلقتهما بالقبول والتسليم (فتح الباري - ابن حجر [جزء 1 - صفحة 3]).
حتى أذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في التصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق.
قال النووي: "قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته فى نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع".
قال النووي: "اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الامة بالقبول" (مقدمة شرح مسلم 1/14).
للاعتبارات التالية:
1. أنهما أول من ألف في الصحيح
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه في علوم الحديث فيما أخبرنا به أبو الحسن بن الجوزي عن محمد بن يوسف الشافعي عنه سماعا قال أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز (مقدمة الفتح ص12).
وقال النووي : "وأصح مصنف في الحديث بل في العلم مطلقا الصحيحان للإمامين القدوتين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحصين مسلم بن الحجاج القشيري، رضي الله عنهما فلم يوجد لهما نظير في المؤلفات" (مقدمة شرح مسلم 1/4).
اشتراطهما الصحة في كتابيهما: قال ابن حجر عن البخاري: "تقرر أنه التزم فيه الصحة، وأنه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا، هذا أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إياه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحا...." (مقدمة الفتح ص9 قال ابن حجر : كونه أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي مقدمة الفتح ص9).
2. تحريهما وتشددهما في الشيوخ:
قال ابن حجر: "ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما.." (مقدمة الفتح ص 403).
قال النووي: "سلك مسلم رحمه الله في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعة وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه بحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه لا يهتدي إليها إلا أفراد في الإعصار فرحمه الله ورضى عنه وأنا أذكره أحرفا من أمثلة ذلك تنبيها بها على ماسواها اذ لا يعرف حقيقة حاله الا من أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كالفقه والأصولين والعربية وأسماء الرجال ودقائق علم الأسانيد والتاريخ ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به وغير ذلك من الأدوات التي يفتقر إليها" (مقدمة شرح مسلم 1/21).
3. قوة شرطهما في قبول الحديث، قال ابن حجر: "عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الاثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وأن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وأن لم يكن الا راو واحد وصح الطريق إليه كفى".
قال الحافظ أبو بكر الحازمي: "أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد" (مقدمة الفتح ص11).
وقال الإسماعيلي في (المدخل) له: "أما بعد فإني نظرت في كتاب (الجامع) الذي ألفه أبو عبد الله البخاري فرأيته جامعا كما سمي لكثير من السنن الصحيحة ودالا على جمل من المعاني الحسنة المستنبطة التي لا يكمل لمثلها الا من جمع إلى معرفة الحديث نقلته والعلم بالروايات وعللها علما بالفقه واللغة وتمكنا منها كلها وتبحرا فيها وكان يرحمه الله الرجل الذي قصر زمانه على ذلك فبرع وبلغ الغاية فحاز السبق وجمع إلى ذلك حسن النية والقصد للخير فنفعه الله ونفع به" (مقدمة الفتح ص13).
قال النووي: "قال الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة قال وهذا حد الصحيح فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث" (مقدمة شرح مسلم 1/15).
4. كثرة مراجعتهما لكتابيهما وقال البخاري ما كتبت في كتاب الصحيح حديثا الا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين (سير أعلام النبلاء 12/402، مقدمة الفتح ص 9).
وقد روى بن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حرر تراجم جامعه بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين (سير أعلام النبلاء 12/404).
قال وراق البخاري له: "تحفظ جميع ما أدخلته في مصنفاتك؟"، قال: "لا يخفى علي جميع ما فيها وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات.." (مقدمة الفتح ص512).
روى الفربري عن البخاري قال: "ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته" (مقدمة الفتح ص 513).
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: "كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ، فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ويخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه، فقلت له: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني، قال: أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك" (سير أعلام النبلاء 12/404).
5. انتخاب كتابيهم من آلاف الأحاديث مع طول النفس والتأني في التأليف:
على الرغم من قوة حفظ البخاري وحدة ذكائه وضخامة تحصيله العلمي إلا أنه كان من أشد الناس تأنيا في التأليف، وعن البخاري قال: "صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله" (مقدمة الفتح ص9، وص 513).
قال النووي: "رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي باسناده عن مسلم رحمه الله قال صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة (مقدمة شرح مسلم 1/15).
صنف الإمام مسلم صحيحه في بلده نيسابور بحضور أصوله وبقي في تصنيفه خمس عشرة سنة (التذكرة 589، والسير).
6. عرض كتابيهما على علماء عصرهم قال أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلى بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث، قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة" (مقدمة الفتح ص9، 514).
وقال مكي بن عبد الله: "سمعت مسلم بن الحجاج يقول عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما" (مقدمة شرح مسلم 1/15).
7. جودة التأليف:
ومن حقق نظره فى صحيح مسلم رحمه الله واطلع على ما أورده فى أسانيده وترتيبه وحسن سياقته وبديع طريقته من نفائس التحقيق، وجواهر التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط، والتحرى فى الرواية، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيات، علم أنه إمام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (مقدمة شرح مسلم 1/11).
وقال ابن حجر عن صحيح البخاري: "ضمن أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار..." (مقدمة الفتح ص15).
وقال السخاوي: "ولله دره في جامعه الذي أبدع فيه وجعله حجة واعتمادا للمحدث والفقيه، ومقتدى للاقتباس من أنوار الكتاب، والسنة البهية الصحيحة الانتساب، تقريرا واستنباطا، وكرع في مناهلهما المروية انتزاعا وانتشاطا..." (عمدة القاري والسامع في ختمة الصحيح الجامع ص48).
لقد أطبقت الأمة على دراسة كتب الإمامين البخاري ومسلم مما كان سبب في تفجر التدوين في الحديث وعلومه في أصقاع المعمورة من زمنهما إلى يومنا هذا ولا غرو في ذلك فالذين تلقوا صحيح البخاري عن مؤلفه مباشرة تسعون ألف نفس (مقدمة الفتح ص 516)، ولقد جرى أهل البصرة خلف البخاري حتى أوقفوه في بعض الطرق فاجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه (تهذيب الأسماء واللغات 1/10)، وكان من عظمة هذين الإمامين بعد أن اتفقت الأمة على إمامتهما والاقتداء بهم أن أقبل الناس على كتبهم رواية ودراية مما أسفر عن تسارع العلماء في الكتابة والتدوين مقتدين بهما متأثرين بكتبهما، وقد كان من أبرز مظاهر ذلك ما يلي:
1. انتشر التأليف على منوال الصحيحين فألف في زمنهم كتب السنن المشهورة وهي: سنن الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة، والدارمي وغيرهم، قال الإسماعيلي عن البخاري: "وقد نحا نحوه في التصنيف جماعة منهم الحسن بن علي الحلواني، لكنه اقتصر على السنن ومنهم أبو داود السجستاني، وكان في عصر أبي عبد الله البخاري فسلك فيما سماه سننا ذكر ما روى في الشيء وإن كان في السند ضعف إذا لم يجد في الباب غيره ومنهم مسلم بن الحجاج، وكان يقاربه في العصر فرام مرامه وكان يأخذ عنه (مقدمة الفتح ص13).
2. وبعد زمنهم انتشر هذا النوع من التأليف: مثل صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والضياء المقدسي في المختارة وابن الجارود وابن السكن وغيرهم (المستطرفة ص16-20) ومن السنن: والبيهقي في السنن الكبرى والصغرى، وعلاء الدين المارديني، وابن جريج، وأبو مسلم الكشي، ومحمد بن الصباح البزار وموسى بن طارق، والأثرم، وأبو علي الخلال، وسهل بن أبي سهيل، وأحمد بن عبيد الصفار، وأبو بكر الهمداني وغيرهم كثير (انظر الرسالة المستطرفة ص25-29).
3. اهتم العلماء بالمستخرجات على الصحيحين طلبا لعلو الإسناد وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة صيانة (صحيح مسلم ص87) فكان منها...
المخرجه على الصحيحين
والحافظ (أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصفهاني) نسبة إلى أصبهان مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها الصوفي الشافعي صاحب التصانيف المتوفى: بأصبهان سنة ثلاثين وأربعمائة.
والحافظ (أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري) المعروف: (بابن الأخرم) المتوفى: سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي ذر الهروي) وتقدمت وفاته.
والحافظ (أبي محمد الحسن ابن أبي طالب محمد بن الحسن بن علي البغدادي) المعروف: (بالخلال) بفتح الخاء المعجمة وشد اللام نسبة إلى الخل المأكول المتوفى: سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
والحافظ (أبي علي الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ما سرجس الماسرجسي) نسبة إلى جده (ماسرجس) المذكور كان نصرانيا فأسلم على يد (عبد الله بن المبارك النيسابوري) المتوفى: سنة خمس وستين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي مسعود سليمان بن إبراهيم الأصبهاني المليحي) المتوفى: سنة ست وثمانين (ص 30) وأربعمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن منجويه الأصبهاني البردي) نزيل نيسابور المتوفى: سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي) محدث الأهواز المتوفى: سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني) نسبة إلى برقانة قرية من نواحي خوارزم الشافعي المتوفى: ببغداد سنة خمس وعشرين وأربعمائة التسعة على كل منهما.
المستخرجات على البخاري: ثانيا:
(كمستخرج) الحافظ (أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني) إمام أهل جرجان الشافعي المتوفى: سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي أحمد محمد بن أبي حامد أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف بن الجهم الغطريفي) نسبة إلى جده (غطريف العبدي الجرجاني الرباطي) رفيق (أبي بكر الإسماعيلي). المتوفى: سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي عبد الله محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصيم بن بلال بن عصم) بضم فسكون. المعروف: (بابن أبي ذهل. الضبي العصمي الهروي). المتوفى: سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني)، صاحب (التاريخ) و(التفسير المسند) أيضا. المتوفى: سنة ست عشر وأربعمائة. الأربعة على (البخاري).
ثانيا المستخرجات على مسلم:
مستخرج الحافظ (أبي عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الأسفراييني) المتوفى: بأسفرايين سنة ست عشرة وثلاثمائة وله فيه زيادات عدة.
مستخرج الحافظ (أبي محمد قاسم بن أصبغ البياني القرطبي) وتقدمت وفاته.
والحافظ (أبي جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن سنان الحيري) المتوفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
والحافظ (أبي بكر محمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الأسفراييني) وهو متقدم يشارك (مسلما) في أكثر شيوخه توفي: سنة ست وثمانين ومائتين.
والحافظ (أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني النيسابوري) محدثها (الجوزقي)، وجوزق قرية من قرى نيسابور، المتوفى: سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي حامد أحمد بن محمد بن شارك الهروي الشاركي الشافعي)، المتوفى: بهراة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي الوليد حسان بن محمد بن أحمد بن هارون القرشي الأموي القزويني النيسابوري الشافعي)، المتوفى: سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي عمران موسى بن العباس بن محمد الجويني) نسبة إلى جوين كورة على طريق القوافل من بسطام إلى نيسابور النيسابوري أحد الرحالين المتوفى: بجوين سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي النصر محمد بن محمد بن يوسف الطوسي الشافعي) المتوفى: سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي سعيد أحمد ابن أبي بكر محمد بن الحافظ الكبير أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري) المستشهد بطرسوس سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري البزار) رفيق (مسلم) في الرحلة إلى بلخ وإلى البصرة المتوفى: سنة ست وثمانين ومائتين، قال الذهبي: "له مستخرج كهيئة (صحيح مسلم)، وقال الشيخ (أبو القاسم النصراباذي): (ص 29) رأيت (أبا علي الثقفي) في النوم فقال لي: "عليك (بصحيح أحمد بن سلمة)".
والحافظ (أبي محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري) الواعظ المتوفى: سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال الذهبي: "خرج صحيحا على وضع كتاب (مسلم) الاثنتا عشرة كلها على (مسلم).
كان العرب في زمن النبوة من أذكى الأمم فقد كانت ألواح قلوبهم صافية لم تكتب فيها تلك الفلسفات والأساطير والأغلوطات التي يصعب محوها كما في الأمم المعاصرة لهم، فكأنهم يعدونها لحمل أبهى علم وأعظمه وهو الإسلام، ولهذا كانوا أحفظ شعب عرف في ذلك الزمن وقد وجه الإسلام قريحة الحفظ والذكاء إلى حفظ الدين وحمايته، فكانت قواهم الفكرية، ومواهبهم الفطرية مذخورة فيهم، لم تستهلك في فلسفات خيالية، وجدال بيزنطي عقيم، ومذاهب كلامية معقدة. ([1])
وكانت الأمية غالبة عليهم يعتمدون في أحوالهم وأيامهم على الحفظ، فكان الواحد منهم مثلاً يحفظ من القصائد ما يفوت الإحصاء والحصر، فهذا الأصمعي من المتأخرين يقول: "ما بلغت الحلم حتى رويت اثني عشر ألف أرجوزة للأعراب".
واتساع لغتهم دليل على قوة حفظهم وذاكرتهم فإذا كان للعسل ثمانون اسماً وللثعلب مائتان وللأسد خمسمائة، فإن للجمل ألفاً، وكذا السيف، وللداهية نحو أربعة آلاف اسم، ولاشك أن استعياب هذه الأسماء يحتاج إلى ذاكرة قوية حاضرة وقادة. ([2])
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي فيهم ثلاثة وعشرين عاما داعيا ومعلما ومربيا ومرشدا ومبشرا وبث فهم العلم ووجه قرائحهم لحفظه والعناية به، وما انتقل إلى ربه حتى وعوا عنه كل شيئ وتركهم على محجة بيضاء ليلها كنهارها، وقال لهم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وسنتي.
فكانوا يعتمدون على ذاكرتهم الوقادة وقوة حفظهم حيث كانوا يحفظون الحديث من أول مرة يسمعونه لا يخرمون منه حرفا.
ولهذا تأخر التدوين الشامل للحديث النبوي يقول ابن حجر: "أعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لأمرين:
أحدهما إنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة".
ولم يبدأ التدوين إلا في أواخر عصر التابعين فكان أول من جمع ذلك الربيع بن صبيح 1، وسعيد بن أبي عروبة 2، وغيرهما وكانوا يصنفون كل باب على حدة.
ثم بدأ تدوين الأحكام، فصنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة، وأبو عمر وعبد الرحمن بن عمر الأوزاعي بالشام، وأبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري بالكوفة، وأبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم.
وأما إفراد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينه غير مختلط بغيره من أقوال الصحابة والتابعين فقد بدأ على رأس المائتين حيث صنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندا، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم فقل إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم من النبلاء.
ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معا كأبي بكر بن أبي شيبة" (مقدمة الفتح ص 8).
علم الحديث هو العلم المشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى صحابي أو إلى من دونه من الأقوال والأفعال والتقارير والأحوال والسير والأيام حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام وأسانيد ذلك وروايته وضبطه وتحرير ألفاظه وشرح معانيه (الرسالة المستطرفة ص3).
ثم جاء بعدهم الإمام البخاري ومن بعده الإمام مسلم فخرجا للأمة بأعظم تأليف على الأبواب عرفته البشرية إلى يومنا هذا من حيث الصحة والدقة والتحري، وقد جمعا فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم غير مختلط بغيره فأجمعت الأمة على كتابيهما وتلقتهما بالقبول والتسليم (فتح الباري - ابن حجر [جزء 1 - صفحة 3]).
حتى أذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في التصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق.
قال النووي: "قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته فى نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع".
قال النووي: "اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الامة بالقبول" (مقدمة شرح مسلم 1/14).
للاعتبارات التالية:
1. أنهما أول من ألف في الصحيح
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في كتابه في علوم الحديث فيما أخبرنا به أبو الحسن بن الجوزي عن محمد بن يوسف الشافعي عنه سماعا قال أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز (مقدمة الفتح ص12).
وقال النووي : "وأصح مصنف في الحديث بل في العلم مطلقا الصحيحان للإمامين القدوتين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحصين مسلم بن الحجاج القشيري، رضي الله عنهما فلم يوجد لهما نظير في المؤلفات" (مقدمة شرح مسلم 1/4).
اشتراطهما الصحة في كتابيهما: قال ابن حجر عن البخاري: "تقرر أنه التزم فيه الصحة، وأنه لا يورد فيه إلا حديثا صحيحا، هذا أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إياه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحا...." (مقدمة الفتح ص9 قال ابن حجر : كونه أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي مقدمة الفتح ص9).
2. تحريهما وتشددهما في الشيوخ:
قال ابن حجر: "ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما.." (مقدمة الفتح ص 403).
قال النووي: "سلك مسلم رحمه الله في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعة وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه بحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه لا يهتدي إليها إلا أفراد في الإعصار فرحمه الله ورضى عنه وأنا أذكره أحرفا من أمثلة ذلك تنبيها بها على ماسواها اذ لا يعرف حقيقة حاله الا من أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة كالفقه والأصولين والعربية وأسماء الرجال ودقائق علم الأسانيد والتاريخ ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به وغير ذلك من الأدوات التي يفتقر إليها" (مقدمة شرح مسلم 1/21).
3. قوة شرطهما في قبول الحديث، قال ابن حجر: "عن أبي المعمر المبارك بن أحمد عنه شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الاثبات ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وأن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وأن لم يكن الا راو واحد وصح الطريق إليه كفى".
قال الحافظ أبو بكر الحازمي: "أن شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط متصفا بصفات العدالة ضابطا متحفظا سليم الذهن قليل الوهم سليم الاعتقاد" (مقدمة الفتح ص11).
وقال الإسماعيلي في (المدخل) له: "أما بعد فإني نظرت في كتاب (الجامع) الذي ألفه أبو عبد الله البخاري فرأيته جامعا كما سمي لكثير من السنن الصحيحة ودالا على جمل من المعاني الحسنة المستنبطة التي لا يكمل لمثلها الا من جمع إلى معرفة الحديث نقلته والعلم بالروايات وعللها علما بالفقه واللغة وتمكنا منها كلها وتبحرا فيها وكان يرحمه الله الرجل الذي قصر زمانه على ذلك فبرع وبلغ الغاية فحاز السبق وجمع إلى ذلك حسن النية والقصد للخير فنفعه الله ونفع به" (مقدمة الفتح ص13).
قال النووي: "قال الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة قال وهذا حد الصحيح فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث" (مقدمة شرح مسلم 1/15).
4. كثرة مراجعتهما لكتابيهما وقال البخاري ما كتبت في كتاب الصحيح حديثا الا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين (سير أعلام النبلاء 12/402، مقدمة الفتح ص 9).
وقد روى بن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حرر تراجم جامعه بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين (سير أعلام النبلاء 12/404).
قال وراق البخاري له: "تحفظ جميع ما أدخلته في مصنفاتك؟"، قال: "لا يخفى علي جميع ما فيها وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات.." (مقدمة الفتح ص512).
روى الفربري عن البخاري قال: "ما أدخلت في الصحيح حديثا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وتيقنت صحته" (مقدمة الفتح ص 513).
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: "كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ، فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ويخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه، فقلت له: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني، قال: أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك" (سير أعلام النبلاء 12/404).
5. انتخاب كتابيهم من آلاف الأحاديث مع طول النفس والتأني في التأليف:
على الرغم من قوة حفظ البخاري وحدة ذكائه وضخامة تحصيله العلمي إلا أنه كان من أشد الناس تأنيا في التأليف، وعن البخاري قال: "صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله" (مقدمة الفتح ص9، وص 513).
قال النووي: "رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي باسناده عن مسلم رحمه الله قال صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة (مقدمة شرح مسلم 1/15).
صنف الإمام مسلم صحيحه في بلده نيسابور بحضور أصوله وبقي في تصنيفه خمس عشرة سنة (التذكرة 589، والسير).
6. عرض كتابيهما على علماء عصرهم قال أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلى بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث، قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة" (مقدمة الفتح ص9، 514).
وقال مكي بن عبد الله: "سمعت مسلم بن الحجاج يقول عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما" (مقدمة شرح مسلم 1/15).
7. جودة التأليف:
ومن حقق نظره فى صحيح مسلم رحمه الله واطلع على ما أورده فى أسانيده وترتيبه وحسن سياقته وبديع طريقته من نفائس التحقيق، وجواهر التدقيق، وأنواع الورع والاحتياط، والتحرى فى الرواية، وتلخيص الطرق واختصارها، وضبط متفرقها وانتشارها، وكثرة اطلاعه واتساع روايته، وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيات، علم أنه إمام لا يلحقه من بعد عصره، وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (مقدمة شرح مسلم 1/11).
وقال ابن حجر عن صحيح البخاري: "ضمن أبوابه من التراجم التي حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار..." (مقدمة الفتح ص15).
وقال السخاوي: "ولله دره في جامعه الذي أبدع فيه وجعله حجة واعتمادا للمحدث والفقيه، ومقتدى للاقتباس من أنوار الكتاب، والسنة البهية الصحيحة الانتساب، تقريرا واستنباطا، وكرع في مناهلهما المروية انتزاعا وانتشاطا..." (عمدة القاري والسامع في ختمة الصحيح الجامع ص48).
لقد أطبقت الأمة على دراسة كتب الإمامين البخاري ومسلم مما كان سبب في تفجر التدوين في الحديث وعلومه في أصقاع المعمورة من زمنهما إلى يومنا هذا ولا غرو في ذلك فالذين تلقوا صحيح البخاري عن مؤلفه مباشرة تسعون ألف نفس (مقدمة الفتح ص 516)، ولقد جرى أهل البصرة خلف البخاري حتى أوقفوه في بعض الطرق فاجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه (تهذيب الأسماء واللغات 1/10)، وكان من عظمة هذين الإمامين بعد أن اتفقت الأمة على إمامتهما والاقتداء بهم أن أقبل الناس على كتبهم رواية ودراية مما أسفر عن تسارع العلماء في الكتابة والتدوين مقتدين بهما متأثرين بكتبهما، وقد كان من أبرز مظاهر ذلك ما يلي:
1. انتشر التأليف على منوال الصحيحين فألف في زمنهم كتب السنن المشهورة وهي: سنن الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجة، والدارمي وغيرهم، قال الإسماعيلي عن البخاري: "وقد نحا نحوه في التصنيف جماعة منهم الحسن بن علي الحلواني، لكنه اقتصر على السنن ومنهم أبو داود السجستاني، وكان في عصر أبي عبد الله البخاري فسلك فيما سماه سننا ذكر ما روى في الشيء وإن كان في السند ضعف إذا لم يجد في الباب غيره ومنهم مسلم بن الحجاج، وكان يقاربه في العصر فرام مرامه وكان يأخذ عنه (مقدمة الفتح ص13).
2. وبعد زمنهم انتشر هذا النوع من التأليف: مثل صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والضياء المقدسي في المختارة وابن الجارود وابن السكن وغيرهم (المستطرفة ص16-20) ومن السنن: والبيهقي في السنن الكبرى والصغرى، وعلاء الدين المارديني، وابن جريج، وأبو مسلم الكشي، ومحمد بن الصباح البزار وموسى بن طارق، والأثرم، وأبو علي الخلال، وسهل بن أبي سهيل، وأحمد بن عبيد الصفار، وأبو بكر الهمداني وغيرهم كثير (انظر الرسالة المستطرفة ص25-29).
3. اهتم العلماء بالمستخرجات على الصحيحين طلبا لعلو الإسناد وزيادة قوة الحديث بكثرة طرقه وزيادة ألفاظ صحيحة مفيدة صيانة (صحيح مسلم ص87) فكان منها...
المخرجه على الصحيحين
والحافظ (أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصفهاني) نسبة إلى أصبهان مدينة عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها الصوفي الشافعي صاحب التصانيف المتوفى: بأصبهان سنة ثلاثين وأربعمائة.
والحافظ (أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري) المعروف: (بابن الأخرم) المتوفى: سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي ذر الهروي) وتقدمت وفاته.
والحافظ (أبي محمد الحسن ابن أبي طالب محمد بن الحسن بن علي البغدادي) المعروف: (بالخلال) بفتح الخاء المعجمة وشد اللام نسبة إلى الخل المأكول المتوفى: سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
والحافظ (أبي علي الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن ما سرجس الماسرجسي) نسبة إلى جده (ماسرجس) المذكور كان نصرانيا فأسلم على يد (عبد الله بن المبارك النيسابوري) المتوفى: سنة خمس وستين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي مسعود سليمان بن إبراهيم الأصبهاني المليحي) المتوفى: سنة ست وثمانين (ص 30) وأربعمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن منجويه الأصبهاني البردي) نزيل نيسابور المتوفى: سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي) محدث الأهواز المتوفى: سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني) نسبة إلى برقانة قرية من نواحي خوارزم الشافعي المتوفى: ببغداد سنة خمس وعشرين وأربعمائة التسعة على كل منهما.
المستخرجات على البخاري: ثانيا:
(كمستخرج) الحافظ (أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني) إمام أهل جرجان الشافعي المتوفى: سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي أحمد محمد بن أبي حامد أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف بن الجهم الغطريفي) نسبة إلى جده (غطريف العبدي الجرجاني الرباطي) رفيق (أبي بكر الإسماعيلي). المتوفى: سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي عبد الله محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصيم بن بلال بن عصم) بضم فسكون. المعروف: (بابن أبي ذهل. الضبي العصمي الهروي). المتوفى: سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني)، صاحب (التاريخ) و(التفسير المسند) أيضا. المتوفى: سنة ست عشر وأربعمائة. الأربعة على (البخاري).
ثانيا المستخرجات على مسلم:
مستخرج الحافظ (أبي عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الأسفراييني) المتوفى: بأسفرايين سنة ست عشرة وثلاثمائة وله فيه زيادات عدة.
مستخرج الحافظ (أبي محمد قاسم بن أصبغ البياني القرطبي) وتقدمت وفاته.
والحافظ (أبي جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن عبد الله بن سنان الحيري) المتوفى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
والحافظ (أبي بكر محمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الأسفراييني) وهو متقدم يشارك (مسلما) في أكثر شيوخه توفي: سنة ست وثمانين ومائتين.
والحافظ (أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني النيسابوري) محدثها (الجوزقي)، وجوزق قرية من قرى نيسابور، المتوفى: سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي حامد أحمد بن محمد بن شارك الهروي الشاركي الشافعي)، المتوفى: بهراة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي الوليد حسان بن محمد بن أحمد بن هارون القرشي الأموي القزويني النيسابوري الشافعي)، المتوفى: سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي عمران موسى بن العباس بن محمد الجويني) نسبة إلى جوين كورة على طريق القوافل من بسطام إلى نيسابور النيسابوري أحد الرحالين المتوفى: بجوين سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي النصر محمد بن محمد بن يوسف الطوسي الشافعي) المتوفى: سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي سعيد أحمد ابن أبي بكر محمد بن الحافظ الكبير أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري) المستشهد بطرسوس سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
والحافظ (أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري البزار) رفيق (مسلم) في الرحلة إلى بلخ وإلى البصرة المتوفى: سنة ست وثمانين ومائتين، قال الذهبي: "له مستخرج كهيئة (صحيح مسلم)، وقال الشيخ (أبو القاسم النصراباذي): (ص 29) رأيت (أبا علي الثقفي) في النوم فقال لي: "عليك (بصحيح أحمد بن سلمة)".
والحافظ (أبي محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري) الواعظ المتوفى: سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، قال الذهبي: "خرج صحيحا على وضع كتاب (مسلم) الاثنتا عشرة كلها على (مسلم).