ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الإمام الطبري رحمه الله

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الإمام الطبري رحمه الله Empty الإمام الطبري رحمه الله

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس سبتمبر 18, 2008 5:40 pm

    التعريف بالإمام:

    هو الإمام العلم العلامة، المجتهد المطلق، شيخ الإسلام، وإمام المفسرين ورائد مدرسة التفسير بالأثر، وكبير مؤرخي الأمة الإسلامية، وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا، صاحب التصانيف البديعة؛ أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري، ولد سنة 224هـ بمدينة آمل عاصمة إقليم طبرستان، وقد نذره أبوه لطلب العلم، فلما ترعرع وأتم حفظ القرآن وكان حسن الصوت به جدًا، سمح له أبوه بالسفر لطلب العلم، فطاف البلاد ودخل الشام ومصر وأكثر الترحال من مكان لآخر، ولقي نبلاء الرجال وكبار العلماء، حتى صار من أفراد الدهر علمًا وذكاءً وتصنيفًا، بل صار مثل البحر الزاخر بالعلوم المختلفة.
    حياته العلمية

    بدأ الطبري طلب العلم بعد سنة 240هـ وأكثر الترحال ولقي نبلاء الرجال، قرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد ثم ارتحل منها إلى المدينة المنورة ثم إلى مصر والري وخراسان، واستقر في أواخر أمره ببغداد.

    سمع الطبري من العديدين من مشايخ عصره وله رحلات إلى العديد من عواصم العالم الإسلامي التي ازدهرت بعلمائها وعلومها ومنها مصر.


    مكانته العلمية:

    يعتبر ابن جرير الطبري من كبار أئمة الإسلام وعلم من أعلام الدين، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من معاصريه، فقد كان حافظًا لكتاب الله، عارفًا بالقراءات، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال السلف من الصحابة والتابعين، بصيرًا بأيام الناس وأخبارهم.

    قال عنه الذهبي: كان ثقة، صادقًا، حافظًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، علاّمة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات وباللغة.

    وقال عنه الإسفراييني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصّل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرًا.

    وقال عنه قرينه ورفيقه ابن خزيمة الملقب بإمام الأئمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.
    وقال لأحد طلبة العلم الذين لم يكتبوا عن ابن جرير بسبب المحنة التي تعرض لها قال له: ليتك لم تكتب عن كل من كتب عنهم وكتبت عن محمد بن جرير.

    مصنفاته:

    يحتل الإمام ابن جرير الطبري المكانة الأولى في سلم التصنيف لعلماء الأمة، فهو أكثر علماء الإسلام تصنيفًا، ويعتبر رائد علمي التفسير والتاريخ في الإسلام، وعلى منواله نسج من جاء بعده، ولابن جرير مصنفات كثيرة زاخرة بالفوائد الجمة، أشهرها على الإطلاق كتاب «التفسير» الذي لم يصنف مثله(و اسم الكتاب هو جامع البيان عن تأويل آي القرءان)، والذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب، كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقصى لفعل. والذي قال عنه أهل العلم: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصّله لم يكن كثيرًا. وله كتاب «الملوك والرسل»أو (تاريخ الرسل و الملوك)أو تاريخ الأمم و الملوك)و الاسم الأخير هو الأشهر لتاريخه 00 من أنفس كتب التاريخ، والذي افتتح به مدرسة المؤرخين المسلمين وظل كل مؤرخي الإسلام يسيرون على نهجه في التأريخ، وله كتب أخرى مثل «لطيف القول»، و«تاريخ الرجال»، و«اختلاف علماء الأمصار»، و«القراءات والتنزيل والعدد»، وله كتاب «تهذيب الآثار» وهو من عجائب كتبه، ولكنه مات قبل تمامه، وله كتاب «المحاضر والسجلات»، و«ترتيب العلماء»، و«الفضائل»، و«الخفيف في الأحكام».

    ولابن جرير كتب هامة ونفيسة في باب العقائد مثل كتاب «التبصير» وهو رسالة منه إلى أهل طبرستان يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين على عقيدة السلف الصالح خاصة في باب الصفات، وتفسيره المشهور مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها، لا على النفي والتأويل.

    أهم صفاته:

    لابن جرير الإمام صفات وخصال عظيمة وكثيرة، فلقد كان على طراز علماء الأمة الكبار وعلى نهج حياتهم، ولكنه كان يتميز بعدة أمور لم يشاركه فيها إلا قلائل من أفذاذ العلماء منها:

    1ـ زهده: لقد كان ابن جرير شديد الزهد والورع، يرفض بشكل تام وفي كل موطن أن يتكسب بعلمه ويسترزق بما فتح الله عليه من العلوم والفضائل، وظل طول حياته يتقوت بما يرسله له أبوه من قريته بطبرستان، حتى إنه لما تأخرت عليه النفقة ذات مرة، باع بعض ملابسه، وعرض عليه الوزير الخاقاني أموالاً كثيرة ولكنه رفض أخذها بشدة، ورضي أن يعمل بالأجرة في تأديب الصبيان، وذات مرة أراد المكتفي الخليفة أن يحبس وقفًا تجتمع عليه أقاويل العلماء، فأحضر له ابن جرير، فأملى عليهم كتابًا لذلك، فأخرجت له جائزة كبيرة فامتنع من قبولها، فقيل له: تصدق بها، فلم يفعل وقال لهم: أنتم أولى بأموالكم وأعرف بمن تتصدقون عليه.

    ولقد عرض عليه منصب القضاء وولاية المظالم عدة مرات ولكنه رفض بشدة على الرغم من كثرة الضغوط حتى من جانب تلاميذه ورفقائه.

    2ـ همته: كما قلنا من قبل يعتبر ابن جرير أكثر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا، والسر وراء ذلك همته العالية التي تفوق قمم الجبال الشامخات، حتى إنه مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة، وكان يستخير الله عز وجل قبل أن يشرع في تأليف أي مصنف، ولم يكن في زمانه ولا بعده ـ على ما أظن ـ من له مثل همته العالية في التحصيل والتأليف، حتى إنه قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ قال: نحو ثلاثين ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه! فقال: إنا لله! ماتت الهمم، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوًا من ذلك، ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ.

    3ـ شدته في الحق: حيث كان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد، شديد التمسك بالسنة وأصولها حتى إنه أفتى بقتل من سب الشيخين وقال عنهما إنهما ليسا بإمامي هدى.

    محنته:

    كان ابن جرير الطبري من أكبر علماء الوقت، محبوبًا من الجميع، مجمعًا على إمامته بين الناس، من رجالات الكمال، وكلها صفات حميدة وعظيمة تحتاج إليها الأمة، ولكنها عادة ما تجلب لصاحبها الكثير من المتاعب مع الأقران والمتنافسين، والذين تسلل الغيرة إلى قلوبهم تجاه أمثال هؤلاء الأعلام المحبوبين، وهذا هو عين ما وقع للإمام ابن جرير الطبري.

    كان المذهب الحنبلي هو المذهب السائد بأرض العراق خلال القرنين الثالث والرابع الهجري، وذلك بفضل صمود الإمام أحمد رحمه الله في محنة خلق القرآن وهذا الصمود أعلى من شأن الحنابلة ورفع قدرهم في أعين الناس والعامة، وأقبلوا على تعلم العلم وفقًا للمذهب الحنبلي، حتى أصبح الحنابلة أغلبية بأرض العراق، وكان رأس الحنابلة بالعراق الإمام أبا بكر محمد بن الحافظ أبي داود صاحب السنن، وكانت بينه وبين الإمام ابن جرير الطبري مشاحنات وخلافات، وكلاهما لا ينصف الآخر، ووقع بينهما ما يقع بين الأقران في كل عصر ومكان، ولو وقف الخلاف بين الرجلين عند هذا الحد لكان الأمر هينًا يسيرًا، لتوافر أمثال هذه الخلافات في كل عصر، ولكن هذا الخلاف قد أخذ منحنى جديدًا حتى تحول إلى محنة كبيرة للإمام ابن جرير الطبري.

    ذلك أن الحنابلة حزب أبي بكر بن أبي داود قد دفعهم التعصب المذهبي المقيت لأن يشنعوا على ابن جرير ويشيعوا عليه الأكاذيب والأباطيل الذي هو منها براء، بل هو من أبعد الناس عما اتهموه به؛ ذلك أن الحنابلة قد أشاعوا على الإمام الطبري أنه من الروافض، ورموه بالتشيع والإمامية، وشعبوا عليه بشدة، وصدقهم كثير ممن لا عقول لهم إلا في آذانهم، وكان سبب هذا الرواج وانتشار هذه الشناعات عدة أمور منها:

    1ـ جمع ابن طرير الطبري لطرق حديث «غدير خم» وذلك في أربعة أجزاء باهرة تدل على سعة علمه ومروياته، وهو الحديث الشهير ((من كنت مولاه، فعلي مولاه...)) وهو الحديث العمدة عند جميع طوائف الشيعة والذين يستدلون به على أحقية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وبنيه في الخلافة، وهو حديث صحيح لا شك فيه، ولكن لا دلالة فيه على أحقية علي ـ رضي الله عنه ـ في الخلافة، وتأويله يختلف بالكلية عما ذهب إليه الروافض الجهلة، وكان السبب وراء جمع ابن جرير لطرق هذا الحديث؛ هو قيام أبي بكر بن أبي داود وغيره من علماء الحنابلة بتضعيف هذا الحديث، ومن باب الأمانة العلمية وليس من باب الميل للتشيع أو التأثر به قام الإمام الطبري بجمع طرق الحديث، وقد أقر أبو بكر بن أبي داود بعد ذلك بصحة حديث الغدير.

    2ـ الأمر الثاني والذي كان سببًا لتصديق كثير من البسطاء والعامة لفرية تشيع الطبري، يرجع إلى وجود عالم من علماء الشيعة الإمامية يحمل نفس الاسم ونفس الكنية وهو أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، وكان من كبار الروافض، وقد صنف كتبًا كثيرة في ضلالات التشيع مثل كتاب «المسترشد في الإمامة» و«الرواة عن أهل البيت»، وقد أدى هذا التشابه العجيب لخلط الناس بين الرجلين، وشتان ما بينهما، ولقد أحسن الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ صنعًا عندما أورد ترجمة الطبري الرافضي مباشرة خلف ترجمة جبل السنة ابن جرير الطبري، حتى لا يختلط الأمر على الناس، وللتمييز بين الرجلين.

    3ـ الأمر الثالث هو قيام الإمام ابن جرير الطبري بتأليف كتاب ضخم في اختلاف العلماء، ولم يذكر فيه الإمام أحمد بن حنبل على أساس أنه من كبار المحدثين، فظن الحنابلة أن الطبري قد تعمد ذلك للتقليل من شأن فقه الحنابلة، فشعبوا عليه، وأطلقوا بحقه العظائم والفظائع، ولعل ذلك هو السبب الرئيس في محنة الطبري واضطهاد الحنابلة له.

    هذه الأمور وغيرها جعلت فصول المحنة تستحكم، وتضيق حلقاتها على الإمام الطبري؛ فبعد هجمة شرسة من الشناعات والأباطيل والأكاذيب بحق هذا العالم الجليل قام الحنابلة بالتشويش على الطبري في مجالسه، وتنفير الطلبة من مجالسه، ومع ذلك ظل الإمام صابرًا محتسبًا مواظبًا على الدرس لا ينقطع عنه، حتى قام الحنابلة ذات يوم بسبه وشتمه أثناء الدرس، وأقاموه بالقوة من حلقة الدرس ومنعوه من الجلوس للتدريس، وألزموه القعود في بيته.

    نقل الطبري دروسه إلى بيته فكان يجتمع مع طلبة العلم في بيته، فأغاظ ذلك الأمر الحنابلة بشدة، فدفعهم التعصب المذهبي المذموم لأبعد دركات الغلو والظلم، حيث قاموا بمحاصرة بيت الطبري ومنعوه من الخروج من بيته، ومنعوا طلاب العلم من الدخول عليه، حتى إن كل طلاب العلم والحديث الذين دخلوا بغداد سنة 309هـ لم يجتمعوا به ولم يرووا عنه شيئًا بسبب طغيان جهلة الحنابلة، ومنهم الإمام حسنيك بن علي دخل بغداد ولم يكتب شيئًا عن الطبري، وعندما علم أستاذه ابن خزيمة ذلك قال لتلميذه «حسنيك»: (ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر، وبئس ما فعلت الحنابلة بحقه).

    ظل الطبري حبيسًا في بيته يعاني من الاضطهاد الشديد، ولا يدخل عليه أحد إلا القليل من خاصته، وكان قد جاوز الخامسة والثمانين وأنهكته السنون، ورحلات طلب العلم في شتى بقاع الأرض، وزادت المحنة من آلامه وأوجاعه، والجهلة والمتعصبون لا يردهم شيء، لا مكانة علمية ولا كبر سن، ولا مؤلفات ومصنفات عظيمة في التفسير والتاريخ وغيرهما، وظل الجهلة محاصرين لبيت الطبري حتى حان وقت الرحيل في شوال سنة 309هـ، وقد ظل الطبري يردد الشهادة قبل موته عدة مرات، ثم مسح يده على وجهه وغمض بصره بيده، وبسطها وقد فارقت روحه الحياة.

    وبلغت المحنة أوجها ووصل التعصب إلى ذروته، وظل الحنابلة على حصارهم لبيت الطبري حتى بعد أن بلغهم خبر وفاته، مما دفع أصحاب الطبري لأن يدفنوه في صحن داره برحبة يعقوب ببغداد، ولم يخرج الطبري من حصاره حتى بعد موته، ولكن هذا الحصار والتعصب المقيت لم يمنع الناس أن يأتوا إلى بيته للصلاة عليه حتى إن الناس ظلوا عدة شهور يصلون على قبره ليلاً ونهارًا.

    رحل الطبري عن دنيانا الفانية محاصرًا مظلومًا مضطهدًا من الجهلة والمتعصبين، وراح ضحية محنة مقيتة، وإن كان خصومه قد نالوا من دنياه، فإنه ولا شك قد نال من آخرتهم، وقد رفع الله عز وجل ذكره بين الناس وقام له سوق الثناء والفضل والدعاء ولم ينفض، في حين باء الجهلة والمتعصبون بالخسران والنكران في الدنيا والآخرة.


    عدل سابقا من قبل أحمد في الأربعاء مايو 13, 2009 12:17 pm عدل 1 مرات
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الإمام الطبري رحمه الله Empty رد: الإمام الطبري رحمه الله

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس سبتمبر 18, 2008 5:41 pm

    يقول أحمد بن خلكان لأبي جعفر في تأليفه عبارة وبلاغة فمما قاله في كتاب الآداب النفيسة والأخلاق الحميدة القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما يصدر من عمله لله عن نفسه قال إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن دعائه إلى سبيله والقعود له رصدا بطرق ربه المستقيمة صادا له عنها كما قال لربه عز ذكره إذ جعله من المنظرين {لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم} (الأعراف: 16-17) طمعا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه {لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا} (الإسراء:62) فحق على كل ذي حجى أن يجهد نفسه في تكذيب ظنه وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه ولا شيء من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه وعصيانه أمره ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه واتباعه أمره فكلام أبي جعفر من هذا النمط وهو كثير مفيد.


    مواقف من حياته

    قيل إن المكتفي أراد أن يحبس وقفا تجتمع عليه أقاويل العلماء فأحضر له ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك فأخرجت له جائزة فامتنع من قبولها فقيل له لا بد من قضاء حاجة قال اسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة ففعل ذلك وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابا في الفقه فألف له كتاب الخفيف فوجه إليه بألف دينار فردها.

    ******

    وروي عن محمد بن أحمد الصحاف السجستاني سمعت أبا العباس البكري يقول جمعت الرحلة بين ابن جرير وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام فخرجت القرعة على ابن خزيمة فقال لأصحابه أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة قال فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع ورجل من قبل والي مصر يدق الباب ففتحوا فقال أيكم محمد بن نصر فقيل هو ذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال وأيكم محمد ابن جرير فأعطاه خمسين دينارا وكذلك للروياني وابن خزيمة ثم قال إن الأمير كان قائلا بالأمس فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفذت فابعثوا إلي أحدكم.

    ***

    وقال أبو محمد الفرغاني في ذيل تاريخه على تاريخ الطبري قال حدثني أبو علي هارون بن عبد العزيز أن أبا جعفر لما دخل بغداد وكانت معه بضاعة يتقوت منها فسرقت فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه فقال له بعض أصدقائه تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان قال نعم فمضى الرجل فأحكم له أمره وعاد فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه فقربه الوزير ورفع مجلسه وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر فاشترط عليه أوقات طلبه للعلم والصلوات والراحة وسأل استلافه رزق شهر ففعل وأدخل في حجرة التأديب وخرج إليه الصبي وهو أبو يحيى فلما كتبه أخذ الخادم اللوح ودخلوا مستبشرين فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير فرد الجميع وقال قد شرطت على شيء فلا آخذ سواه فدرى الوزير ذلك فأدخله إليه وسأله فقال هؤلاء عبيد وهم لا يملكون فعظم ذلك في نفسه.

    ***

    وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء فيقبله ويكافئه أضعافا لعظم مروءته. وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته رحمه الله بما كان يرد عليه من حصة من ضيعة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة، و كان ينشد لنفسه:

    إذا أعسـرت لم يعلم رفيقي وأستغني فيستغنـي صديقـي
    حيائـي حافظ لي ماء وجهي ورفقي في مطالبتـي رفيقي

    ولو أني سمحت بماء وجهي لكنت إلى العلى سهل الطريق

    وله خلقـان لا أرضى فعالهما بطـر الغنى ومذلـة الفقـر

    فإذا غنيت فلا تكـن بطرا وإذا افتقرت فتـِهْ على الدهــر

    ***

    قال أبو القاسم بن عقيل الوراق: إن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا قالوا كم قدره فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فقال إنا لله ماتت الهمم فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ.

    ***

    وكان الطبري لا يقبل المناصب خوفا أن تشغله عن العلم من ناحية ولأن من عادة العلماء البعد عن السلطان من ناحية أخري، فقد روى المراغي قال لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير فامتنع من قبوله فعرض عليه القضاء فامتنع فعرض عليه المظالم فأبى فعاتبه أصحابه وقالوا لك في هذا ثواب وتحيي سنة قد درست وطمعوا في قبوله المظالم فذهبوا إليه ليركب معهم لقبول ذلك فانتهرهم وقال قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه قال فانصرفنا خجلين.


    وفاته

    قال أبو محمد الفرغاني حدثني أبو بكر الدينوري قال لما كان وقت صلاة الظهر من يوم الاثنين الذي توفي في آخره ابن جرير طلب ماءً ليجدد وضوءه فقيل له تؤخر الظهر تجمع بينها وبين العصر فأبى وصلى الظهر مفردة والعصر في وقتها أتم صلاة وأحسنها، وحضر وقت موته جماعة منهم أبو بكر بن كامل فقيل له قبل خروج روحه يا أبا جعفر أنت الحجة فيما بيننا وبين الله فيما ندين به فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا فقال الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي فاعملوا به وعليه وكلاما هذا معناه وأكثر من التشهد وذكر الله عز وجل ومسح يده على وجهه وغمض بصره بيده وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا.

    قال أحمد بن كامل توفي ابن جرير عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مئة ودفن في داره برحبة يعقوب يعني ببغداد قال ولم يغير شيبة وكان السواد فيه كثيرا وكان أسمر أقرب إلى الأدمة (السواد) أعين نحيف الجسم طويلا فصيحا وشيعه من لا يحصيهم إلا الله تعالى.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16801
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39133
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الإمام الطبري رحمه الله Empty رد: الإمام الطبري رحمه الله

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس سبتمبر 18, 2008 5:42 pm

    رثاء الطبري

    روي عن أبي الحسن هبة الله بن الحسن الأديب لابن دريد يرثي الطبري في قصيدة طويلة جاء فيها:

    لن تستطيع لأمــر الله تعقيـبا***** فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبـا

    وافزع إلى كنف التسليم وارض بما***** قضى المهيمن مكروهــا ومحبوبا

    إن الـــرزية لا وفر تزعزعه*****أيدي الحوادث تشتيتـــا وتشذيبــا

    ولا تفـرق ألاف يفـــوت بهم*****بين يغادر حبـل الوصــل مقضـوبا

    لكن فقدان من أضحى بمصرعه***** نور الهدى وبهــاء العلم مسلوبــا

    إن المنية لم تتلف به رجـــلا*****بل أتلفت علمـا للديــن منصوبــا

    أهدى الردى للثــرى إذ نال مهجته*****نجما على من يعادي الحق مصبوبا

    كان الزمان به تصفـو مشاربه*****فالآن أصبح بالتكدــير مقطوبــــا

    كــلا وأيامه الغر التي جــعلت*****للعـــلم نورا وللتقوى محاريبــا

    لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا*****ما استوقف الحج بالأنصاب أركــوبا

    إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة*****أعــاد منهجها المطموس ملحوبا

    لا يولج اللغـو والعــوراء مسمــعه*****ولا يقارف ما يغشيه تأنيبــا

    تجــلو مواعظـه رين القلوب كما*****يجلو ضياء سنا الصبح الغياهـيبا

    لا يـأمن العجز والتقصـير مادحه*****ولا يخاف على الإطناب تكــذيـبا

    ودت بقــاع بلاد الله لو جعلت*****قــبرا له لحباها جســمه طــيبا

    كانت حياـــتك للدنيا وساكنها***** نورا فأصبح عنها النور محجوبــا

    لو تعلم الأرض من وارت لقد***** خشعت أقطارها لك إجــلالا وترحيبا

    إن يندبوك فقد ثلت عروشــهم*****وأصبح العلم مرثيــا ومندوبــا

    ومن أعاجيب ما جاء الزمان به*****وقد يبــ،ين لنا الدهــر الأعاجيبا

    أن قد طوتك غموض الأرض في لحف*****وكنت تملأ منها السهل واللوبا

    وقال أبو سعيد بن الأعرابي:

    حدث مفظع وخطب جليل*****دق عن مثله اصطبار الصبور

    قام ناعي العلوم أجمع لما*****قــام ناعي محمد بن جرير

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 15, 2024 2:34 am