ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    هل عطل عمر - رضي الله عنه - حد السرقة في عام الرمادة "كما يزعم دعاة تعطيل الحدود" ؟!

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    هل عطل عمر - رضي الله عنه - حد السرقة في عام الرمادة "كما يزعم دعاة تعطيل الحدود" ؟! Empty هل عطل عمر - رضي الله عنه - حد السرقة في عام الرمادة "كما يزعم دعاة تعطيل الحدود" ؟!

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء يونيو 08, 2010 3:08 pm

    يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-

    من الأدلة التي يعتمد عليها دُعاة تعطيل النصوص الشرعية ـ وإن كانت قطعية في ثبوتها، قطعية في دلالتها ـ وردَّدها كل مَن تكَلَّم في هذا الموضوع: موقف عمر ـ رضي الله
    عنه ـ واجتهاده المعروف، حول "حد السرقة" وهو قطع اليد، وإيقاف تنفيذ هذا الحد في عام المجاعة المعروف في خلافته، وهو المشهور بـ "عام الرمادة".
    يقول هؤلاء المعطلة للنصوص: إن الله تعالى قال في كتابه العزيز في سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38). فهذه الآية قطعية الثبوت بلا نِزَاع، إذ القرآن كله قطعي الثبوت، وهي كذلك قطعية الدلالة على وجوب قطع يد السارق والسارقة جزاء بما كسبا، لا يرتاب في ذلك مرتاب، ولا يُشَكِّك في ذلك مُشَكِّك. وقد جاء هذا النص القرآني عامًّا مطلقًا، حين أمر الله تعالى بقطع يد السارق والسارقة أيًّا كانوا، دون أن يُخصص ذلك أو يُقَيِّده بزمان أو حال، أو وضع خاص. بل عَمَّمَ هذا الحكم تعميمًا وأطلقه، ولم يَسْتَثْنِ منه حالة المجاعة أو الشدة التي تنزل بالناس.
    قالوا: وقد فهم النبي ـ ـ هذا العموم، حتى قال: "والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يَدَها" (رواه الجماعة)، ولم يَرِدْ عنه ـ ـ تقييد القطع بما إذا كان السارق في حال يُسْرٍ، ومنعه إذا كان في حال احتياج، فمن أين أتى عمر بن الخطاب بهذه التقييد؟
    ثم إن عمر لم يكن يُكَلِّف نفسه البحث عن حالة السارق: هل كان في حالة فَاقَةٍ واحتياج، أو كان في حالة يُسْرٍ وحَرَجٍ من أمره، ولكنه اكتفى بالحالة العامة للناس في سَنَةِ المجاعة، وقد يكون السارق بالذات غير محتاج، فإن حالة المجاعة، وإن عمَّت كثيرًا من الناس قد يخرج عنها فرد أو أفراد، فكيف ساغ لعمر أن يوقف حد القطع قبل أن يُحَقِّق حالة السارق نفسه؟ فما ذلك؛ إلا لأن عمر أعطى نفسه حق التصرف في النصوص وتقييدها، أو تعليقها بما يراه مُحَقِّقًا للمصلحة.

    يقول العلامة الشيخ محمد المدني رحمه الله في نظراته في فقه عمر:-
    إن عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يعق هنا نصًّا، ولم يُعَدِّل، ولم ينسخ ـ وحاشاه أن يرى لنفسه هذا الحق ـ وإنما فهِم أن آخذ المال في عام المجاعة لا يوصف بأنه سارق؛ لأنه يرى لنفسه حقًّا فيما يأخذ، والسرقة هي أخذ الإنسان ما لا حَقَّ له فيه خُفْيَة.
    بيان ذلك: أن من أصول الإسلام القطعية، التكافل بين الناس على معنى أنه يجب على المجتمع وجوبًا كفائيًّا أن يغيث أفراده الذين نَزلت بهم الفاقة حتى أَوْرَدَتْهم موارد الضرورة، فإذا لم يَقُم المجتمع بهذا الواجب الكفائي للمضطرين كان آثمًا، وكان للمضطر أن يأخذ ما يُقِيتُ به نفسه ويَدْفع ضرورته.
    وعام المجاعة من غير شك، هو ظرف زماني يغلب فيه وجود أفراد مضطرين على هذا النحو، فهو مَظِنَّة لوجوب الحق لهم على المجتمع، ولا ينظر في هذا لتحقق الضرورة فعلاً بالنسبة لشخص السارق، أو عدم تَحَقُّقِهَا حتى يَقْطَع أو لا يقطع، فإن هذا موطن من مواطن الحدود، والحدود، تدرأ بالشبهات، فيكفي أن يقول الحاكم: لعل هذا إذا سرق لضرورة ألجأته إلى السرقة، فتكون هذه شُبْهَة قوية تَدْرَأ عنه الحد.
    أمَّا لو كان العام ليس عام مجاعة وإنما هو عام يسر ورخاء، فإن هذه الشبهة لا تكون قوية، ولا يجوز درء الحد بها؛ لأن العِبْرة في الشُّبَه التي تُدْرَأ بها الحدود إنما هي بقوتها، وتأييد الظروف لها.

    فقد تعلق عمر بفقه الحديث من حيث اللفظ :-
    قال تعالى: (وَالسارِقُ والسَّارِقَةُ) فيفسره بأنه آخذ ما لا حق له فيه خفية، ثم يطبق مفهومه على السارق في عام المجاعة، فيراه آخذا ما له حق فيه، ومن ثَمَّ لا يَشْمَله النص، فلا يجب قطعه، ثم يعمق فقهه في هذا، فيقرر أن مظنة الضرورة، وهي عموم الأمر ظنًّا في عام المجاعة، تنزل منزلة الضرورة الفعلية، ومن ثَمَّ لا يجب الفحْص في عام المجاعة عن حالة سارق بِعَيْنِه، ليعلم أكان في فاقة وضرورة؟ أم لم يكن؟.
    ومما يدل على نظرة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في تفسير السرقة، بأنها أخذ الإنسان ما لا حق له فيه: ما رواه القاسم بن عبد الرحمن من أن رجلاً سَرَق من بيت المال، فكتب فيه سعد بن أبي وقاص لعمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: "أن لا قطع عليه؛ لأن له فيه نصيبًا".

    وما أشبه فقه علي بفقه عمر :-
    ولذلك أيضًا نظير فيما يروى من فقه علي ـ رضي الله عنه ـ فقد حَدَّث سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن عبيد بن الأبرص "أن علي بن أبي طالب أُتِيَ برجل قد سرق من الخُمْسِ "أي خمس الغنيمة" مِغْفَرًا (المغفر: ما يوضع تحت الخوذة التي تقي رأس المقاتل ولها جوانب من سلاسل الحديد المنسوج المتشابك). فلم يقطعه علي وقال: إن له في نصيبًا".

    وقال ابن حزم الظاهري مع شدة تَمَسُّكُه بتحكيم النص مطلقًا عامًّا في قوله تعالى: (والسارِقُ والسارِقَةُ فاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ما نصه:-
    "من سرق من جَهْدٍ أَصابه، فإن أخذ مقدارَ ما يُغيث به نفسه، فلا شيء عليه، وإنما أخذ حَقَّهُ، فإن لم يجد إلا شيئًا واحدًا فيه فضل كثير، كثوب واحد أو لؤلؤة واحدة، أو بعير، أو نحو ذلك فأخذه كذلك، فلا شيء عليه أيضًا، لأن يرد فضله لمن فضل عنه؛ لأنه لم يَقْدِر على فصل قوته منه، فلو قَدِرَ على مِقْدَارِ قوت يُبَلِّغُهُ إلى مكان المعاش، فأخذ أكثر من ذلك، وهو ممكن ألا يأخذ، فعليه القطع؛ لأنه سرق ذلك عن غير ضرورة، وإن فرضًا على الإنسان أخذ ما اضْطُرَّ إليه في معاشه، فإن لم يفعل قاتل نفسه، وهو عاص لله تعالى، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وهو عموم لكل ما اقتضاه لفظه، وبالله التوفيق".
    وهكذا ترى ابن حزم يفهم ما فهمه عمر من أن آخذ حقِّه لا يكون سارقًا، نعم.. إنه خص عدم القطع بما إذا اقتصر الآخذ على أخذ حقه، أو أخذ الأكثر الذي لا يمكن تجزئته، وهذا خلاف في تفصيل الرأي بعد الاتفاق على المبدأ، وعمر أجرى الأمر، في عام المجاعة على التيسير في تقرير الضرورة، دون اعتبار ما اعتبره ابن حزم؛ لأنه رأى ذلك أشبه بغرض الشارع من درء الحدود بالشبهات، والشبهات كما تكون في ثُبُوت الفعل تكون في تقدير الحاجة، وتكييف الفعل.

    تلاقي فقه عمر بفقه علماء المذاهب:-
    ومما يَتَلاقى مع فكرة عمر في أن الآخذ لا يُعَدُّ سارقًا إلا إذا أخذ ما ليس له فيه حق، ما قرره مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وابن حنبل، وغيرهم، من أن الأبوين إذا أخذًا شيئًا من مال ابنهما أو بنتهما، ولو على سبيل الخفية فلا قطع عليهما، قال الشافعي: وكذلك الأجداد كيف كانوا، لا قطع عليهم فيما أخذوه، ولو على سبيل التخفي من مال مَن تَلِيهِ وِلَادَتُهم..
    ودليلهم على ذلك: إن للوالد حقًّا في مال ولده، وقد فرض الله على الولد أن يُعَفِّف أباه إذا احتاج إلى الناس، فله من ماله حق بذلك.
    فاعتبارهم ثبوت حق الوالد في مال الولد، بما فرضه الله عليه من إعفافه إذا احتاج، يرشدنا إلى أن من أخذ مال غيره لجهد أصابه، لا يُعَدُّ سارقًا؛ لأن الشارع أوجب له بمقتضى الجهد والحاجة حقًّا في المال الذي أخذه، ولا فرق في هذا المعنى بين مجهود يأخذ من مال غيره، وآخذ من بيت المال، أو من الغنيمة، إذْ كلُّ هؤلاء لهم نصيب فيما أخذوه منه.
    وابن حزم يناقش في مسألة الوالدين، والآخذ من بيت المال، أو من الغنيمة، بما ناقش به في مسألة الآخذ في حالة الجهد، ويصرح في مسألة الوالدين بالمبدأ المتفق عليه فيقول:
    "ولم يخالفهم أحد في أن الوالدين إذا احتاجَا فأخذا من مال ولدهما، حاجتهما باختفاء، أو بقهر أو كيف أخذاه، فلا شيء عليهما، فإنما أخذا حَقَّهُما" (المُحَلَّى لابن حزم ج 11/ 345).

    ويذهب ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين" مذهبًا قريبًا مما ذهبنا إليه، حيث يعتبر سقوط القطع للشبهة التي تَدْرَأ الحَدَّ بناءً على الضرورة المُلِحَّة فيقول:-
    "وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي، وهذا محْضُ القياس، ومقتضى قواعد الشرع، فإن السَّنَة إذا كانت سَنَة مجاعة وشدة، غَلَبَ على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يَسْلَم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يَسُدُّ به رَمَقَه، ويجب على صاحب المال بَذْلُ ذلك له، إما بالثمن، أو مَجَّانًا، بالخلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجانًا، لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج.
    قال: وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشُّبَهِ التي يذكرها كثير من الفقهاء، بل إذا وازنْتَ بيْن هذه الشبهة وبين ما يَذْكُرُونه ظهر ذلك التفاوت، فأين شبهة كون المسروق مما يُسْرِع إليه الفساد؟
    وكون أصله على الإباحة كالماء، وشُبهة القطع به مرة، وشبهة دعوى مِلْكِه بلا بيِّنة، وشبهة إتلافه في الحِرْز، بأكل أو احتلاب من الضرع، وشبهة نقصان مَالِيَّتِه في الحرز بذبح أو تحريق ثم إخراجه، وغير ذلك من الشبه الضعيفة جدًّا، إلى هذه الشبهة القوية لا سيما وهو مأذون له في مُغالبة صاحب المال على أخذ ما يَسُدُّ به رَمَقَه.
    وعام المجاعة يكثُر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم، والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد، بمن لا يجب فَدُرِئَ، نعم إذا بان السارق لا حاجة به وهو مُسْتَغْن عن السرقة قُطِعَ" (ص 23، ج3 من إعلام الموقعين).

    كل هذا يُبيِّن لنا أن الأمر في نظر عمر لم يخرج عن النص وليس فيه إبطال له، ولا نسخ ولا تعديل وإنما هو تطبيق دقيق للنص الشرعي مع ملاحظة رغبة الشارع الصريحة في درء الحدود بالشبهات (انظر: نظرات في اجتهادات عمر الفاروق: 80ـ85) أهـ.
    ومعنى هذا كله: أن عمر لم يوقف حدًّا وجب، واستوفى شروطه، وانتفت موانعه، بل الواقع أن الحد لم يجب أصلاً بوجود الشبهة العامة التي أوجبت درْأه، وهي المجاعة.


    والله أعلم



    المصدر :

    http://www.islamonline.net/servlet/S...#ixzz0qITjR0fR

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 5:22 am