حكى عبد الله السّاوَجِيّ: استأذن الوزير نظامُ الملك السلطانَ ملكشاه في الحج، فأذن له. فعبر دِجلة وعبر خدمه بالآلات والأقمشة، وضربت الخيام على شط دجلة. فأردتُ يوماً أن أدخل عليه، فرأيت بباب الخيمة فقيراً يلوح عليه سيما المتصوفة. فقال لي: يا شيخ، أمانة توصلها إلى الوزير. قلت: نعم. فأعطاني رقعة مطوية، فدخلت بها، ولم أنظر فيها حفظاً للأمانة، ووضعتها بين يدي الوزير. فلما نظر فيها بكى حتى ندمتُ وقلت في نفسي: ليتني نظرت فيها، فإن كان ما فيها يسوءه لم أدفعها إليه. ثم قال لي: يا شيخ، أدخل عليّ صاحب هذه الرُّقعة. فخرجتُ فلم أجده، وطلبتُه فلم أظفر به. فأخبرت الوزير بذلك، فدفع إليّ الرُّقعة فإذا فيها: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال لي: اذهب إلى الوزير وقل له: لِمَ تذهب إلى مكة؟ حجُّك هاهنا. حجُّك في إعانة أصحاب الحوائج". وعاد نظام الملك إلى بلاده ولم يحج. ثم رأيت الفقير بعد ذلك على شط دجلة وهو يغسل خُرَيْقات له. فقلت: إن الوزير يطلبك. فقال: مالي وللوزير؟ إنما كانت عندي أمانة فأديتُها.
من كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" لتاج الدين السبكي.
من كتاب "طبقات الشافعية الكبرى" لتاج الدين السبكي.