ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    التعريف بكتاب الأعلام ومؤلفه الأستاذ خير الدين الزركلي

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

     التعريف بكتاب الأعلام ومؤلفه الأستاذ خير الدين الزركلي  Empty التعريف بكتاب الأعلام ومؤلفه الأستاذ خير الدين الزركلي

    مُساهمة من طرف أحمد الجمعة يناير 04, 2013 11:52 pm

    يندر أن تجد باحثا في الثقافة العربية لم يرجع إلى كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي، ليرشده إلى ترجمة عَلَم من القديم أو الحديث، ويأخذ بيده إلى المظان التي يمكن أن يعود إليها إن أراد المزيد من التفاصيل عن الشخصية التي يبحث عنها.

    ولم يأخذ هذا الكتاب مكانته بين الباحثين وأهل العلم إلا عن جدارة واستحقاق؛ فهو يجمع بين الدقة في تحرير الترجمة، والعناية بإبراز أهم ملامح المترجم له، مع الأمانة والموضوعية والإيجاز غير المخل.

    وقد أنفق الزركلي السنوات الطوال في تأليف كتابه، وإعادة تحريره أكثر من مرة، مستعينا بعمله الدبلوماسي الذي هيأ له السفر والانتقال بما ساعده في أن يطالع المكتبات العامة في كثير من دول العالم، حتى خرج على الصورة التي نراها الآن: 8 مجلدات كبيرة، ومن عجب الأقدار أن المؤلف لم يعش حتى يرى الطبعة الأخيرة الأنيقة من كتابه التي صدرت بعد وفاته.

    وأكسب هذا الكتاب مؤلفه شهرة واسعة، وبوّأ صاحبه منزلة كبيرة بين مؤرخي هذا الفن من أصحاب كتب التراجم، وأخفى أيضا جانبا من مواهب الزركلي فلا يعلم كثيرون أنه كان شاعرًا مجيدًا، له ديوان من الشعر العذب.

    مولده ونشأته

    في بيروت ولد خير الدين بن محمود بن محمد بن علي فارس الزركلي في ليلة (9 من ذي الحجة 1310هـ= 25 من يونيو 1893م)، ونشأ في دمشق حيث موطن أبيه وأمه؛ فهما دمشقيان، وتعلم في إحدى مدارسها الأهلية، وأخذ عن علمائها على الطريقة القديمة التي كانت سائدة آنذاك في التعليم، وتفتحت مواهبه مبكرًا فأقبل على قراءة كتب الأدب، وجرى لسانه بنظم الشعر، وصحب مخطوطات المكتبة الظاهرية فكان لا يفارقها إلا لساعات قليلة.

    وفي هذه الفترة المبكرة من حياته أصدر مجلة أسبوعية بعنوان "الأصمعي" نشر فيها عصارة فكره المتقد، ونافح عن أمجاد العرب والعروبة، وكانت الشام آنذاك مسرحا لصراعات قومية بين العرب والترك، ولم تستمر المجلة فقد صادرتها الحكومة العثمانية، واضطر الزركلي إلى السفر إلى بيروت والتحق بمدرسة "اللاييك" أستاذا للتاريخ والأدب العربي وهو دون الخامسة والعشرين، وفي الوقت نفسه كان تلميذا بها يهوى دراسة الفرنسية.

    ثم عاد إلى دمشق وأصدر سنة (1337هـ= 1918م) جريدة يومية باسم "المفيد"، وفي أثناء ذلك كان ينظم القصائد الحماسية التي تتغنى بأمجاد الوطن، ويتعلق بآمال الحرية والاستقلال حتى دخل الفرنسيون دمشق، وأطاحوا بحكومة الملك فيصل وقضوا على أماني سوريا في الاستقلال في (8 من ذي القعدة 1338هـ= 24 من يونيو 1920م) بعد أن استشهد كثير من شباب سوريا في معركة ميسلون الخالدة، وتم إعلان الانتداب الفرنسي، فغادر خير الدين الزركلي دمشق إلى عمان.

    في عمان

    وبعد مغادرته البلاد قرر المجلس العسكري التابع للفرقة الثانية في الجيش الفرنسي الحكم غيابيًا إعدام خير الدين ومصادرة أملاكه؛ لأنه جاهر بعداء الفرنسيين في جريدته "المفيد" ونعتهم بالغدر والخيانة، ودعا أهل وطنه إلى مقاومتهم، وأشار إلى ذلك في إحدى قصائده بقوله:

    نذروا دمي حنقا علي، وفاتهم
    أن الشقي بما لقيت سعيد

    الله شاء لي الحياة، وحاولوا
    ما لم يشأ، ولحكمه التأييد


    وفي عمان عُيِّن الزركلي مفتشا عامًا للمعارف سنة (1340هـ= 1921م)، ثم تولى رئاسة ديوان الحكومة، وفي خلال ذلك انطلق شعره معبرًا عن الأسى والحنين إلى دمشق، مذرفا أغزر الدمع عليها ينوح على دياره فيقول:

    أبكي ديارًا خلقت للجمال
    أبهى مثال

    أبكي تراث العزِّ والعزُّ غال
    صعب المنال

    أبكي نفوسًا قعدت بالرجال
    عن النضال

    أبكي جلال الملك كيف استحال
    إلى خيال

    ضاعت بلادي يا زمان الصغار
    والاندثار

    الناس يبنون وما في الديار
    غير الدمار


    والقصيدة تقترب في جوها ونظمها من شعر المهجر في الأسلوب والمعنى والبحور والقوافي.

    بين القاهرة والقدس

    لم يستمر الزركلي في عمله كثيرا بعمان، فعاد إلى دمشق بعد إيقاف تنفيذ حكم الإعدام عليه، وأخذ عائلته واتجه إلى القاهرة سنة (1342هـ= 1923م) وكانت ملتقى الأحرار في العالم العربي وعاصمة الثقافة العربية، وأنشأ بها المطبعة العربية، وطبع بها كتبا كثيرة.

    وفي أثناء إقامته بالقاهرة حكم الفرنسيون عليه ثانية بالإعدام سنة (1344هـ= 1925م) بعد اشتعال ثورة السوريين على الاحتلال الفرنسي، وكان لهذا النبأ وقع سيئ عليه، فاعتلّت صحته وباع المطبعة، واستجم 3 سنوات بدون عمل، زار خلالها الحجاز مدعوًا من آل سعود الذين آلت إليهم مقاليد الحكم هناك، وتمتّع برعايتهم.

    ثم ذهب إلى القدس سنة (1349هـ= 1930م) وأصدر مع زميل له جريدة "الحياة اليومية"، لكن الحكومة الإنجليزية عطلتها، واتفق مع أصدقاء آخرين على إصدار جريدة يومية في يافا، وأعد لها مطبعة، لكن الجريدة لم يصدر منها سوى عدد واحد، وأغلقت أبوابها بسبب التحاقه بالعمل الدبلوماسي في الحكومة السعودية.

    في العمل الدبلوماسي

    عمل الزركلي سنة (1353 هـ= 1934م) مستشارًا بالوكالة في المفوضية العربية للسعودية بمصر، وكان أحد المندوبين السعوديين في المداولات التي سبقت إنشاء جامعة الدول العربية وفي التوقيع على ميثاقها، ومثّل الحكومة السعودية في عدة مؤتمرات دولية، وانتُدب في سنة (1366هـ= 1946م) لإدارة وزارة الخارجية بجدة متناوبا مع الشيخ يوسف ياسين وزير الخارجية بالنيابة، ثم عين وزيرا مفوضا ومندوبا دائما لدى الجامعة العربية في سنة (1371هـ= 1951م)، ثم عمل سفيرا للسعودية بالمغرب سنة (1377هـ=1957م).

    أعماله العلمية

    لم تشغله أعماله الدبلوماسية عن الكتابة والتأليف وإن كف عن نظم الشعر، ولم تنقطع صلته بزيارة المكتبات ودور الكتب في أماكن مختلفة من العالم، وأثمرت جهوده عن عدة مؤلفات منها:

    - ما رأيت وما سمعت، وهو عن رحلته الأولى من دمشق إلى فلسطين فالحجاز، وطُبع سنة 1923م.

    - عامان في عمان، تناول فيه مذكراته عن عامين قضاهما في مدينة عمان.

    - الملك عبد العزيز في ذمة التاريخ.

    - صفحة مجهولة من تاريخ سوريا في العهد الفيصلي.

    الأعلام

    غير أن أهم إنتاجه هو كتابه الفذ "الأعلام"، وهو يعد من أعظم الكتب العربية التي ظهرت في القرن الرابع عشر الهجري، ترجم فيه لنحو 13435 علما من القديم والجديد، معتمدا على ما يزيد عن ألف وبضع مئات من المصادر والمراجع المطبوعة والخطية، فضلا عن مئات الصحف والدوريات.

    ولم يخرج هذا الكتاب مرة واحدة على الصورة التي عليها الآن، بل مر صاحبه برحلة كفاح طويلة استغرقت معظم حياته، فقد بدأ الإعداد في تأليفه في سن مبكرة من حياته وهو لا يزال صغير السن غض الإهاب، ثم صدرت طبعته الأولى في 3 أجزاء سنة (1346هـ= 1927م)، ثم سكت 30 عاما حتى صدرت طبعته الثانية سنة (1377هـ= 1957م) بعد مراجعة وتنقيح وإضافات، ثم استدرك على هذه الطبعة بأخرى مزيدة ومنقحة، ثم ظهرت الطبعة الرابعة الكاملة بعد وفاته سنة (1396هـ= 1976م).

    والمنهج الذي التزمه لاختيار من يترجم لهم هو "أن يكون لصاحب الترجمة عِلم تشهد به تصانيفه أو خلافة أو ملك أو إمارة أو منصب رفيع كوزارة أو قضاء كان له فيه أثر بارز أو رئاسة مذهب، أو فن تميز به، أو أثر في العمران يذكر له، أو شعر أو مكانة يتردد بها اسمه، أو رواية كثيرة، أو أن يكون أصل نسب أو مضرب مثل".

    غير أن هذا النهج لم يلتزمه مع خلفاء الدولة العثمانية وكثير من أمرائها وولاتها، فأعرض عن الترجمة لهم؛ متأثرًا بنزعته القومية العربية وعدم ميله إلى الأتراك، وكان قد عاصر الصراع الذي شب في الشام بين حكّام الأتراك ورعاياهم من العرب، هذا في الوقت الذي عُني فيه بالترجمة لكبار المستشرقين.

    وانتهج في كتابه الترتيب الألفبائي وإيراد الترجمة تحت اسم العلم الحقيقي لا تحت اسم شهرته؛ فترجمة المتنبي تحت اسمه (أحمد بن الحسين) لا تحت اسم شهرته، مع الإشارة تحت اسم الشهرة إلى الإحالة إلى موضع الترجمة تسهيلا للبحث، فحين يرد اسم المتنبي في حرف الميم يشير إلى اسمه الحقيقي الذي ترد فيه الترجمة. وحرص المؤلف على أن يلحق بالمترجم صورة له إن كان ذلك موجودًا أو نموذجا من خطه وتوقيعه.

    وقد لقي الكتاب حفاوة وإقبالا من القراء والباحثين لأهميته، وتحريره المادة العلمية بدقة، وإرشاده إلى مراجع إضافية للمزيد، مع الدقة والإيجاز، ولم يعد يستغني عنه باحث أو تغفل اقتناءه مكتبة.

    الأيام الأخيرة

    ظل الزركلي موضع حفاوة وتقدير من المجامع العلمية؛ فانتخب عضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق سنة (1349هـ= 1930م)، واختير عضوا مراسلا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1366هـ= 1946م)، وبالمجمع العلمي العراقي سنة (1380 هـ= 1960م)، وظل بعد خروجه من العمل الدبلوماسي مقيما بالقاهرة التي عاش فيها أغلب حياته، وفي إحدى زياراته إلى دمشق أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش بصفة أسابيع، فلما قرب على الشفاء رحل إلى القاهرة للاستجمام، لكن الحياة لم تطل به فوافته المنية على ضفاف النيل في (3 من ذي الحجة 1396هـ = 25 من نوفمبر 1976م) عن 83 سنة.

    هوامش ومصادر:


    خير الدين الزركلي: الأعلام- دار العلم للملايين– بيروت– 1986م.
    سامي الدهاق: الشعراء الأعلام في سوريا– دار الأنوار- بيروت– 1968م.
    فضل عفاش: رجالات في أمة– دار المعرفة– دمشق– (1408هـ= 1988م).
    محمود محمد الطناحي: الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم- مكتبة الخانجي– القاهرة– (1406هـ= 1985م).
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

     التعريف بكتاب الأعلام ومؤلفه الأستاذ خير الدين الزركلي  Empty رد: التعريف بكتاب الأعلام ومؤلفه الأستاذ خير الدين الزركلي

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس فبراير 07, 2013 10:02 am

    هذه نبذة ٌ تعريفيّة ٌ يسيرة ٌ ، وعرضٌ موجز ٌ سريعٌ ، لكتابٍ من أشهر ِ كتبِ التراجم ِ على الإطلاق ِ ، زاحمَ بهِ مؤلّفهُ أهلَ عصرهِ ففاقَ عليهم ، وشاكلَ بهِ من سبقهُ من أهل ِ العلم ِ فلم يقصُرْ دونهم ، جمعَ فيهِ التراجمَ فأوعى ، واستوعبَ المشاهيرَ فقاربَ الحصرَ ، فغدا كتابهُ معلماً بارزاً من معالم ِ النهضةِ العلميّةِ المُعاصرةِ للمُسلمينَ ، ومنهلاً موروداً لكلِّ باحثٍ ودارس ٍ ، واتفقتْ الكلمة ُ وانعقدَ الأمرُ على كونهِ مرجعاً رئيساً في التراجم ِ والتعاريفِ ، بالمشاهير ِ والأعلام ِ .

    ذلكم الكتابُ هو : الأعلامُ ، لمؤلّفهِ العلاّمةِ اللغويِّ المؤرخ ِ : خير ِ الدين ِ بن ِ محمودٍ الزركليِّ – رحمهُ اللهُ رحمة ً واسعة ً - .

    والكلامُ على الكتابِ في أربعةِ محاورَ : في التعريفِ بالمؤلِّفِ ، ثُمَّ الكلام ِ على خصائص ِ الكتابِ ومنهج ِ مؤلّفهِ ، ثُمَّ ذكر ِ ما يُنتقدُ عليهِ إجمالاً ، ثُمَّ عدِّ الأعمال ِ التي لحقتْ بهِ كالذيول ِ والتتمّاتِ والنقدِ .

    أمّا مؤلّفهُ فهو العلاّمة ُ : أبو الغيثِ خيرُ الدين ِ بنُ محمودٍ بن ِ محمّدِ بن ِ عليِّ بن ِ فارس ٍ الزركليُّ الدمشقيُّ ، وُلدَ في بلادِ الشام ِ في بيروتَ تحديداً سنة َ 1310 هـ ، ونشأ وترعرعَ في دمشقَ ، ودرسَ فيها مراحلَ دراساتِهِ الأوليّةِ ، ثُمَّ عادَ إلى بيروتَ تلميذاً فأستاذاً ، وجرتْ لهُ فيما بعدُ من عمرهِ فصولٌ توالتْ عليهِ في إثرها المحنُ والكروبُ ، وحُكمَ عليهِ في دمشقَ بالإعدام ِ إثرَ واقعةٍ حدثتْ ، وكانَ حُكمُ الإعدام ِ صادراً من قبلَ الفرنسيينَ .

    تنقّلَ في حياتهِ بينَ بلادِ الشام ِ والحجاز ِ ، ورزقهُ اللهُ حُظوة ٌ كبيرة ً عندَ حُكّام ِ الحجاز ِ في تلكَ الفترةِ ، وحينَ أجلوا من الحجاز ِ إلى الأردنِّ خرجَ معهم وصحِبهم ، ثُمَّ تركهم وغادرَ إلى مصرَ ومنها إلى الحجاز ِ مرّة ً أخرى ، وفي تلكَ الفترةِ كانَ الملكُ : عبد العزيز ِ – رحمهُ اللهُ – قد بسطَ سلطانهُ على الحجاز ِ ودانَ لهُ أهلها بالولاءِ والطاعةِ ، فدخلَ الزركليُّ في حكمهِ ، ولتقدّمهِ وفضلهِ قلّدهُ الملكُ عبد العزيز ِ عدّة َ مناصبَ في الحكومةِ السعوديّةِ ، كان آخرها سفيراً في دولةِ المغربِ .

    وللزركليِّ في حياتهِ رحلاتٌ كثيرة ٌ إلى عواصمَ شتّى ، منها ما كانَ للعمل ِ ومنها ما كانَ للبحثِ والتنقيبِ عن الكتبِ ، ومنها ما كانَ استشفاءً ونقاهة ً وراحة ً ، وقد أفادتهُ هذه الرحلاتُ في سعةِ الاطلاع ِ والوقوفِ على النفيس ِ والنّادر ِ من كتبِ التراثِ ، ممّا لا يتيسّرُ الوقوفُ على مثلهِ إلا لأفذاذِ الرجال ِ ونوادر ِ الزّمان ِ .

    توفّيَ – رحمهُ اللهُ – في سنةِ 1396 هـ في مدينةِ القاهرةِ ، ولهُ 86 سنة ً ، قضى أكثرها باحثاً ومفكّراً وكاتباً ، فكانَ ثمرة َ ذلكَ هذه الشهرة ُ الطاغية ُ والمكانة ُ السامية ُ ، ومن ثمراتِ بحثهِ ونِتاج ِ فكرهِ عدّة ُ بحوثٍ ، منها – وهو أشهرُها – الأعلامُ ، وكذلكَ كتابٌ عن الملكِ عبد العزيز ِ – رحمهُ اللهُ – سمّاهُ : الوجيز ُ في سيرةِ الملكِ عبد العزيز ِ وهو مشهورٌ مُتداولٌ ، ولهُ ديوانُ شعر ٍ مطبوعٌ كذلكَ .

    والزّركليُّ : بكسر ِ الزاي المُشدّدةِ وبعدها راءٌ مكسورة ٌ ، وهي قبيلة ٌ أو أسرة ٌ كرديّة ٌ .

    أمّا كتابهُ الأعلامُ فهو أحدُ الموسوعاتِ العلميّةِ المُتقنةِ في هذا العصر ِ ، والذي صارَ المرجعَ الأوّلَ للباحثينَ عن التراجم ِ ، وبخاصّةٍ أصحابَ الدراساتِ الجامعيّةِ والبحوثِ العلميّةِ لنيل ِ شهاداتِ العالميّةِ والعالميّةِ العاليّةِ – الماجستيرُ والدكتوراه - ، وذلكَ لأنَّ مؤلّفهُ استوعبَ – أو كادَ – المشاهيرَ من المُترجم ِ لهم على مرِّ التأريخ ِ ، ولم يختصَّ بطائفةٍ دونَ أخرى ، أو علم ٍ دونَ علم ٍ ، أو عصر ٍ دونَ عصر ٍ ، وإنّما جعلَ أساسَ الترجمةِ هو شهرة ُ المُترجم ِ لهُ ، وقد لخّصَ وصفَ من يُترجِمُ لهُ بأنّهُ من كانَ صاحبَ علم ٍ تشهدُ لهُ بهِ تصانيفهُ ، أو كانَ صاحبَ خلافةٍ أو مُلكٍ أو أمارةٍ ، أو كانَ من أصحابِ المناصبِ العُليا والتقدّم ِ إمّا في دولةٍ أو مذهبٍ أو فكر ٍ ، أو من تميّزَ بفنٍّ معيّن ٍ حتّى شُهرَ بهِ ، أو من كانَ لهُ أثرٌ في العمران ِ يُذكرُ بهِ ، أو كانَ لهُ شعرٌ أو مكانة ٌ أو رواية ٌ كثيرة ٌ ، أو كانَ أصلَ نسبٍ مشهور ٍ أو مضربَ مثل ٍ ، وضابطُ ذلكَ كلّهِ : أن يكونَ الشخصُ المُترجمُ ممّن يتردّدُ ذكرهم ويُسألُ عنهم - الأعلام 1/20 - .

    ولثِقل ِ هذه المادّةِ واتّساع ِ مجال ِ البحثِ فيها ، وكثرةِ مواردها ومصادرِها ، وتنوّع ِ التخصّصاتِ للمُترجمينَ واختلافِ طبقاتِهم ، كانَ لِزاماً على المؤلّفِ أن يبذلَ جُهداً مّضنياً في حصر ِ المادّةِ أوّلاً ، ثمَّ فرز ِ ذلكَ كلّهِ وتنقيحهِ ، ثُمَّ تنفيذِ الكتابةِ على وجهِ الاختصار ِ المُشبع ِ ، ثُمَّ مراجعةِ ذلكَ مرّة ً أخرى ، ثُمَّ الإتمامُ والإلحاقُ ، وهكذا ، فقضى في سبيل ِ تحقيق ِ هذا الهدفِ وبلوغ ِ تلكَ الغايةِ أكثرَ من أربعينَ سنةٍ ، ما بينَ إنشاءٍ وإضافةٍ وتعديل ٍ وإصلاح ٍ وتوسيع ٍ – الأعلامُ 1/13 - ، واستعانَ بمجموعةٍ كبيرةٍ من المراجع ِ ما بينَ مخطوطٍ ومطبوع ٍ ، ودوّريّاتٍ ومطبوعاتٍ إعلاميّةٍ ، جمعها وأتى على ذكرِها في خاتمةِ كتابهِ ، وقد استغرقتْ زهاءَ ثمانينَ صفحةٍ من القطع ِ الكبير ِ ، وهذا عددٌ ضخمٌ جداً ، خاصّة ً وأنَّ أكثرَ ما ذُكرَ من المراجع ِ لا يكادُ يتهيأ لكبار ِ الباحثينَ المُختصّينَ من أهل ِ هذا العصر ِ ، فضلاً عن عامّةِ القرّاءِ .

    واشتملَ الكتابُ كذلكَ على عددٍ كبير ٍ من الصّور ِ لمن ترجمَ لهم ، وكذلكَ على مجموعةٍ من الخطوطِ الخاصّةِ بهم ، جمعها من بطون ِ الكتبِ ، واستخرجها من أقبيةِ مراكز ِ المخطوطاتِ في العالم ِ .

    هذه السعة ُ في المواردِ والكثرة ُ في عددِ التراجم ِ ، إضافة ً إلى الجهدِ الكبير ِ المبذول ِ في سبيل ِ تحرير ِ الكتابِ وتنقحيهِ ومُحاولةِ استيعابِ الأعلام ِ ، جعلتْ لهذا الكتابِ شهرة َ طاغية ً ومكانة ً عالية ً لدى أهل ِ العلم ِ والبحثِ ، فأثنوا عليهِ وعلى مؤلّفهِ ، وأنزلوهُ المنزلة َ اللائقة َ بهِ ، وفي ذلكَ يقولُ الطنطاويُّ – رحمهُ اللهُ - : " وانصرفَ – أي الزّركليُّ – إلى التأليفِ فتركَ كتاباً من أعظم ِ ما ألّفَ في هذا العصر ِ ، وهو الأعلامُ " - الذكرياتُ 1/229 ، ويقولُ أيضاً : " خيرُ الدين ِ الزركليُّ مؤلّفُ الكتابِ العظيم ِ الأعلام ِ ، أحدُ الكتبِ العشرةِ التي يُفاخرُ بها هذا القرنُ القرونَ السابقاتِ " – الذكريّاتُ 1/125 .

    وقالَ حمدُ الجاسر ِ – رحمهُ اللهُ - : " كتابُ الأعلام ِ لأستاذِنا أبي الغيثِ خير ِ الدين ِ الزركليِّ ، أوفى كتابٍ حديثٍ في التراجم ِ فيما أعلمُ ، فهو عصارة ُ فكر ِ بحّاثةٍ جليل ٍ ، قلَّ أن يُضاهيهُ في سعةِ اطّلاعهِ على المؤلّفاتِ قديمِها وحدِيثِها ، وهو خلاصة ُ مئاتٍ من الكتبِ والمطبوعاتِ ألّفتْ في التراجم ِ ، بحيثُ يصحُّ القولُ بأنَّ الأعلامَ من مفاخر ِ عصرنا الثقافيِّ " – مجلّة ُ العربِ 5 / 93-94 نقلاً عن الإعلام ِ بتصحيح ِ كتابِ الأعلام ِ 13 وانظرْ هناكَ المزيدَ من النّقول ِ في الثناءِ على الكتابِ - .

    وحسبُكَ بهذا الكلام ِ في الدّلالةِ على عِظم ِ كتابِ الأعلام ِ ، فقد صدرَ من باحثٍ شهير ٍ ورجل ٍ سبرَ أغوارَ الكتبِ والمراجع ِ ، وهو العلاّمة ُ الجاسرُ – رحمهُ اللهُ - .

    وعلى الرّغم ِ من المكانةِ العُليا التي تبوأها هذا الكتابُ ، والجهدِ الضخم ِ الذي بذلهُ مؤلّفهُ فيهِ ، إلا أنّهُ قد اشتملَ على مجموعةٍ من الهفواتِ ، منها ما هو منهجيٌّ ، ومنها ما هو أخطاءٌ وأوهامٌ .

    أمّا المنهجيُّ منها ، فإنَّ الزركليَّ في كتابهِ قصدَ إلى الموضوعيّةِ المُجرّدةِ في التراجم ِ ، وإذا ترجمَ لشخص ٍ ما فإنّهُ لا يذكرُ ما يؤخذ ُ عليهِ ، أو أقوالَ النقّادِ والمؤرخينَ فيهِ ، أو أن يذكرَ رأيهُ هو في ذلكَ ، بل يُترجمُ لهُ ذاكراً ولادتهُ ووفاتهُ وأهمَّ ما جرى في حياتهِ من أحداثٍ ، ثُمَّ يختمُ ذلكَ بذكر ِ ما ألّفهُ من كتبٍ مع الإشارةِ إلى ما طُبعَ منها ، وإن كانَ مخطوطاً ذكرَ ذلكَ ، ويعتني غالباً بإيرادِ خطِّ المُترجم ِ لهُ أو صورةٍ لهُ ، ويُعرضُ عمّا سوى ذلكَ من الحُكم ِ النقديِّ على الشخص ِ ، أو التعرّض ِ لهُ بحكمهِ الخاصِّ .

    وهذا المنهجُ هو منهجُ بعض ِ المؤلّفينَ في التراجم ِ والتأريخ ِ ، فهم يُترجمونَ أو يؤرخونَ بقصدِ التوثيق ِ البحتِ ، مُعرضينَ عن ذكر ِ آراءهم الشخصيّةِ أو أحكامهم الخاصّةِ ، ويتركونَ ذلكَ للقارئِ والباحثِ ، ومن الذين سلكوا هذا النهجَ واقتفوهُ في تصانيفهم : ابنُ خلّكان ٍ ، وابنُ الأثير ِ ، ومن المُعاصرينَ : الزركليُّ ، والطناحيُّ - رحمَ اللهُ أربعتهم - .

    وقد لخّصَ الشيخُ بكرُ أبو زيدٍ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ – ما يُنتقدُ على كتابِ الأعلام ِ بقولهِ : " أصبحَ كِتابُ الأعلام ِ للزركليِّ مرجعاً مُهمّاً للباحثينَ والرّاغبينَ في التعرّفِ على التراجم ِ ، وهو مع معاناةِ مؤلّفهِ الدقّة َ والإتقانَ يردُ عليهِ أمران ِ : الأوّلُ : أنَّ الزركليَّ لم يُترجمْ لأحدٍ من أساطين ِ الدولةِ العُثمانيّةِ ، فهل هذه نزعة ٌ قوميّة ٌ عربيّة ٌ أم ماذا ؟ ، الثاني : فيهِ مجموعة ٌ من الأوهام ِ والأغاليطِ " – النظائرُ 64 - .

    وقول ِ الشيخ ِ : " فهل هي نزعة ٌ قوميّة ٌ أم ماذا ؟ " فيهِ احتمالٌ لذلكَ ، وقد كانَ الزركليُّ ذا نفَس ٍ قوميٍّ مُتقدٍ ، إلا أنّني – والعلمُ عندَ اللهِ – أرجّحُ أنَّ سببَ إعراض ِ الزركليِّ عن الترجمةِ لسلاطين ِ العثمانيينَ هو تسلّطهم عليهِ بالأذيةِ ، ومُصادرةِ مطبوعتهِ : " مجلةِ الأصمعيِّ " وذلكَ بسببِ نشر ِ لصورةٍ كتبَ تحتها : صورة ُ الخليفةِ العربي المأمون ِ – الأعلامُ 8/267 - .

    وكلامُ الشيخ ِ يلخّصُ ما احتواهُ الكتابُ من مؤاخذاتٍ ، فما ذكرهُ بخصوص ِ الدولةِ العُثمانيّة ُ يُعتبرُ من الخطأ المنهجيِّ ، وهو الذي يُعرضُ فيهِ صاحبهُ عن ذكر ِ ما يلزمهُ ذكرهُ ، أو أن يذكرَ ما ليسَ على شرطهِ ومنهجهِ ، سواءً كانَ ذلكَ قصوراً منهُ في البحثِ ، أو عن قصدٍ وتعمّدٍ ، وكلا هذين الأمرين ِ وقعا للزركليِّ – غفرَ اللهُ لهُ - ، فقد أعرضَ عن ذكر ِ تراجم ِ السلاطين ِ العُثمانيينَ عامداً مُتعمّداً ، كما أنّهُ لم يذكرْ تراجمَ آخرينَ مشاهيرَ ذكرتهم كّتبُ التراجم ِ وطفحتْ بأخبارهم ، من أمثال ِ : ابن ِ خلّكان ٍ ، فقد استفادَ من كتابهِ كثيراً وكانَ أحدَ مواردهِ ، ومع ذلكَ أخلاهُ من الترجمةِ لهُ ؟ .

    وإن كانَ الزركليُّ – رحمهُ اللهُ – قصدَ إلى الموضوعيّةِ في كتابهِ ، مُغفلاً رأيهُ الشخصيَّ ، فلمَ عدلَ عن ترجمةِ العُثمانيينَ ؟ ، معَ أنّهُ ترجمَ لأناس ٍ من الأغمار ِ الذين لا يُعرفونَ ، وهذه الموضوعيّة ُ تهاوتْ مِراراً في التراجم ِ التي يكونُ أصحابُها قوميينَ أو جرتْ عليهم من المحن ِ ما جرتْ ، فلا يتوانَ الزركليُّ – عفا اللهُ عنهُ – في وصفِ نكبتهم وخلع ِ لقبِ الشهادةِ عليهم ! ، كما في ترجمةِ محمود جلال من الأعلام ِ 2/132 حيثُ وصفهُ بأنّهُ شهيدٌ لأنّهُ ثارَ على التركِ وأعدموهُ ، وفي المُقابل ِ لا نجدهُ ذكرَ ذاتَ الوصفِ في شخصيّاتٍ أخرى قُتلتْ أو أعدمتْ ، في حالاتٍ مُشابهةٍ ! .

    إذن اشتملَ الكتابُ على مجموعةٍ من الأخطاءِ المنهجيّةِ ، خالفتْ منهجَ المؤلّفِ وأثّرتْ على طريقةِ سيرهِ ، وعُدّتْ من السقطاتِ المنهجيّةِ ، وقد ذكرتُ أمثلة ً لها ، فإذا قصدَ الباحثُ إلى كتابِ الأعلام ِ ولم يجدْ فيها ترجمة ً لشخص ٍ ما ، أو وجدَ فيها مدحاً أو قدحاً ، فلا بُدَّ أن يُقابلَ ذلكَ مع ما عندهُ من مصادرَ أخرى ما أمكنهُ ذلكَ ، وأنّ لا يكتفيَ في هذا خصوصاً بكلام ِ الزركليِّ أو حُكمهِ ، وهذا ليسَ تجنيّاً عليهِ – رحمهُ اللهُ – بل من بابِ صيانةِ العلم ِ وردّهِ إلى أهلهِ ، وحفظهِ من الغلطِ والسقطِ .

    إلا أنَّ المؤلّفَ خالفَ ذلكَ في بعض ِ التراجم ِ المُختصّةِ بأهل ِ الأدبِ ، كالشعراءِ والكُتّابِ ، فكانَ يذكرُ فيهن بعضَ آراءهِ التقديّةِ المُتعلّقةِ بشعرهم وكِتابتهم .

    أمّا الأوهامُ والأغلاطُ كالغلطِ في الاسم ِ أو النسبةِ ، أو تأريخ ِ الولادةِ والوفاةِ ، أو خطأهِ في اسم ِ كتابٍ ، فهذا موجودٌ في كتابهِ ، وقد تصدّى للكشفِ عنهُ وبيانهُ جملة ٌ من العلماءِ والباحثينَ ، منهم : العلاّمة ُ المؤرخُ محمّدُ بنُ أحمدَ بن ِ دهمانَ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد نشرَ ما وجدهُ من أوهام ٍ وأغلاطٍ بعدَ تصحيحِها في مجلّةِ مُجمّع ِ اللغةِ العربيّةِ ، ونشرَها كاملة ً الأستاذ ُ أحمدُ العلاونةِ في كتابهِ ذيل ِ الأعلام ِ ص 329 – 341 ، وأغلبُ هذه التصويباتِ كانَ قد أصلحها الزركليُّ في حياتهِ ، ومنهم الأستاذ ُ محمّد بن عبد اللهِ الرشيد في كتابهِ : الإعلام ِ بتصحيح ِ كتابِ الأعلام ِ ، وهو جهدٌ مشكورٌ منهُ ، صحّحَ فيهِ بعضَ الأوهام ِ ، على أنَّ أغلبَ ما ذكرهُ في كتابهِ من الأمور ِ اليسيرةِ ، والتي لا تضرُّ غالباً ، وقد وقعَ الرشيدُ نفسهُ في بعض ِ الملاحظاتِ ، وصدرَ أخيراً عن المكتبِ الإسلاميِّ كتابٌ بعنوان ِ : نظراتٌ في كتابِ الأعلام ِ ، للأستاذِ أحمد العلاونةِ ، وقد قرأتُهُ ونظرتُ فيهِ ، ووقفتُ على بعض ِ الملاحظاتِ .

    وهذان ِ الكتابان ِ جيّدان ِ في بابهما ، لولا ما فيهما من التهجّم ِ والتراشق ِ بالكلام ِ بين المُؤلّفين ِ ، وهذا بلا شكٍّ مُصيبة ٌ كُبرى ، أن تتحوّلَ كتبُ العلم ِ وأسفارُ المعرفةِ إلى ساحةٍ للتهكّم ِ والتطاول ِ والتنابذِ ، وقذفِ التهم ِ جُزافاً ، ومُحاولةِ تصفيةِ الحِساباتِ ، فإن كانَ هناكَ تصفية ٌ ولا بدَّ من ذلكَ ، فلْيكن مكانَ ذلكَ شيءٌ غيرُ الكتبِ والعلم ِ ، فما أحرانا أن نصونَ العلم ِ والأسفار ِ عن الابتذال ِ بذكر ِ المثالبِ والمطاعن ِ .

    هذا تلخيصٌ سريعٌ ومُجملٌ للمآخذِ على الكتابِ ، كما ذكرها الباحثونَ ، وهي مجموعة ٌ يسيرة ٌ إذا ما قُورنتْ بحجم ِ الكتابِ وسعةِ موادّهِ ، والكمالُ للهِ سُبحانهُ وتعالى ، فعلى الرّغم ِ من الجهدِ الكبير ِ المبذول ِ ، مع العمر ِ المديدِ ، والتفرّغ ِ التامِّ لذلكَ ، إلا أنَّ اللهَ تعالى رمى الكتابَ بشيءٍ من النقص ِ والخلل ِ ، ليُبرهنَ على ضعفِ الإنسان ِ وقلّةِ حيلتهِ ، وأنّهُ لو أرادَ شيئاً فلا يُمكنهُ ذلكَ دونَ توفيق ِ اللهِ وفضلهِ .

    وقد توقّفَ الزركليُّ في التراجم ِ إلى وفياتِ سنةِ 1396 هـ وهي سنة ُ وفاتهِ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد أتى في كتابهِ على أغلبِ التراجم ِ التي نُثرتْ وبُثّتْ في كُتبِ التأريخ ِ والرجال ِ ، وفاتهُ نزرٌ يسيرٌ لم يقفْ عليهِ لعدم ِ وجودِ مصادر ِ الترجمةِ بين يديهِ ، ومن أرادَ أن يستدركَ عليهِ فيما مضى فلنْ يجدَ مادّة ً كبيرة ً ، أو فوتاً كثيراً ، بل هو يسيرٌ ويسيرٌ جدّاً ، وإنّما الشأنُ في إتمام ِ الإعلام ِ ، وإلحاق ِ من توفّيَ بعدَ موتِ مؤلّفهِ ، من عام ِ 1396 هـ إلى ما بعدهُ من السنواتِ .

    وقد قامَ بهذا مجموعة ٌ من الباحثينَ ، سأذكرُ كتبهم على وجهِ الاختصار ِ ، مع بعض ِ النقدِ العاجل ِ بحسبِ قراءتي أو بحسبِ من وقفتُ لهُ على نقدٍ للكتابِ .

    فمن تلكَ الكُتبِ كتابُ : تتمّةِ الأعلام ِ ، من تأليفِ الباحثةِ الشهير ِ : محمّد خير رمضان يوسف ، وقد نشرَ كتابهُ في ثلاثةِ أجزاءٍ ، طُبعتْ في دار ِ ابن ِ حزم ٍ ، وقد جمعَ فيهِ ما أمكنهُ الوقوفُ عليهِ من الوفياتِ إلى سنةِ 1416 هـ ، ومؤلّفُ الكتابُ رجلٌ معروفٌ بالجلدِ في البحثِ والتأليفِ ، وتحقيقاتهُ عالية ُ الكعبِ ، إلا أنّهُ في كتابهِ هذا لم يكنْ موفّقاً ، فالكتابُ أشبهُ بكتبِ المُطالعةِ من كتبِ التأريخ ِ ، ومنهجهُ مُخالفٌ تماماً لمنهج ِ الزركليِّ ، فقد جمعَ فيهِ المؤلّفُ ما يمكنهُ جمعهُ من التراجم ِ ، دونَ تحرير ٍ أو تنقيح ٍ ، وترجمَ فيهِ لكلِّ من وقعتْ عينهُ عليهِ من الوفياتِ في الجرائدِ أو المجلاّتِ ، حتّى لو كانَ أولئكَ من غير ِ المعروفينَ ، فلو أنّهُ جعلَ كتابهُ كتاباً مُستقلاً لكانَ أولى بهِ من أن يجعلهُ ذيلاً أو تتمّة ً على الأعلام ِ ، مع مُخالفتهِ لهُ في المضمون ِ والمنهج ِ .

    ومنها كتابُ : ذيل ِ الأعلام ِ ، من تأليفِ الأستاذِ : أحمدَ العلاونةِ ، ويقعُ في جزأين ِ اثنين ِ ومطبوعٌ في دار ِ المنارةِ بجدّة َ ، جمعَ فيهِ الوفياتِ من سنةِ وفاةِ الزركليِّ إلى سنةِ 1421 هـ وهو بهذا أوعبُ ممّا سبقهُ ، وهو جيّدٌ في بابهِ ، أجودُ من كتابِ الأستاذِ : محمد خير يوسف ، وفيه أغلاطٌ وأوهامٌ يسيرة ٌ ، ويقعُ في جزأين ِ ، وقد لحقهُ نقدٌ تصحيحٌ ونقدٌ من العلاّمةِ : محمودِ بن ِ محمّدٍ الطناحيِّ ، وهو موجودٌ بتمامهِ في مقالاتهِ 2 / 591 وعنوانُ المقالةِ : ذيلُ الأعلام ِ ومُغالبة ُ الهوى ، وكذلكَ قامَ الأستاذ ُ : محمد بن عبد اللهِ الرشيد بنقدهِ في عدّةِ مقالاتٍ نُشرتْ تِباعاً في جريدةِ الجزيرةِ .

    ومنها كتابُ : إتمام ِ الأعلام ِ ، من تأليفِ الدكتور ِ : نزار أباظة والشيخ ِ مُحمد رياض المالح ِ ، ويقعُ في مجلّدٍ واحدٍ من مطبوعاتِ دار ِ صادر ٍ ، وهذا الكتابُ من أشبهِ الكتبةِ الثلاثةِ بمنهج ِ الزركليِّ شكلاً ، أبعدها عنهُ جودة ً ، فهو كتابٌ مشوّشُ الترتيبِ جدّاً ، قليلُ الصور ِ ، كثيرُ الأخطاءِ ، وفيهِ قرمطة ٌ عجيبة ٌ لبعض ِ الشخصيّاتِ الكبيرةِ ، كما في ترجمةِ العلاّمةِ محمود شاكر .

    هذا خلاصة ُ الكلام ِ في كتابِ الأعلام ِ للزركليِّ – رحمهُ اللهُ تعالى – وقد بلغَ فيهِ الغاية َ ورُزقَ بهِ السعادة َ والخلودَ ، وللهِ درُّ التاج ِ السُبكيِّ إذ يقولُ : " وهكذا رأينا من لزمَ باباً من بابِ الخير ِ فُتحَ عليهِ غالباً منهُ " – طبقاتُ الشافعيّةِ 1/65 - ، والزركليُّ أحدُ هؤلاءِ الذين فرّغوا حياتهم وعمرهم لهدفٍ واحدٍ ، فجاءَ ثمرة ُ ذلكَ عملاً مُتقناً مُسدّداً ، وحتّى هذه الثغراتُ التي فيهِ ، أو الهفواتُ التي بدرتْ منهُ ، وتلكَ الأوهامُ التي وقعَ فيها ، لا تؤثّرُ في جودةِ الكِتابِ ، أو تغُضُّ من قدرهِ ، وحسبُ الزركليِّ نِجاحاً أن عُدتْ عيوبهُ وجُمعتْ ، وكفاهُ ذلك نُبلاً ونجاحاً .


    http://majles.alukah.net/showthread.php?220

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 1:00 am