ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    ميشيل فوكو..… الفيلسوف الذي كره المألوف

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ميشيل فوكو..… الفيلسوف الذي كره المألوف Empty ميشيل فوكو..… الفيلسوف الذي كره المألوف

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الإثنين أكتوبر 06, 2008 7:37 pm

    ميشيل فوكو..… الفيلسوف الذي كره المألوف


    توفي ميشل فوكو في العام 1985 وعمره لايتجاوز السابعة والخمسين، مات ميتة أشبه بفضيحة متأثراً بداء الايدز وهو في قمة ابداعه واثارته للجدل، مات والعالم يتوقع منه مفاجآت أخرى، واختراقات لحدود جديدة، تضيء دروباً غير مطروقة وتفتح مغاليق تابوات ممنوعة.

    عرف عن فوكو رفضه للنجومية، مفضلاً ان يبقى متعبداً في محراب العلم على ان تسلط عليه أضواء الشهرة الزائفة، ولذا ظل مجهولاً عند معاصريه، وهو من جهته، تجاهل محاولات تبسيط فكره، وكان يستمتع بملاحقة وجوه المعرفة الأخرى، ويرفض كل الحقائق الجاهزة مفضلاً البحث المضني من أجل الكشف عن الصحيح منتزعاً إياه مما هو خاطئ. وكان في هذا تلميذاً مخلصاً” لاستاذه “ نيتشه. حتى قال عنه نقاده إنه فضل الموت الذي يشبه الانسحاب.
    ولد ميشيل فوكو لاسرة بروجوازية محافظة، وكان أبوه طبيباً معروفاً، وقد حاولت عائلته ان تهذب طبع هذا الابن الساخر وتطيح روح النقد ونزعة التشكيك عنده فوضعته في مدرسة القديس ستانسلاس حيث درس حتى مرحلة البكلوريا. ومن هناك يصل انطباع زملائه عنه فيقولون إنه كان غريباً بنقده اللاذع وأفكاره المشكلة بكل شيء، فأعلن أنه من مريدي” ماركيز دي ساد “ وكان يسلي نفسه برسومات غويا المرعبة. ويقال أن أحد الاساتذة وجده يوماً مرمياً على الارض وجروح بشفرات حلاقة تمزق جسده العاري. كما إنه قام باكثر من محاولة انتحار. فهو برغم روح السخرية عنده لم يكن سعيداً.
    ويرى كتاب سيرته الذاتية إن سبب تعاسته هو شذوذه الجنسي الذي لم يكن يمارسه في الظل والذي جر عليه منبذاً اجتماعياً وشعوراً بالخزي، من جهة أخرى يرى هؤلاء ان فكرة الحدود الاجتماعية وانتهاكها وليس اشتهاء الجنس المماثل كانت هي المهيمنة عليه.
    وفي العام 1946 يدخل كلية المعلمين العليا ويقع تحت تأثير الحزب الشيوعي، لكنه يكون تأثيراً سرعان مايزول، على الرغم من أن الحزب كان في قمة ازدهاره في فرنسا التي تعيش ربيع تحريرها.
    ولم يكتف فوكو بذلك بل سجل في السوربون وفي معاهد تدرس علم النفس كما كان يحضر دروساً في مستشفى المجانين، مما جعله يعزم بعلم النفس ويتخصص بعلم النفس المرضي. وعن تلك المرحلة يذكر أحد زملائه إنه كان مأخوذاً بظاهرة الجنون وانه كان يعود من المستشفى بحكايات ونوادر، الامر الذي كان مصدراً رئيساً لكتابه الاول ا(لمرض العقلي وعلم النفس 1954).
    ثم يتحول فوكو في العام 1950 الى دراسة الفلسفة ويحضر دروس” التوسير “ الذي اعجب به كثيراً عندها. وبعد هذا راح يطلق العنان لعبقريته الجامحة. فيعين معيداً في جامعة ليل وهو يدرس في باريس في الوقت نفسه. فلمع نجمة وبدا واضحا إنه ذو مستقبل واعد حتى أطلق عليه رفاقه لقب” فوكس “ لانه الثعلب الماكر الذي يحفر أكثر الجحور عمقاً. وفي هذا الوقت كان يعتقد انه سيحظى بفرص أفضل خارج فرنسا فقبل منصب معيد في جامعة اوبسالا في السويد ظاناً إن المجتمع هناك أكثر انفتاحاً لكنه يقضي هناك ثلاث سنوات خانقة في عزلة انتج فيها أعظم كتبه” تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي ـ 1961 “ ثم انتقل الى المانيا ليشغل منصب مدير المعهد الفرنسي هناك، ثم الى بولونيا ليشغل المنصب نفسه، لكنه يجبر على مغادرة البلاد بعد ان اكتشفت الشرطة شذوذه الجنسي واوقعوا به في مكيدة ليغادر بفضيحة هزت مكانته الاجتماعية.
    ثم يسافر الى تونس في العام 1968 ليدرس في جامعاتها ويشهد وقائع الثورة الطلابية. وفي العام 1970 يرشح هذا الفيلسوف الخارق للعادة استاذاً في الكوليج دي فرانس التي حاضر فيها حتى وفاته وفي قاعة تغص بالبشر دائماً تحيطه العشرات من الميكروفونات والمسجلات.
    يقول فوكو عن نفسه” باختصار ، فانني لم أسر أبداً على أرصفة التاريخ بل في جداوله “.
    وكان أول التزاماته هو الالتزام تجاه نفسه فرفض كل جاهز ومقولب ومنغلق. وظل فضوله في اعلى درجات الاستنفار من أجل ان يضعنا على محك التساؤل وجرنا الى ادغال الحقيقة. ففلسفته هي فلسفة الاختراق والزحزحة والمتعة التي يجلبها كشف الحقيقة وهو الذي كان يقول:” أريد أن يجد الناس متعة في قراءتي.
    إنه قارئ كل غير مقروء، الباحث عن كل ماهو صغير ومتفرد من متمردين ومستبعدين ومقموعين وهم المقصيون عن المعنى النموذجي لكلمة تاريخ. وحاول أن يعيد الاعتبار لصورة المجنون المستبعد المحتقر الذي يمثل كل ماهو مطموس بالنسبة للعقلانية الغربية.
    وفي السبعينيات بدأ فوكو يقف الى جانب المسجونين، فيؤسس مع رفاقه له” حركة الاستعلامات عن السجون “ على أثر اضراب عن الطعام قام به المسجونون اليساريون. وعن هذه التجربة صدر كتابه” المراقبة والعقاب ـ 1975 “ الذي يرى فيه فوكو ان السجن ظاهرة اشكالية في العالم الحديث ويربط بينها وبين عالم الانغلاق والحجر والمراقبة. واخترع فوكو نوعاً من النزعة الانسانية وهي ليست النزعة النظرية والمجردة التي يرفضها فوكو. وراح بعدها يشارك في المظاهرات التي تقف الى جانب الانسان مع جان بول سارتر وايف مونتان وسيمون سنيوريه لصالح العمال المغاربة، والمتحررين جنسياً والمساجين. ولأن فلسفته تستمد جوهرها من تساؤلات الحاضر، يقول فوكو:
    إن الفلسفة اليوم هي سياسية مئة بالمئة، وتاريخية مئة بالمئة، إنها السياسة الملتصقة تماماً بالتاريخ، والتاريخ اللازم أبداً للسياسة فلقد اكتشف الغرب الاخر متجسداً في العالم الثالث في الوقت الذي اكتشف فيه ميشيل فوكو الاخر متجسداً في المجنون الذي يمثل مقلوب العقل الغربي أو وجهه الآخر.
    وقد يتسرع البعض ويصفه بالبنيوي، لأنه أعلن موت الانسان والانسانية، لكنه لايفوت مناسبة يطالب فيها بحقوق الانسان ـ ومع ان كل أعماله اتخذت من حقل التاريخ ميداناً لها، غير انه ينفي تأثره بالمنهجية التاريخية الكلية، وينفي امكانية وجود معنى وحيد التاريخ، إذ كانت فلسفته نقدية تتخذ شكل انطولوجيا الحاضر. وهو يرى أنه لاينبغي لنا الوقوع في اسطورة الاصول بل ان نعطي الاولوية للاكتشافات الفريدة بكل انقطاعاتها الدالة والموحية.
    في كتابه” الكلمات والاشياء “ يختم فوكو بالقول: إن الانسان سيتلاشى كما يتلاشى على شاطئ البحر وجه من الرمل الواضح انها عبارة نيتشويه، فالنزعة الاسمانية Nomonalism عند فوكو تعطي الامتياز للتشكيلات المعرفية الاستدلالية التي تقدم الكلمات على الاشياء والعبارات النصية بالقياس الى التشكيلات الاجتماعية تجد جذورها عند نيتشه. وهو مثل نيتشه ـ يجد أنه لم تعد هنا من عقلانية في فكر الانسان وسلوكه ، وليس من نظرة ساكنة، والواجب ان نبحث وراء القيم الاطلاقية المتمثلة بالواجب والاخلاق والخطيئة لنكتشف هذا العالم وطبقاته السفلية. وهنا نكتشف فوضى الحادث الطارئ ونكتشف المصادفة وتشتت نقاط القوة والضعف، وكل ذلك يهدم ما كان الغرب يعتبره أساس الانسانية. من هنا نفهم سر محاولة فوكو لتفتيت الذات والعقل الغربي من اجل القبض على وجهة الاخر عن طريق تفسير الاشياء ابتداءً من غيابها او انطلاقاً من الاشياء التي تبعدها وتقصيهاولذا لجأ الى فهم التاريخ عن طريق” منحرف “ … إن ميشيل فوكو يتموضع بالفعل داخل خط الفكر الوضعي، ولكن النقدي، الذي يؤدي بالنتيجة الى فكفكة التاريخ وتفتيته الى مجموعة هائلة من الوقائع والاحداث.
    ويجد دارسو فوكو أن للجسد موضعاً متميزاً في تفكير فوكو وفي معظم أعماله سواء كانت متعلقة بالمعرفة الطبية أو بعقلية العقاب او فيما يخص تاريخ الجنس فهو يقول:” إن الجسد هو السطح الذي ترتسم عليه الاحداث وهو محل انفصام الأنا “.
    والجسد ضد العقل، والرغبة ضد القانون او المعيار وتعددية الغرائز ضد الكون المقنن. من خلال هذا هدم المطلق ومفهوم التاريخ الكلي لمصلحة التبعثر ولعبة الانحرافات وانقسام وحدة الكائن الانساني، واعتبارالعواطف والمشاعر اشياء تاريخية متغيرة.
    فلا شيء ينبغي ان يفلت بعد اليوم من المراقبة والنظر. يقول فوكو:” إحدى مزايا التاريخ هو أنه لاخيار له.
    وأن عليه واجب أن يعرف كل شيء دون أن يضع سلم اولويات أو أي نوع من المراتب الهرمية “.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 1:04 am