في نوبة وحدة وطنية طلب أحمد عرابي من الخديوي توفيق أن يمنح بطرس غالي رتبة الباشاوية سنه1880.. فاستجاب له فصار ينادى ببطرس باشا غالى بعد أن كان بطرس هكذا – حاف – وصار أول مسيحي ينال الباشاوية ، هذا هو رئيس محكمة دنشواي وكان في ذلك الوقت قد عينوه وزيرا للحقانية – العدل – وكان معه على المنصة من المصريين احمد فتحي زغلول أخو سعد زغلول – الذي صار بعد ذلك زعيما للأمة – وكان رئيسا للمحكمة الابتدائية ومعهما ثلاثة من الإنجليز ، أما ما نسميهم الآن النيابة – ممثل الحكومة – فكان المحامى الشهير إبراهيم الهلباوي.
- وكانت هذه المحكمة مشكلة بموجب قانون غريب فرضه الاحتلال على مصر قبل سنوات للنظر في الجرائم التي يكون جنود الإحتلال طرفا فيها بحيث لا يلتزم القضاة فيها بأى قانون مكتوب ولا يسمح فيها بنقض ولا باستئناف يسمونه قانون "المحكمة المخصوصة " .
- أما المحامون فلم يكونوا على المستوى اللائق بمثل هذه القضية لا من الناحية الوطنية – ولا مؤاخذة – ولا من الناحية الفنية ، فقد وسد أمر الدفاع عن المتهمين إلى أحمد لطفى السيد – الذى أسموه بعد ذلك أستاذ الجيل – ومحمد يوسف و عثمان يوسف واسماعيل عاصم وهؤلاء الأربعة فقط هم الذين تكفلوا بالدفاع عن المتهمين الاثنين والخمسين .
- ورغم أن الجنود المجني عليهم لم يتعرفوا على أكثر المتهمين ، ورغم أن الطبيب الشرعي أكد أن الموت كان بسبب ضربة شمس وأن إصابة القتيل بريئة من دمه وحياته – جرى الضابط القتيل ثمانية كيلو مترات بإصابته هذه فى جو شهر يونيو القائظ - وبمثل هذا القول قال الطبيب الذى رافق القتيل ووقع الكشف عليه قبل وفاته وكلا الطبيبين كانا إنجليزيين ، ورغم أن الجنود قتلوا رجلا مسكينا لا ذنب له – سيد أحمد سعيد – ولم تحقق المحكمة فى مقتله ولم تلق له بالا ، ورغم أن الجنود أطلقوا النار على الأهالى فأحرقوا الجرن وأصابوا أربعة منهم امرأة – شهد بذلك الأمباشى المصاحب للجنود وقامت المحكمة بطرده وحكم عليه بالسجن سنتين والجلد نظير إصراره على شهادته - .
- ورغم أن الأهالي كان فى مكنتهم أن يفتكوا بهؤلاء الجنود وفد كانوا حشدا كبيرا ومعهم الحصى والحجارة ولكنهم لم يفعلوا .
- ورغم أن الإنجليز كانوا قد اعتادوا من قبل الذهاب إلى دنشواى لصيد الحمام وكانوا يستقبلون أفضل إستقبال .
- رغم كل ذلك إلا أن ممثل الإتهام – الهلباوى – أصر على أن الحادث كان مرتبا له من قبل – سبق الاصرار والترصد – وان للحادث زعماء وعامة وان القتل كان عمدا وان الوفاة كانت بسبب تلك الإصابة لوجود ما وصفه بالسببية باعتبارها ساعدت ضربة الشمس فى إحداث الوفاة .
- بل والأعجب أن الهلباوى ذهب إلى أن الشريعة الإسلامية – أى والله قال الشريعة – تحكم على أمثالهم بالقتل لوجود العمدية واستمر فى مرافعته أربع ساعات كاملة يناقش شهادة الشهود ويفند تقرير الطبيب الشرعى ويردد هذا الهراء مطالبا المحكمة بالحكم بأشد الأحكام على المتهمين ومنها الإعدام .
- أما السادة المحامون المنوط بهم الدفاع فكانوا كما قلنا مجرد – سد خانة – فقد كانوا أضعف وأتفه من أن يتصدوا لمثل هذه القضية الخطيرة لا من ناحيتها الوطنية ولا من ناحيتها الفنية فقد أقاموا دفاعهم على أنهم ارتكبوا الجريمة فعلا مع إنتفاء الإصرار والترصد وإنما – كما قالوا – الظروف السيئة هى التى دفعتهم لذلك فقد كان ضعف بصيرتهم وضحالة ثقافتهم هى التى أوقعتهم فى هذه الجريمة نتيجة عدم إحسانهم للتصرف تجاه ما حدث .. وقالوا كلاما كثيرا فى هذا المعنى وانتهوا إلى أن فوضوا أمرهم للمحكمة وطالبوها باستعمال الرأفة معهم باعتبارهم مذنبين .
- والحقيقة أن الدفاع كان أقرب لإلصاق التهمة بهم وليس إلى نفيها .
- وهكذا انعقدت جلسة المحكمة بعد أربعة عشر يوما من الحدث هى فترة التعرف على المتهمين والتحقيق معهم والمحاكمة بكل اجراءاتها –استغرقت المحاكمة ثلاثة أيام مرة واحدة سمعوا فيها الشهود وترافع كل من الاتهام والدفاع .. ودرست المحكمة القضية - لتصدر المحكمة بعد ذلك حكمها بإدانة المتهمين واصفة إياهم بأنهم " لم يتركوا بعملهم الفظيع هذا محلا ً للشفقة " وكانت الأحكام بالإعدام لأربعة " حسن محفوظ .. ويوسف حسين .. والسيد عيسى .. ومحمد درويش زهران " على أن يتم الإعدام شنقاً فى قرية دنشواى وأمام أهلها .
- وبالأشغال الشاقة المؤبدة على اثنين أحدهما محمد عبد النبى زوج أم محمد التى أصابها الطلق النارى .. ثم بالأشغال خمس عشرة سنه على واحد .. وبالأشغال سبع سنوات على ستة .. ثم بالسجن مع الشغل سنة واحدة على ثلاثة .. وقضت بجلد خمسة من المتهمين لكل منهم خمسين جلدة وبراءة الباقين .
- وفى اليوم التالى مباشرة نصبت المشنقة فى دنشواى فى نفس مكان الحادث وإلى جوارها نصبت العروسة – آلة الجلد – ونصبت ثلاث خيام واحدة للمغسل المكلف بتجهيز الموتى .. وواحدة للمجلودين .. وواحدة للمشنوقين .
- وجئ بهم فى أغلالهم ووسط حراسة مدججة بالسلاح .. وعلى مرأى من أهالى دنشواى – الذين حشدوهم لمشاهدة هذا المنظر البشع – ووضعوهم فى الخيام .. ثم وفى نفس الساعة والدقيقة التى وقعت فيها الحادثة تقدم حسن محفوظ إلى المشنقة – وكان بيته على بعد خمسين مترا ً من المشنقة – وكان أبناؤه وأحفاده ونساؤه يقفون على سطح المنزل ليشهدوا شنق كبير عائلتهم الذى كان قد شارف على السبعين .
- ويذكر شهود العيان أنه تقدم إلى المشنقة بثبات .. وأنه اعتدل قبل التنفيذ ليلقى نظرة على أهل القرية المحتشدين .. فضج الناس بالعويل فرفع يده إلى السماء واستنزل اللعنات على عمدة القرية وبعض مشايخها .
- ثم وفى انتطار سكون جسد المشنوق تم تنفيذ حكم الجلد فى اثنين من المجلودين .. ثم سار التنفيذ على هذا النمط شنق واحد وجلد اثنين حيث تبعه درويش الذى كان كما قالوا ضجرا .. وطلب من الجلادين أن يعجلوا التنفيذ .. وقد نجا رجل واحد من الجلد إذ أصابته نوبات متكررة من الصرع جعلت شنق درويش لم يتبعه جلد أحد ، وهكذا نجا سيد سليمان خير الله من الجلد .
- واستكمالا ً لهذا المشهد البشع يذكر الكاتب الساخرالشهير جورج برنارد شو كيف أن السير ادوارد جراى وزير الخارجية وقف فى مجلس العموم البريطانى – بعد أن تلقى البرقية حول الأحكام – ليهيب بالمجلس فى تأثر ألا ينتقدوا هذه الأحكام اويستنكروها على أساس أن عبد النبى ومحفوظ ودرويش والباقين كانوا طليعة مؤامرة إسلامية هائلة – كذا – أعدت ضد العالم المسيحى باسم النبى محمد لطرد المسيحيين من أسيا وأفريقيا .
- وهكذا كوفئ بطرس باشا بتعيينه بعد ذلك رئيسا للنظار .. أما فتحي زغلول فكوفئ بتعيينه وكيلا ً لوزارة الحقانية – وكان يحلم بالوزارة ولكنه لم ينلها ، أما الهلباوى فأعطى أجره 300 جنيها، ولكن القصة لم تنته بعد .. ولا زال هناك بصيص من النور بعد هذه الموجة المظلمة .. موعده المقال القادم إن شاء الله.
- وكانت هذه المحكمة مشكلة بموجب قانون غريب فرضه الاحتلال على مصر قبل سنوات للنظر في الجرائم التي يكون جنود الإحتلال طرفا فيها بحيث لا يلتزم القضاة فيها بأى قانون مكتوب ولا يسمح فيها بنقض ولا باستئناف يسمونه قانون "المحكمة المخصوصة " .
- أما المحامون فلم يكونوا على المستوى اللائق بمثل هذه القضية لا من الناحية الوطنية – ولا مؤاخذة – ولا من الناحية الفنية ، فقد وسد أمر الدفاع عن المتهمين إلى أحمد لطفى السيد – الذى أسموه بعد ذلك أستاذ الجيل – ومحمد يوسف و عثمان يوسف واسماعيل عاصم وهؤلاء الأربعة فقط هم الذين تكفلوا بالدفاع عن المتهمين الاثنين والخمسين .
- ورغم أن الجنود المجني عليهم لم يتعرفوا على أكثر المتهمين ، ورغم أن الطبيب الشرعي أكد أن الموت كان بسبب ضربة شمس وأن إصابة القتيل بريئة من دمه وحياته – جرى الضابط القتيل ثمانية كيلو مترات بإصابته هذه فى جو شهر يونيو القائظ - وبمثل هذا القول قال الطبيب الذى رافق القتيل ووقع الكشف عليه قبل وفاته وكلا الطبيبين كانا إنجليزيين ، ورغم أن الجنود قتلوا رجلا مسكينا لا ذنب له – سيد أحمد سعيد – ولم تحقق المحكمة فى مقتله ولم تلق له بالا ، ورغم أن الجنود أطلقوا النار على الأهالى فأحرقوا الجرن وأصابوا أربعة منهم امرأة – شهد بذلك الأمباشى المصاحب للجنود وقامت المحكمة بطرده وحكم عليه بالسجن سنتين والجلد نظير إصراره على شهادته - .
- ورغم أن الأهالي كان فى مكنتهم أن يفتكوا بهؤلاء الجنود وفد كانوا حشدا كبيرا ومعهم الحصى والحجارة ولكنهم لم يفعلوا .
- ورغم أن الإنجليز كانوا قد اعتادوا من قبل الذهاب إلى دنشواى لصيد الحمام وكانوا يستقبلون أفضل إستقبال .
- رغم كل ذلك إلا أن ممثل الإتهام – الهلباوى – أصر على أن الحادث كان مرتبا له من قبل – سبق الاصرار والترصد – وان للحادث زعماء وعامة وان القتل كان عمدا وان الوفاة كانت بسبب تلك الإصابة لوجود ما وصفه بالسببية باعتبارها ساعدت ضربة الشمس فى إحداث الوفاة .
- بل والأعجب أن الهلباوى ذهب إلى أن الشريعة الإسلامية – أى والله قال الشريعة – تحكم على أمثالهم بالقتل لوجود العمدية واستمر فى مرافعته أربع ساعات كاملة يناقش شهادة الشهود ويفند تقرير الطبيب الشرعى ويردد هذا الهراء مطالبا المحكمة بالحكم بأشد الأحكام على المتهمين ومنها الإعدام .
- أما السادة المحامون المنوط بهم الدفاع فكانوا كما قلنا مجرد – سد خانة – فقد كانوا أضعف وأتفه من أن يتصدوا لمثل هذه القضية الخطيرة لا من ناحيتها الوطنية ولا من ناحيتها الفنية فقد أقاموا دفاعهم على أنهم ارتكبوا الجريمة فعلا مع إنتفاء الإصرار والترصد وإنما – كما قالوا – الظروف السيئة هى التى دفعتهم لذلك فقد كان ضعف بصيرتهم وضحالة ثقافتهم هى التى أوقعتهم فى هذه الجريمة نتيجة عدم إحسانهم للتصرف تجاه ما حدث .. وقالوا كلاما كثيرا فى هذا المعنى وانتهوا إلى أن فوضوا أمرهم للمحكمة وطالبوها باستعمال الرأفة معهم باعتبارهم مذنبين .
- والحقيقة أن الدفاع كان أقرب لإلصاق التهمة بهم وليس إلى نفيها .
- وهكذا انعقدت جلسة المحكمة بعد أربعة عشر يوما من الحدث هى فترة التعرف على المتهمين والتحقيق معهم والمحاكمة بكل اجراءاتها –استغرقت المحاكمة ثلاثة أيام مرة واحدة سمعوا فيها الشهود وترافع كل من الاتهام والدفاع .. ودرست المحكمة القضية - لتصدر المحكمة بعد ذلك حكمها بإدانة المتهمين واصفة إياهم بأنهم " لم يتركوا بعملهم الفظيع هذا محلا ً للشفقة " وكانت الأحكام بالإعدام لأربعة " حسن محفوظ .. ويوسف حسين .. والسيد عيسى .. ومحمد درويش زهران " على أن يتم الإعدام شنقاً فى قرية دنشواى وأمام أهلها .
- وبالأشغال الشاقة المؤبدة على اثنين أحدهما محمد عبد النبى زوج أم محمد التى أصابها الطلق النارى .. ثم بالأشغال خمس عشرة سنه على واحد .. وبالأشغال سبع سنوات على ستة .. ثم بالسجن مع الشغل سنة واحدة على ثلاثة .. وقضت بجلد خمسة من المتهمين لكل منهم خمسين جلدة وبراءة الباقين .
- وفى اليوم التالى مباشرة نصبت المشنقة فى دنشواى فى نفس مكان الحادث وإلى جوارها نصبت العروسة – آلة الجلد – ونصبت ثلاث خيام واحدة للمغسل المكلف بتجهيز الموتى .. وواحدة للمجلودين .. وواحدة للمشنوقين .
- وجئ بهم فى أغلالهم ووسط حراسة مدججة بالسلاح .. وعلى مرأى من أهالى دنشواى – الذين حشدوهم لمشاهدة هذا المنظر البشع – ووضعوهم فى الخيام .. ثم وفى نفس الساعة والدقيقة التى وقعت فيها الحادثة تقدم حسن محفوظ إلى المشنقة – وكان بيته على بعد خمسين مترا ً من المشنقة – وكان أبناؤه وأحفاده ونساؤه يقفون على سطح المنزل ليشهدوا شنق كبير عائلتهم الذى كان قد شارف على السبعين .
- ويذكر شهود العيان أنه تقدم إلى المشنقة بثبات .. وأنه اعتدل قبل التنفيذ ليلقى نظرة على أهل القرية المحتشدين .. فضج الناس بالعويل فرفع يده إلى السماء واستنزل اللعنات على عمدة القرية وبعض مشايخها .
- ثم وفى انتطار سكون جسد المشنوق تم تنفيذ حكم الجلد فى اثنين من المجلودين .. ثم سار التنفيذ على هذا النمط شنق واحد وجلد اثنين حيث تبعه درويش الذى كان كما قالوا ضجرا .. وطلب من الجلادين أن يعجلوا التنفيذ .. وقد نجا رجل واحد من الجلد إذ أصابته نوبات متكررة من الصرع جعلت شنق درويش لم يتبعه جلد أحد ، وهكذا نجا سيد سليمان خير الله من الجلد .
- واستكمالا ً لهذا المشهد البشع يذكر الكاتب الساخرالشهير جورج برنارد شو كيف أن السير ادوارد جراى وزير الخارجية وقف فى مجلس العموم البريطانى – بعد أن تلقى البرقية حول الأحكام – ليهيب بالمجلس فى تأثر ألا ينتقدوا هذه الأحكام اويستنكروها على أساس أن عبد النبى ومحفوظ ودرويش والباقين كانوا طليعة مؤامرة إسلامية هائلة – كذا – أعدت ضد العالم المسيحى باسم النبى محمد لطرد المسيحيين من أسيا وأفريقيا .
- وهكذا كوفئ بطرس باشا بتعيينه بعد ذلك رئيسا للنظار .. أما فتحي زغلول فكوفئ بتعيينه وكيلا ً لوزارة الحقانية – وكان يحلم بالوزارة ولكنه لم ينلها ، أما الهلباوى فأعطى أجره 300 جنيها، ولكن القصة لم تنته بعد .. ولا زال هناك بصيص من النور بعد هذه الموجة المظلمة .. موعده المقال القادم إن شاء الله.