من قصص الفايكنغ في بلاد الأندلس
للأستاذ طارق الحمودي
بسم الله الرحمن الرحيم
للأستاذ طارق الحمودي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فإن الفايـــْكـِنْغ شعب من شعوب أوربا الشمالية القديمة, وبالتحديد المنطقة الإسكاندنافية حاليا(الدانمارك, والسويد والنرويج) .وهم شعب قديم عرف بهمجيته وشغفه بالحرب والتدمير وتقديسه لهما- إلى درجة أن جعلوا أكبر آلهتهم (أوطان) إله الحرب والحكمة!, ووفقا لأساطيرهم فإن لهذا الإله ابنا هو طور وهو إله الرعد.وله مطرقة حديدية ترمز للقوة والعنف.ومن اعتقاداتهم أن المقتول منهم في الحرب تأخذ روحه المحاربات الإسكندنافيات الممتطيات الأحصنة البيضاء الطائرة (الفالكيري) إلى الجنة وتسمى عندهم (الوالهالا) أو (الفالهالا) وهو قصر الإله (أوطان) الملك والذي يحظون عنده بشرف قتال أعدائه معه! وقد عرف عنهم الشدة في القتال والبأس في النزال,وقد كانوا يعتقدون أنهم مختارون من الآلهة لقتال الآخرين ,ولم يعرف عنهم انهزام إلا في معارك نادرة جدا.وقد بحث علماء التاريخ والحفريات والأنثربولوجيا عن أسباب تمكنهم من هزيمة أعدائهم. فتضاربت النظريات.وقد عرفت عنهم غزوات بحيرة كثيرة في أوروبا شرقها وغربها, شمالها وجنوبها, وكانوا يستغلون الأنهار للولوج إلى الأراضي الوسطى في أوروبا.وكانت أول ضربت لهم يوم السبت 2 يونيو سنة (793 م) على دير لينسفارن في بريطانيا.فذبحو الرهبان وأخذوا كنز الدير .
والذي لفت نظري في تاريخ الأندلس أن جيشا أوروبيا من رجال الشمال هاجم إشبيلية عبر نهرها المعروف بالنهر الكبير الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط.وذكرت المصادر الغربية أنهم أرادوا الوصول إلى إشبيلية عبر نهرها سنة (807 م) وكانوا من من الفايكنغ.فيئسوا إلى أن جاءت سنة ( 230 هـ) - الموافق لسنة (812 م) وفق بعض المصادر الغربية – فقد ذكر أبو بكر ابن القوطية في كتابه (تاريخ افتتاح الأندلس/ص78إلى 82) أنه في سنة (230 هـ) تغلب المجوس - (الفايكنغ) - على إشبيلية في عهد عبد الرحمن بن الحكم الأموي.فأخلى أهل إشبيلية إشبيلية , ولم يقاتل منهم أحد.فاستنجدوا بأهل قرطبة وما جورها , وقد كان المجوس تغلبوا على بساط لشبونة في أقصى غرب الأندلس فاستنفر الناس.وقارعهم المسلمون فلك يردوهم وكانوا عشرات الآلاف .ومما أوقعوه من الأذى في إشبيلية أنهم دخلوا المسجد الجامع واحرقوا سقفه. وأمر عبد الرحمن ببناء أسطول بحري على ميناء إشبيلية - كما في بعض المصادر الغربية - فقاتل المجوس وردهم فهربوا ودخلوا مراكبهم, وافتدوا منهم الأسرى بالطعام والشراب وانصرفوا . وكانت هذه الواقعة سببا في بناء عبد الرحمن بن الحكم سور إشبيلية.
وقد وجدت بعض المصادر تسمي هؤلاء المجوس (الأردمانيين).
فقد قال أبو سعيد المغربي في المغرب (1/49): (وفي سنة تسع وعشرين (229) ظهرت مراكب الأردمانيين المجوس بسواحل غرب الأندلس, ويوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من محرم سنة ثلاثين ومائتين, حلت على إشبيلة وهي عورة, فدخولها واستباحوها سبعة أيام إلى أن جاء نصر الخصي, وهزم عنها النصارى المعروفين بالمجوس, وعاث في مراكبهم. وفي ذلك يقول عثمان بن المثنى:
يقولون: إن الأردمانين أقبلوا فقلت: إذا جاءوا بعثنا لهم نصرا
وبعد هذا بنى سور إشبيلية بإشارة عبد الملك بن حبيب), وفيه أن بناء السور كان بمشورة عبد الملك بن حبيب.وأن قائد الجيش كان اسمه (زيد الخصي) وهو أبو الفتح نصر الخصي قال فيه ابن حيان – حيان بن خلف أبو مروان ,المتوفى سنة تسع وستين وأربع مئة - في المقتبس( في أحداث سنة ست وثلاثيت ومائتين) : (خليفة الأمير عبد الرحمن بن الحكم، المقدم على جميع خاصته، المدبر لأمر داره، المشارك لأكابر وزرائه في تصريف ملكه). وعثمان بن المثنى هو أبو عبد الملك القيسي القرطبي اللغوي الشاعر,مؤدب أولاد عبد الرحمن بن الحكم.
ولم أستطع الظفر بما ذكره ابن حيان في هذه الواقعة بسبب أن المطبوع يبدأ من أحداث سنة اثنتين وثلاثين ومائتين! لكن نقل عنه ما أردته الذهبي كما سيأتي.
وقال المقري في نفح الطيب (1/345 و346): (أرسل إليهم عبد الرحمن العساكر فهزموهم بعد مقام صعب ثم جاءت العساكر مددا من قرطبة فقاتلهم المجوس فهزمهم المسلمون وغنموا بعض مراكبهم وأحرقوها )
وانظر أيضا الكامل في التاريخ لابن الأثير (6/83و84) .
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (17/7): (نقل أبو مروان بن حيان في (تاريخ الأندلس) واقعة غريبة فقال ورد مجوس يقال لهم الأردمانيون إلي ساحل الأندلس الغربي في أيام الأمير عبد الرحمن فوصلوا إشبيلية وهي بغير سور ولا بها عسكر فقاتلهم أهلها ثم انهزموا فدخل المجوس إشبيلية وسبوا الذرية ونهبوا فأرسل عبد الرحمن عسكراً فكسروهم واستنقذوا الأموال والذرية وأسروا منهم أربعة آلاف وأخذوا لهم ثلاثين مركباً)
وفيه أنهم أحرقوا لهم ثلاثين مركبا وأسروا أربعة آلاف.
وقال في سير أعلام النبلاء (8/261): (فلما كانت سنة ثلاثين ومئتين طرق المجوس الأردمانيون إشبيلية في ثمانين مركبا في الوادي فصادفوا أهلها على غرارة بمطالة أمد الأمان لهم مع قلة خبرتهم بحربهم فطلعوا من المراكب وقد لاح لهم خور من أهلها فقاتلوهم وقووا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم وملكوا إشبيلية بعد القتل الذريع في أهلها حتى في النساء والبهائم وأقاموا بها سبعة أيام فورد الخبر على الخليفة عبد الرحمن بن الحكم فاستنفر جيشه وبعث بهم إلى إشبيلية فحلوا بالشرق ووقع القتال واشتد الخطب وانتصر المسلمون واستحر القتل بالملاعين حتى فنى جمع الكفرة لعنهم الله وحرق المسلمون ثلاثين مركبا من مراكبهم فكان بين دخولهم إلى إشبيلية وهروبهم عنها ثلاثة وأربعون يوما وهذا كان السبب في بناء سور واديها)
وقال (10/312و313): ( سنة إحدى وثلاثين ,وفيها جاء المجوس الأردمانيون في مراكب من ساحل البحر الأعظم,فدخلوا إشبيلية بالسيف ولم يكن لها سور بعد فجهز لحربهم أمير الأندلس عبد الرحمن المرواني جيشا فالتقوا فانهزم الأردمانيون وأسر متهم أربعة آلاف ولله الحمد )
وأما عن تسميتهم أردمانيين. فقد علق محقق سير أعلام النبلاء في الحاشية على الكلمة تبعا لإحسان عباس في تعليقه على نفح الطيب : (هم النورمان، كانوا يغيرون على الأندلس من المنافذ النهرية، وسماهم المسلمون المجوس لأنهم كانوا يشعلون النيران كثيرا، فظن المسلمون أنهم يعبدونها). و النورمان – وهي كلمة إنجليزية معناها: رجال الشمال - أصلهم الفايكنغ الذين استقروا بشمال فرنسا .
المرة الثانية
ثم وجدتهم عاودوا الكرة في سنة (244 هـ) أو( 245 هـ) الموافق لسنة (844 م) وفق المصادر الغربية في عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الأموي.
قال ابن القوطية في تاريخ افتتاح الأندلس (ص83): (فلما قدموا القدمة الثانية سنة أربع وأربعين ومائتين,في أيام الأمير محمد, تلاقوا في مدخل نهر إشبيلية في البحر, فهزموا , فحرقت مراكبهم , فنصرفوا)
وقال المقري في نفح الطيب (1/350و351): (وفي سنة خمس وأربعين ظهرت مراكب المجوس فلقيهم مراكب الأمير محمد فقاتلوهم وغنموا منهم مركبين واستشهد جماعة من المسلمين)
ونقل عنه ذلك ابن خلدون في تاريخه (4/167) : وتذكر المصادر الغربية أنهم أتوا في ثمانين سفينة.
المرة الثالثة
وعاودوا الدخول إلى الأندلس المسلمة للمرة الثالثة (350 هـ)
قال المقري في نفح الطيب (1/383و384): (وظهرت في هذه السنة – أي 350 هـ - مراكب المجوس في البحر الكبير وأفسدوا بسايط أحشبونة وناشبهم الناس القتال فرجعوا إلى مراكبهم ,وأخرج الحكم – أي الحكم التجيبي صاحب سرقسطة - القواد لاحتراس السواحل وأمر قائد البحر عبد الرحمن بن رماجس بتعجيل حركة الأسطول ثم وردت الأخبار بأن العساكر نالت منهم من كل جهة من السواحل)
وقد ورد ذكر الأردمانيين هؤلاء في قصة حادثة بربشتر.فقد سمى ابن بسام الذين دخلوها من النصارى سنة ست وخمسين وأربعمائة الأردمانيين.
فقال ابن بسام في الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (5/181): (المصيبة الفادحة في بربشتر ,وهو أن جيش الأردمانيين طنبوا عليها ووالوا حصرها وجدوا في قتالها طامعين فيها) وقصة بربشتر طويلة .ولعلها فصل من فصول قصة الفايكنغ في أرض الأندلس.وانظر أيضا الذخيرة (5/173إلى 179).
وأما عن وجه تسميتهم مجوسا فإن الفايكنغ كانوا مشهورين بإشعال النيران الكبيرة في حفلاتهم وأعيادهم ولربما نسبوا بسبب ذلك إلى المجوس كما قيل. ولا زالوا على تلك الطريقة, يشعلون النار في بعض أعيادهم التراثية.وقد ذكرت المصادر الغربية أنهم استطاعوا أخذ بعض السواحل المغربية الشمالية وجعلوها قواعد لهم ما بين سنة ( 859 م) و(862 م)
وأود الوقوف هنا مع مسألتين:
المسألة الأولى : أنهم كانوا معروفين بالشدة والبأس في قتالهم, إلى درجة أن قام الباحثون بالبحث في أسباب انتصاراتهم الأسطورية. وها قد رأيت كيف صدهم المسلمون ثلاث مرات وردوهم خائبين. ولن ينسوا هذا أبدا.وقد كانوا يتفوقون على خصومهم بسفنهم التي كان لها القدرة الكبيرة على المناورة بسبب شكلها وبنائها . وكان طول أكبر سفنهم يصل إلى نحو خمسة وعشرين مترا, وعرضها خمسة أمتار, يجذف بها ست عشرة جنديا من كل جهة.ولها أشرعة مربعة مصنوعة من صوف نوع سلالة قديمة من الشياه تسمى (سبيلشاور) صوفها بطبقتين عازل للماء,ومنها نموذج محفوظ بمتحف سفن الفايكنغ بمدينة (أوسلو) بالنرويج.ومع ذلك ردوا خائبين ثلاث مرات !
المسألة الثانية: أن الباحثين والمؤرخين الغربيين قسموا غزواتهم إلى ثلاثة أقسام:
غزوات النرويجيين, وكانت في إنجلترا وأسكتلندا ونواحيها.
غزوات السويديين, وكانت في شرق أوروبا.
غزوات الدانماركيين, وكانت في جنوب أوروبا وسواحل البحر الأبيض المتوسط, وهم الذي غزوا إشبيلية.
وغزواتهم مبينة في الخريطة المرفقة.
والذي أريد أن أشير إليه أن عداء الدانماركيين للإسلام قديم, وليست الصور الكاريكاتورية بغريبة عن همجيتهم وعداءهم.وقد كان للمسلمين معرفة بهؤلاء المجوس , وأصلهم ومكان سكناهم.فقد قال المقري في نفح الطيب (1/167): (بجهة الشمال جزائر السعادات وفيها من المدن والقرى ما لا يحصى ومنها يخرج قوم يقال لهم المجوس على دين النصارى أولها جزيرة برطانية وهي بوسط البحر المحيك بأقصى شمال الأندلس ولا جبال فيها ولا عيون وإنما يشربون من ماء المطر ويزرعون عليه.
وقال النويري في نهاية الأرب: (وفي هذا البحر من الجزائر العامرة جزيرة برطانية، وهي تحاذي جزيرة الأندلس، وأهلها صهب الشعور،زرق العيون.ومما يلي بلاد إفرانسية جزائر يعمرها خلق من الفرنج، لا ينقادون لبلد، ولا يدينون بدين.)
وأدق من هذا كله قول الحميري في الروض المعطار في خبر الأقطار (1/164): (برطانية,جزيرة توازي حد الأندلس الأقصى وهي مستطيلة من القبلة إلى الجوف طولها ثمانمائة ميل وعرضها مائة ويتصل حدها ببلد الصقالبة، وهي طيبة الهواء معتدلة الحر كثيرة الثمرات والخيرات وعند أهلها حكمة وفلسفة وبصر بحد المنطق، وهي من ممالك إفرنجة وبأيدي ملوكها، وبجوفي برطانية في البحر المحيط, الجزائر المعروفة بجزائر (أرطاوس) وهي ثلاث وثلاثون جزيرة, يسكن المجوس (الأردمانيون) في اثنتي عشرة منها, وباقيها خالية لفساد هوائها).
والحمد لله رب العالمين.