ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


2 مشترك

    وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    almazny 2
    almazny 2
    مشرف متميز
    مشرف متميز


    عدد الرسائل : 642
    الموقع : أرض الـــــلــــــه
    المزاج : الــحــمــد لــلـــه
    نقاط : 2611
    تاريخ التسجيل : 27/09/2008

    وفاة النبي صلى الله عليه وسلم Empty وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف almazny 2 الخميس نوفمبر 26, 2009 7:41 am

    شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكة المرض الذى نزل به في أواخر شهر صفر من السنة الحادية عشر للهجرة أو فى أول شهر ربيع الأول وكان مبدأ ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلي بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.

    قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وآرأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وآرأساه ولما ثقل عليه الوجع وهو فى بيت زوجه ميمونة رضي الله عنها دعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة فأذن له فخرج من عند ميمونة بين الفضل ابن العباس ولعلي بن أبى طالب عاصبا رأسه تخط قدماه على الأرض حتى دخل بيت عائشة رضي الله عنها.

    واشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلي الناس فأعهد إليهم، قالت عائشة فأقعدناه فى مخضب (إناء يغتسل فيه) لحفصة بنت عمر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول: حسبكم حسبكم وعندما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الآلام قد خفت قليلاً خرج عاصباً رأسه إلى المسجد حتى جلس علي المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم ثم قال إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا يا رسول الله فتعجب الناس من بكاء أبى بكر وكلامه ولم يعرفوا مغزاه إلا بعد ذلك.

    ثم أثنى الرسول علي أبى بكر فقال: إنى لا أعلم أحداً كان أفضل فى الصحبة عندى يداً منه ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صحبة وإخاء وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه ويقدم لهم النصائح الغالية ويرسم لهم معالم الطريق وأسباب النجاة التي ينبغى أن يتمسكوا بها: أما بعد أيها الناس. فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه.

    ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني ألا وإن أحبكم إلا من أخذ مني حقاً إن كان له أو أحلني منه فلقيت الله وأنا طيب النفس وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مراراً.

    ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها فقام رجل فقال يا رسول الله: إن لى عندك ثلاثة دراهم.
    فقال: أعطه يا فضل بن العباس
    ثم قال النبي: أيها الناس من كان عنده شئ فليؤده ولا يقل: فضوح الدنيا ألا وأن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة
    فقام رجل فقال: يا رسول الله عندى ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله
    قال: ولم غللتها؟
    قال: كنت إليها محتاجا
    قال: خذها منه يا فضل
    ثم قال: أيها الناس من خشى من نفسه شيئا فليقم أدع له
    فقام رجل فقال: يا رسول الله إنى لكذاب، إني لفاحش، إني لنؤوم
    فقال النبي: اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه النوم إذا أراد

    ثم قال رجل فقال: والله يا رسول الله إني لكذاب وإني لمنافق وما من شئ إلا قد جنيته
    فقام عمر بن الخطاب فقال له فضحت نفسك أيها الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة: اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصير أمره إلى خير.

    ثم أوصى بالأنصار خيرا فقال كما ذكر عبد الله بن كعب بن مالك: "يا معشر المهاجرين استوصوا بالأنصار خيراً فإن الناس يزيدون وإن الأنصار علي هيئتها لا تزيد وأنهم كانوا عيبتي (مكمن سره) التي أويت إليها فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على المنبر ودخل بيت عائشة.

    وفي يوم من أيام مرضه أوصى المسلمين أن يجيزوا وفد أسامة بن زيد وألا يتركوا فى جزيرة العرب دينين وقال (أخرجوا منها المشركين) وزادت وطأة المرض علي رسول الله حتى لقد تأذت فاطمة ابنته من شدة ما يلقى فقالت: وأكرب أبتاه
    فقال: ليس علي أبيك كرب بعد اليوم.

    وأغمي عليه مرة فلده أهله فلما أفاق كره ذلك منهم وكان إلى جواره قدح فيه ماء يغمس فيه يده ثم يمسح وجهه بالماء ويقول:اللهم أعنى على سكرة الموت.

    أبو بكر يصلى بالناس
    قالت عائشة: لما استعذر برسول الله صلى الله عليه وسلم قال مروا أبا بكر فليصل بالناس
    فقالت عائشة: يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ضعيف الصوت كثير البكاء إذا قرأ القرآن
    فقال: مروه فليصل بالناس
    قالت: فعدت بمثل قولى
    فقال الرسول: إنكن صواحب يوسف فمروه فليصل بالناس
    قالت: فوالله ما أقول ذلك إلا أنى كنت أحب أن يصرف ذلك عن أبى بكر وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا، وأن الناس سيتشاءمون به فى كل حدث كان فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبى بكر.

    وصلى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة كما ذكر الوافدي، وذكر عكرمة انه صلى بهم ثلاثة أيام وهذه الأيام التي تخلف فيها النبي عن إمامة الصلاة كانت من أشد الأيام ثقلاً عليه.

    اليوم الذى قبض فيه الرسول

    وظل أبو بكر يصلى بالمسلمين حتى إذا كان يوم الاثنين الذى قبض الله فيه رسوله خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه وهم يصلون الصبح فلما رآه المسلمون أفسحوا له مكانا فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله ظهره وقال: صل بالناس وجلس رسول الله إلى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس فكلمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول:

    أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإنى والله ما تمسكون علي بشئ، إنى لم أحل إلا ما أحل القرآن، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن فلما فرغ رسول الله من كلامه

    قال له أبو بكر: يا نبي الله إنى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب، واليوم يوم بنت خارجة أفأتها؟
    قال: نعم

    ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلي أهله بالسخ (من ضواحى المدينة) وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول الله قد أفاق من وجعه.

    وهكذا ظل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اللحظة الأخيرة من حياته حريصا علي نصح أمته معلم القلب بشئونها موضحا لها طريق الإسلام ومعالمه محذرا لها من كل انحراف أو ضلال.

    قالت عائشة رضى الله عنها: وعاد رسول الله من المسجد فاضطجع في حجرى ودخل علي رجل من آل أبي بكر وفى يده سواك أخضر فنظر رسول الله إليه فى يده نظرا عرفت أنه يريده.. فأخذته منه فمضخته حتى لينته ثم أعطيته إياه، فاستن به كأشد ما رأيته يستن قط ثم وضعه، ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجرى فذهبت أنظر إلى وجهه فإذا بصره قد شخص وهو يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة فقلت: خيرت فاخترت والذى بعثك بالحق.

    وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشر للهجرة على أرجح الأقوال.

    وهكذا فارق الرسول العظيم دنياه ولحق بمولاه بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد فى الله حق جهاده، وخلق من الشعب العربي شعباً جديداً كان له أعظم الأثر فى تغير وجه التاريخ الإنسانى.

    وقد نزلت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة كالصاعقة، فأصيبوا بذهول شديد هز كيانهم وحجب عنهم إدراك هذه الحقيقة القاسية. حقيقة أن الحياة مهما طالت لابد لها من نهاية وأن العمر مهما امتد فلابد من الموت وأن بني البشر مع هذه الحقيقة سواء.

    قال تعالى لرسوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}... سورة الزمر - آية 30 ولنا أن نتصور مبلغ الأسى واللوعة التى شملت المسلمين في هذا اليوم الحزين حتى أنهم لا يدرون ماذا يفعلون، ومن ذلك ما صنعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى هذا اليوم وهو المعروف بقوته وشجاعته وثباته.

    فقد أنكر على من قال: مات رسول الله وخرج إلى المسجد وخطب الناس وقال "إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفى وإن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات.

    وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجل الساعة حقا فقد أقبل من منزله حين بلغه الخبر حتى نزل على باب المسجد وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شئ حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة وهو مسجى (مغطى ببرد) فكشف عن وجهه الكريم فقبله ثم قال: بأبى أنت وأمى أما الموته التى كتب الله عليك فقد ذقتها ثم لن يصيبك بعدها موت أبداً ورد البرد علي وجهه صلى الله عليه وسلم ثم خرج وعمر ما زال يكلم الناس فقال: على رسلك يا عمر فأنصت لكن عمر ظل مهتاجا مندفعا في كلامه فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت) ثم تلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}... سورة ال العمران - آية 144.

    يقول من شهد هذا الموقف: والله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ وأخذها الناس عن أبى بكر فإنما هى في أفواههم ويقول عمر عن نفسه حينئذ: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت (تحيرت ودهشت) حتى وقعت إلى الأرض وما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.

    وهكذا عاد المسلمون إلى رشدهم وسلوا بقضاء الله الذى لا مرد له، واستطاع الرجال الكبار الذين رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليتحملوا الأمانة من بعده أن يواجهوا الموقف بثبات وحكمة فبايعوا أبا بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، وأقاموا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه واختلفوا في موضع دفنه أيدفن في مسجده؟ أم في بيته؟ فقال لهم أبو بكر الصديق إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض فرفع فراشه الذي قبض عليه وحفر تحته ودخل الناس أفواجا للصلاة عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان لا يؤم أحد أحداً.

    وبذلك بدأت حقبة جديدة في تاريخ الدولة الإسلامية هي ما نسميها بعصر (الخلفاء الراشدين) وقد استطاع هؤلاء الخلفاء الراشدون أن يحملوا الأمانة بعد نبيهم وأن يواصلوا الجهاد ضد أعداء الإسلام وأن يفتحوا أرض الله الواسعة لينشروا بين جنباتها كلمة التوحيد والهداية ولسوف يبقى دين الإسلام بمشيئة الله تعالي ما بقيت السموات والأرض ولسوف تستمر تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم التى قضى حياته فى سبيل نشرها والدعوة إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بنبينا وأن يجعله شفيعاً لنا يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون.
    نور الاسلام
    نور الاسلام
    قلم متميز ، هادف
    قلم متميز ، هادف


    عدد الرسائل : 131
    العمل/الترفيه : Interior designer for theater,television and Interior Design....In shaa Allah
    المزاج : راحة القلب بحب الله
    نقاط : 353
    تاريخ التسجيل : 30/09/2009

    وفاة النبي صلى الله عليه وسلم Empty رد: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف نور الاسلام السبت نوفمبر 28, 2009 7:01 am

    لا اله الا الله محمد رسول الله

    بارك الله لك اخى الكريم واكثر من امثالك موضوعك اكثر من راااااااااائع

    جزاك الله خير الخير سلمت وسلمت يمناك من كل سوء

    واسمح لى من خلال موضوعك القيم ان اضيف بعض الاضافات المتواضعة



    لا أعتقد أن رجلًا في التاريخ منذ نزول آدم إلى هذه الأرض،
    وإلى يوم القيامة،

    نال أو سينال حبًا وتقديرًا وإجلالًا، مثلما نال رسولنا الكريم
    محمد صلى الله

    عليه وسلم، ويكفي أن نفكر في هذه الكلمة البسيطة التي ألفنا سماعها،

    واعتدنا ذكرها، فلم نقدر لها قدرها الحقيقي، وقيمتها الأصلية، كلمة (

    رسول)، رسول
    من؟


    إنه رسول الله، الله عز وجل، الذي خلق السماوات والأرض وما
    بينهما، الذي

    خلق الشمس والقمر والنجوم والكواكب، الذي خلق الجبال والبحار
    والأنهار،

    الذي خلق الإنس والجان والملائكة، العزيز الذي لا يُغلب، الحكيم الذي
    تناهت

    حكمته، الحي القيوم الذي لا ينام، الله عز وجل، الرحيم بخلقه، الكريم،

    الحنان
    المنان.


    الله عز وجل أرسل إلى خلقه رسولًا يبلغهم رسالته، الله عز وجل
    في علوه

    وكبريائه وعظمته، أرسل إلى الخلق الضعيف البسيط القليل، أرسل إليهم

    رسولًا
    منهم، أيّ تشريف! وأيّ تعظيم! وأيّ تكريم!


    وإذا كان البشر قد كُرموا بإرسال الرسول إليهم، فكيف الذي
    اصطفاه الله من

    بلايين بلايين الخلق لكي يرسله إلى الناس برسالته؟

    رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صنعه الله على عينه، خلقه،
    ورباه،

    وعلمه، وأدبه، وحسن خلقه، وقوى حجته، وزكى سريرته، وطهر قلبه، وجمل
    صورته،
    وحببه في خلقه، وحبب الخلق جميعًا فيه، فلا يراه أحد إلا وأحبه، ولا

    يسمع به أحد
    إلا وأحبه، ولا يقرأ عنه أحد إلا وأحبه، رسول الله صلى الله عليه

    وسلم خير البشر،
    وأفضل الدعاة، وسيد المرسلين، وخاتم النبيين، هذا

    رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
    يُوّفى حقه في مجلدات ومجلدات، ولا في

    أعوام وأعوام، فقد وضع الله فيه خلاصة
    الفضائل البشرية، وكلما تعرضت

    لجانب من جوانب حياته صلى الله عليه وسلم حار عقلك،
    كيف كان على

    هذه الصورة البهية النقية؟

    ولا تملك إلا أن تقول: سبحانه الذي صوره فأحسن تصويره، وأدّبه
    فأحسن

    تأديبه، وعلّمه فأحسن تعليمه.

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على علو قدره، وسمو
    منزلته، يعيش

    وسط أصحابه، ويخالطهم، كان يُوَجّهم ويعلمهم، كان يتحمل الأذى معهم،


    ويجوع مع جوعهم ،أو أكثر، ويتعب مع تعبهم أو أشد، يهاجر كما يهاجرون،

    ويقاتل كما
    يقاتلون، ويحفر الخندق كما يحفرون، وكان صلى الله عليه وسلم

    يأكل مما يأكل منه
    الناس، ويشرب مما يشرب منه الناس، ويجلس على ما

    يجلس عليه الناس، لم تزده كثرة
    الأذى إلا صبرًا، ولم يزده إسراف الجاهلين

    إلا حلمًا، ما خير بين أمرين إلا اختار
    أيسرها، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا

    كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه قط،
    إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله

    بها، وكان أكثر الناس كرمًا، وأقواهم بأسًا،
    وأشدهم حياء، وكان يمنع الناس

    من القيام له، وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء،
    وتسير به الأَمَة في

    شوارع المدينة أينما شاءت، وكان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب
    شاته،

    وكان فوق هذا متصلًا بالسماء، متصلًا برب العالمين، يأتيه الوحي صباحا

    ومساء،
    يخبر الناس بما يريده ربهم منهم، يعدل لهم المسار، ويقوم لهم

    المناهج، ويفسر لهم ما
    شكل عليهم، ويوضح لهم ما خفي عنهم، اعتاد

    الصحابة على وجوده، فكان لا يعتزل عنهم
    أبدًا، يرونه في كل صلاة، وفي كل

    لقاء، وفي كل جمع، يشهد الجنازة، ويعود المرضى،
    ويدعو لهم، ويزور

    الصحابة في بيوتهم، ويزورونه في بيته، وأحبه الصحابة حبًا لم
    يحبوه قط لأحد

    غيره، قدموه على حب الولد والوالد، وعلى حب الزوج والعشيرة، وعلى حب


    المال والديار، بل قدموه على حب النفس، حتى يتمنى الصحابي أن يموت،

    ولا يشاك رسول
    الله صلى الله عليه وسلم شوكة في قدمه، وما كان

    الصحابي يصبر على فراقه، فإذا عاد
    الصحابي إلى بيته أسرع بالعودة إلى

    المسجد حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    وحتى بكى بعضهم؛

    لأنه سيفارقونه يوم القيامة في الجنة لعلو منزلته، حتى بشرهم بأن
    المرء

    يحشر مع من أحب، عاش الصحابة في هذه السعادة التي لم تُعرف، ولن

    تُعرف في
    التاريخ، سعادة مصاحبته، ورؤيته، والسماع منه، والانصياع له صلى

    الله عليه وسلم،
    عاشوا على ذلك فترة من الزمن، حتى أذن الله عز وجل

    برحيل الحبيب صلى الله عليه وسلم
    عن دار الدنيا إلى دار الخلد، في جنات

    النعيم، إلى الرفيق الأعلى، إلى راحة، لا تعب
    فيها، ولا نصب، ولا وصب،

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَر، والبشر
    يموتون


    [إِنَّكَ مَيِّتٌ
    وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ]
    {الزُّمر:30} .
    فتنة موت النبي صلى الله عليه وسلم
    مع يقين الصحابة بذلك، وثقتهم من بشريته صلى الله عليه وسلم،
    إلا أنهم ما

    تخيلوا أن ذلك الموت سيحدث حقيقة، فتنة عظيمة، ومصيبة كبيرة، وبلاء


    مبين، ما صدق الصحابة رضوان الله عليهم إذا كان رسول الله صلى الله عليه

    وسلم قد
    مات حقًا،


    فكيف الحياة بدونه؟

    وراء من يصلون؟

    وإلى نُصح من ينصتون؟

    من يعلمهم؟

    من يربيهم؟

    من يبتسم في وجوههم؟

    من يرفق بهم؟

    من يأخذ بأيديهم؟

    كارثة وأي كارثة، وأظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم والكمد
    كل شيء

    فيها، كل شيء، ليس الصحابة فقط، بل نخيل المدينة، وديار المدينة، وطرق

    المدينة، ودواب المدينة، إذا كان جذع نخلة قد حن لرسول الله صلى الله عليه
    وسلم لما
    فارقه؛ ليخطب من فوق المنبر بدلًا منه، حتى سمع الصحابة لجذع

    النخلة أنينًا، وما
    سكن حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح

    بيده على الجذع حتى سكن، إذا كان
    الجذع فعل ذلك ورسول الله فارقه إلى

    منبر يبعد خطوات معدودات، فكيف بفراق لا رجعة
    فيه إلى يوم القيامة،

    والصحابة،

    ماذا يفعلون؟

    أتطيب نفوسهم أن يهيلوا التراب على رسول الله صلى الله عليه
    وسلم؟

    تقطعت قلوب الصحابة، وتمزقت نفوسهم، وتحطمت مشاعرهم، يقول أنس بن

    مالك رضي
    الله عنه:


    ما رأيت يومًا قطّ كان أحسن ولا أضوأ، من يوم دخل علينا فيه
    رسول الله صلى

    الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا قطّ كان أقبح ولا أظلم، من يوم مات
    فيه رسول

    الله صلى الله عليه وسلم.

    المصيبة أذهبت عقول الأشداء من الرجال، وأذهلت ألباب الحكماء
    منهم، تاهوا

    جميعًا حتى وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أدراك ما عمر بن

    الخطاب في عقله ورزانته وحكمته وإلهامه، وقف وقد أخرجته الكارثة عن وعيه

    يقول:

    إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه
    وسلم توفي،

    وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات.

    يقول ذلك في يقين، هو لا يصدق فعلًا أنه مات.

    يقول عمر: لكن ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن
    قومه

    أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله

    صلى
    الله عليه وسلم، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات. وإذا

    كان عمر كذلك،
    فكيف بغيره من الصحابة؟


    قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه، ابن عم
    رسول الله

    صلى الله عليه وسلم:

    لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ
    قُبِضَ الرَّسُولُ


    وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا تَكَادَ بِنَا
    جَوَانِبُهَا تَمِيلُ


    فَقَدْنَا الْوَحَيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا يَرُوحُ بِهِ
    وَيَغْدُو جِبْرَائِيلُ


    وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ
    كَادَتْ تَسِيلُ


    نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَ عَنَّا بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ
    وَمَا يَقُولُ


    وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا ; عَلَيْنَا
    وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ


    أَفَاطِمُ إِنْ جَزَعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ وَإِنْ لَمْ
    تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ


    فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ ; ; وَفِيهِ سِيِّدُ
    النَّاسِ الرَّسُولُ


    يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:

    لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى
    لم ينظر

    بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها، وما فرغنا من دفنه حتى

    أنكرنا قلوبنا.
    موقف الصديق رضي الله عنه
    وبينما هم كذلك إذ جاء الصديق الجبل أبو بكر رضي الله عنه
    وأرضاه، وجزاه

    خيرًا كثيرًا عما قدمه لأمة الإسلام، جاء الصديق من السنح (منطقة
    خارج

    المدينة) بعد أن وصله النبأ هناك، وإن تخيل أحدنا أن صحابيًا سوف يموت

    حزنًا،
    وهمًا، وكمدًا لفراق الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا شك أننا جميعًا

    سنقول إنه
    الصديق رضي الله عنه، أشد الخلق حبًا لرسول الله صلى الله

    عليه وسلم، وأقرب الرجال
    إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا

    شك قد يخطر ببال الناظر للأحداث أن
    الصديق سيفعل أكثر مما فعل عمر بن

    الخطاب مثلًا، لكن سبحان الله، إنه الصديق أبو
    بكر رضي الله عنه وأرضاه،

    أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسنح، ونزل عند مسجد
    رسول الله

    صلى الله عليه وسلم، فلم يكلم الناس، ودخل المسجد، ومنه دخل إلى بيت

    عائشة حيث مات رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجرها، فتوجه إلى

    رسول الله صلى
    الله عليه وسلم، وهو مغطى بثوب، فكشف عن وجهه، ثم

    أكب عليه، فقبله وبكى، عبرات لا
    بد منها، نزلت ساخنة حارة على وجنتي

    الصديق رضي الله عنه، حبيب عمره، ودرة قلبه،
    وقرة عينه، ثم قال الصديق

    وقلبه ينفطر:

    بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي
    كتبت عليك، فقد

    متها.
    ثم خرج في ثبات عجيب يليق بخير الأمة بعد نبيها، ويليق بأول
    من سيدخل

    الجنة من أمة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يجزع

    ويخرج
    عن المنهج، وهو الصديق؟ خرج الصديق رضي الله عنه، فوجد عمر في

    ثورته يتكلم مع
    الناس، والناس يلتفون حوله يتمنون أن لو كان كلامه حقًا، وأن

    رسول الله صلى الله
    عليه وسلم سيعود ثانية كما يقول، قال الصديق في ثبات

    ورباطة جأش عجيبة:

    اجلس يا عمر.

    لكن عمر قد أذهلته المصيبة عن السماع، فلم يجلس، وظل على
    حاله، لكن

    الناس وجدوا وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أبا بكر، فتركوا
    عمر

    والتفوا حول الصديق ينتظرون ما يقول، قال أبو بكر الصديق في فهم عميق

    وحكمة
    بالغة:


    أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن
    محمدًا قد

    مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

    وفي براعة ولباقة وتوفيق قرأ الآية الكريمة:

    [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
    رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
    انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
    يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ]

    {آل عمران:144} .

    الصديق رجل عجيب يعيش مع القرآن في كل حركة، وفي كل سكنة، ما
    أروع

    الاختيار، وما أبلغ الأثر الذي أحدثته الآية الربانية في قلوب الصحابة، يقول
    ابن

    عباس رضي الله عنهما:

    والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها
    أبو بكر، فتلقاها

    الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.

    أفاق الناس وبدءوا في البكاء الشديد، كانت الآية سلوى
    للمؤمنين، وتعزية

    للصابرين، وجزاء للشاكرين، ووصلت الآية إلى أسماع عمر بن الخطاب
    رضي

    الله عنه، يقول عمر رضي الله عنه:

    والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فَعَقِرْت (عَقِرَ:
    إِذا بقي مكانه لا


    يتقدم ولا يتأَخر فزعا أَو أَسَفا أَو خجلا) حتى ما تقلني
    رجلاي، وحتى أهويت

    إلى الأرض، حين سمعته تلاها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد

    مات.

    إنا لله وإنا إليه راجعون، وثَبّت الله الأمة بثبات الصديق
    رضي الله عنه وأرضاه،

    واحدة من أعظم حسناته رضي الله عنه، وما أكثر حسناته.


    ومع كون فتنة موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وفراقه إلى يوم
    القيامة

    فتنة عظيمة، ومصيبة هائلة، إلا أنها لم تكن الفتنة الوحيدة التي مرت

    بالمسلمين في هذه الأيام الحزينة، فإلى جوار فتنة الموت والفراق كانت
    هناك فتن أخرى
    عظيمة، كان منها:
    فتنة انقطاع الوحي
    فكما ذكرنا من قبل، كانت أم أيمن رضي الله عنها تبكي بعد وفاة
    رسول الله

    صلى الله عليه وسلم، وكانت تعلل ذلك بأنها تبكي؛ لأن الوحي انقطع من

    السماء، وانقطاع الوحي من السماء لا شك أنه فتنة عظيمة، وجبريل عليه

    السلام لن ينزل
    على بشر إلى يوم القيامة، فرسولنا الكريم صلى الله عليه

    وسلم هو خاتم الأنبياء، لا
    شك أن البشر سيخطئون كثيرًا، ويحتاجون إلى

    تقويم وإصلاح، من يقوم بذلك؟ عليهم أن
    يقوموا بذلك بأنفسهم، المنهج

    الإسلامي الكامل المتكامل أعطى لهم هذه الصلاحيات
    لإكمال مسيرة الحياة

    إلى يوم القيامة بدون رسل، ولا أنبياء، ولا وحي، لكن لا شك أن
    الفترة التي

    أعقبت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تمثل عبئًا ثقيلًا على نفوس

    الصحابة، وقلقًا بالغًا من أن يفشلوا في حل أمورهم دون وحي، ولا شك أنهم

    سيختلفون
    كثيرًا، فمن يكون على صواب، ومن يكون على خطأ، عليهم أن

    يحكموا بالمنهج المتروك في
    أيديهم القرآن والسنة، لكن ستظل طوائف

    المؤمنين تخطئ، وهي تظن أنها على صواب، الوحي
    كان يفصل في هذه

    الأمور فصلًا لا يدع مكانًا للريبة، والآن انقطع الوحي، الرجل في
    زمان رسول

    الله صلى الله عليه وسلم كان يسير على الأرض، ويعلم أنه من أهل الجنة،


    يوقن بذلك إذا بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم يقينه بما نزل على

    محمد صلى الله
    عليه وسلم، وتخيل معي كيف يطيق رجل صبرًا أن يسير

    على الأرض، وهو يعلم أنه من أهل
    الجنة، هذا الذي جعل عمير بن الحمام

    في غزوة بدر يلقي بالتمرات، لما بشره رسول الله
    صلى الله عليه وسلم

    بالجنة ويقول:

    لئن أحيا حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة.

    بلال، بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فإذا به على
    فراش موته

    سعيدًا لأنه سيموت، يقول:

    غدًا ألقي الأحبة، محمدًا وصحبه.

    وهكذا أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وبقية العشرة، وهكذا عبد
    الله بن

    مسعود، وهكذا خديجة، وعائشة، وسائر أمهات المؤمنين، وهكذا مئات وآلاف


    بَشّرهم بالجنة، أما الآن بعد أن انقطع الوحي، فلا أحد يدري أهو من أهل

    الجنة أم من
    أهل النار؟


    وعجبت لمن يضحك، كيف؟ وهو على يقين من ورود النار

    [وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
    وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا]
    {مريم:71} .


    ثم هو لا يعلم أيجوز الصراط إلى الجنة أم يسقط في النار؟ رسول
    الله صلى

    الله عليه وسلم كان يخبرهم عن كثير من أمور الغيب بالوحي، يبشرهم بنصر

    بدر، يبشرهم بالفتح، يبشرهم بالشام، وفارس، واليمن، يخبرهم عما كان،

    وعما هو كائن،
    وعما سيكون إلى يوم القيامة، الآن بعد انقطاع الوحي أغلق

    باب المستقبل، لا تعرف منه
    إلا ما أنبأنا به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل

    أن يموت، لكن كم من الأمور ستحدث
    كنا نتمنى أن نعرف عاقبتها، أترانا

    سنفوز أم سنخسر؟

    وأحداث العالم كيف ستئول في النهاية؟

    الله أعلم، الفرس انتصرت على الروم، والرسول يبشر:

    [غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي
    أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)فِي بِضْعِ
    سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
    المُؤْمِنُونَ]
    {الرُّوم:2، 3، 4} .


    الآن لا نعرف على وجه اليقين، نعم ترك لنا رسول الله صلى الله
    عليه وسلم

    منهاجًا واضحًا من قرآن وسنة، نستقرأ به سنن الله في الأرض، ونستنبط به


    النتائج قبل أن تحدث، لكن ستظل كثيرًا من الأمور معروفة على وجه الظن لا

    اليقين،
    ويقين الوحي لا عودة له حتى تنتهي حياة الأرض، وتقوم القيامة،

    فتنة كبيرة، لا شك
    أنها أذهلت الصحابة وسيبدأ طريق مليء بالأشواك،

    وعليهم أن يعتمدوا على أنفسهم في
    السير بعد فقد القائد العظيم، والدليل

    الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. إذن كانت
    هناك فتنة فراق أحب الخلق

    إلى قلوب الصحابة، وكانت هناك أيضًا فتنة انقطاع الوحي.
    مَن الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم؟
    مَنْ مِنَ الرجال يجلس في كرسي الحكم مكان رسول الله صلى الله
    عليه

    وسلم؟

    رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيًا فقط، ولكن كان
    أيضًا حاكم

    المسلمين، فإن كانت النبوة قد ختمت به صلى الله عليه وسلم، فالحكم لا

    بد
    أن يستمر، مَن مِن الصحابة الكرام يكمل المسيرة ويحمل الراية؟


    أمر خطير، وخطورته ليست في احتمال التكالب على السلطة،
    والتنازع فيها

    كما يحدث في بلدان العالم المختلفة إذا مات قائد أو زعيم، كلا، ولكن

    لاعتبارات خاصة جدًا بهذه الفترة:


    أولًا: لا يوجد في الصحابة، ولا في أهل الأرض جميعًا من
    يساوي، أو يقترب

    في الفضل، والمكانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي سيوضع

    في مكانه كحاكم لا بد وأنه سيقارن به صلى الله عليه وسلم، وستكون

    المقارنة ظالمة،
    ولا شك، فهذا رسول يوحى إليه من ربه وهذا رجل يجتهد قد

    يصيب، وقد يخطئ.


    ثانيًا: مَن مِن الصحابة ستطيق نفسه أن يجلس في هذا المكان؟
    الصحابة

    على خلاف أهل الأرض في ذلك الزمان، أو في أي زمان، كانوا لا ينظرون إلى


    الإمارة على أنها تشريف، وتعظيم، ولكن كانوا يعتبرونها تكليفًا وتبعة، ففضلًا

    عن
    أنهم لا تطيب أنفسهم بالحكم، بدلًا من نبيهم، فهم تعلموا منه صلى الله

    عليه وسلم أن
    يزهدوا في الإمارة ولا يطلبونها، روى مسلم عن أبي ذر رضي

    الله عنه قال: قلت: يا
    رسول الله، ألا تستعملني؟


    فضرب بيده على منكبي ثم قال:

    يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ،
    وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةَ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا

    بِحَقِّهَا.

    ترى َمن ِمن الصحابة يضمن أن يأخذها بحقها، ومن يُعرّض نفسه
    لحمل

    الأمانة، ومن يضع نفسه يوم القيامة موضع سؤال عن تبعات عظيمة، تبعات

    الإمامة.


    ثالثًا: إذا كان ولا بد أن يختار رجل من الصحابة لهذا الأمر
    الجليل، من يكون

    هذا الرجل؟

    الصحابة جميعًا أعلام يُقتدى بهم، طاقتهم عظيمة، وإمكانياتهم
    واسعة،

    والمؤهل ليكون حاكمًا على الناس، أو أميرًا عليهم كُثُر، إذا نظرت إلى

    المهاجرين مثلًا فهناك:

    الصديق أبو بكر، وهناك الفاروق عمر، وهناك أمين الأمة أبو
    عبيدة، وهناك ذو

    النورين وزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وهناك ابن
    عم

    رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته علي، وهناك العباس عم رسول

    الله صلى
    الله عليه وسلم، وهناك سعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى

    الله عليه وسلم، وهناك
    الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه

    وسلم، وهناك طلحة بن عبيد الله
    طلحة الخير وهناك غيرهم كثير،


    عبد الرحمن بن عوف، سعد بن زيد.

    وهناك شيوخ مكة الذين أسلموا في الفتح، ولهم من الهيبة في
    قلوب العرب:

    أبو سفيان، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وغيرهم.

    وإذا نظرت إلى الأنصار وجدت أيضًا فريقًا من العظماء كبير،
    وإن كانت الأسماء

    المطروحة للزعامة أقل من المهاجرين لكون الأنصار من قبيلتين فقط
    الأوس

    والخزرج، فزعيم الخزرج هو: سعد بن عبادة، ومن أقوى الأسماء المرشحة،

    أما من
    الأوس فهناك على سبيل المثال: أسيد بن حضير سيد الأوس، وهناك

    عباد بن بشر من أفضل
    الأنصار، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها ثلاثة من

    الأنصار لم يجاوزهم في الفضل
    أحد:


    سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.

    وبالطبع سعد بن معاذ استشهد قبل ذلك بكثير، استشهد بعد أن أقر
    الله

    عينه من بني قريظة في سنة 5 من الهجرة، كل واحد من هذه الأسماء،

    سواء من
    المهاجرين، أو الأنصار لا تنقصه الكفاءة، ولا القدرة على القيادة،

    كذلك لا ينقص
    أحدهم التقوى، فمن يحمل الراية؟
    الأعداد الضخمة التي دخلت في الإسلام حديثا



    لم تكن هذه هي الفتن الوحيدة في هذه الفترة، بل كان هناك فتن
    أخرى

    عظيمة وخطيرة، الأعداد المهولة التي دخلت في الإسلام حديثًا، ولم تتلق

    تربية
    كافية في محضن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن كثيرًا منهم

    دخل الإسلام طمعًا في
    المال، والثراء، طائفة المؤلفة قلوبهم، تألف رسول الله

    صلى الله عليه وسلم قلوبهم
    بالمال والغنائم حتى يدخلوا في الإسلام،

    ولنراجع بعض الأرقام:

    فتح مكة سنة 8 من الهجرة، فَتح مكة عشرة آلاف مؤمن بقيادة
    رسول الله

    صلى الله عليه وسلم، وبعدها بقليل كانت حنين، والطائف، وكانت الغنائم

    وفيرة جدًا، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رءوس القوم، وأعطى

    عوام الناس،
    وأعطى، وأعطى، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، ذكر ذلك

    ربنا عز وجل في كتابه
    الكريم:


    [إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ
    وَالفَتْحُ(1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ
    أَفْوَاجًا]
    {النَّصر:1،
    2}.


    بعد فتح مكة بحوالي سنة غزوة تبوك سنة9 من الهجرة ثلاثون ألف
    مسلم،

    تضاعف الرقم من سنة 8 إلى9 هجرية ثلاث مرات، وهو تضاعف كبير في هذه
    الفترة
    الوجيزة، أعجب من ذلك حجة الوداع سنة10 من الهجرة بعد سنة من

    تبوك، حدث تضاعف مهول
    في عدد المسلمين، حج مع رسول الله صلى الله

    عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم، هذا
    غير عشرات الآلاف من الذين

    دخلوا الإسلام في قبائلهم البعيدة عن المدينة، ولم
    يسعدوا برؤية الرسول

    صلى الله عليه وسلم، هذه الآلاف المؤلفة من المسلمين الذين
    ارتبطوا

    بالإسلام فقط، منذ شهور، ولم يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم

    إلا
    الكلمات القليلات، وبعضهم لم يره أصلًا، وبعضهم دخل لأجل المال،

    وبعضهم دخل لأجل
    الخوف من القوة الإسلامية الناشئة، وكلهم حديث عهد

    بجاهلية وإشراك، هذه العوامل
    جميعًا، وغيرها جعلتهم على خطر عظيم،

    وبخاصة إذا وصل إليهم نبأ وفاة الرسول صلى
    الله عليه وسلم، ترى ماذا

    سيكون رد فعلهم؟

    أتراهم يتشككون في أمر الرسالة؟
    أتراهم يعتقدون أن الخروج عن جماعة المسلمين أصبح أمرًا
    ميسورًا؟


    أتراهم يرتدون على أعقابهم ويعودون إلى جاهليتهم
    وشركهم؟


    كل هذه الاحتمالات واردة، ولا شك الصحابة في المدينة، كانوا
    يفكرون في

    هؤلاء القوم، ويتسمعون أخبارهم، ويخافون من ردتهم على الإسلام، هذه

    المشاعر المتزاحمة من قلق، وخوف، وتربص، وحيرة زادت الأزمة في المدينة
    تفجرًا
    واضطرابًا، ولا شك أن هذا زاد من ظلمة المدينة بعد غياب النور المبين

    محمد صلى الله
    عليه وسلم.


    مُدّعو النبوة والمرتدون

    فتنة مظلمة أخرى تحيط بالصحابة، الرِّدة الفعلية لبني حنيفة،
    ولأهل اليمن،

    جاءت الأنباء قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهور من يَدّعي

    النبوة في هذه البلاد، ظهر مسليمة الكذاب في بني حنيفة، في اليمامة

    شرق الجزيرة،
    وظهر في اليمن الأسود العنسي، وتبع هذا وذاك آلاف مؤلّفة؛

    قبلية وعصبية، وجهل، وشك،
    وكِبر، وسفه، تبع مسليمة ما يزيد على

    الأربعين ألفًا.

    هؤلاء مرتدون بالفعل، ومن المؤكد أنهم يتربصون بالمدينة
    الدوائر، ومن أدرى

    الصحابة أنهم يعدون العدة لغزو المدينة، ولاستئصال الإسلام من
    جذوره، هذا

    خطر داهم، لا شك أن الصحابة كانوا يترقبونه.

    المنافقون

    أضف إلى هذا كثرة المنافقين بالمدينة المنورة، نذكر أنه منذ
    أقل من عامين

    كانت هناك أعداد ضخمة من المنافقين يسكنون المدينة أيام تبوك، ولا شك

    أنهم يتزايدون مع زيادة قوة الإسلام، ولا شك أيضًا أن ينتظرون الفرصة للانقلاب

    على
    الإسلام والمسلمين، وقد أرادوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل

    ذلك ولكن فشلوا،
    وها هو الرسول صلى الله عيه وسلم قد مات، وهذه

    مصيبة ضخمة، ولا شك أن سعادتهم بهذه
    المصيبة كبيرة


    [إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ
    تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ
    قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ]
    {التوبة:50} .


    ترى ماذا سيفعل المنافقون؟

    سؤال يتردد في أذهان الصحابة، ولا شك.

    الفرس والروم

    ثم هل هذا هو كل الشر الذي يتربص بالمدينة؟

    أبدًا، كم من الأعداء يتربص وكم من الكارهين يرقب، الفرس دولة
    عظمى

    مجاورة، وقد كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين ملكها كسرى

    مراسلات يعرض
    فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الإسلام، لكن

    أبى كسرى فارس، بل مزق رسالة
    رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن

    رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضم إلى دولة
    المسلمين قبل أن يموت

    منطقة اليمن، وكانت تتبع دولة فارس، ثم إن رسول الله صلى الله
    عليه وسلم

    أدخل في الإسلام حكام اليمن الفارسيين، وأفسد على كسرى فارس هذه

    المنطقة
    وأهلها، ترى ماذا سيفعل كسرى فارس بعد هذه المصيبة التي

    حلت على
    المسلمين؟


    أتراه يعيد الكرة في احتلال اليمن، أم يفكر فيما هو أبعد من
    ذلك ويغزو

    المدينة ومكة؟
    أسئلة بلا إجابة.

    الروم الدولة العظمى الأخرى على الساحة العالمية في ذلك
    الزمان، تحتل

    كامل الشام وآسيا الصغرى، بالإضافة إلى شرق أوروبا بأكمله، دولة ضخمة

    مهولة، على رأسها قيصر الروم هرقل، دولة الروم العظمى لها تاريخ مع دولة

    الإسلام
    الناشئة في المدينة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة

    إلى هرقل يدعوه
    للإسلام، وهرقل قد مال قلبه للإسلام، لكن منعه قومه،

    ودفعوه إلى الكفر برسول الله
    صلى الله عليه وسلم، ليس هذا فقط، بل

    دفعوه أيضًا إلى تحريض قبائل غسان العربية في
    الشام على المسلمين،

    ومن ثم قُتل بعض رسل الإسلام المبعوثين إلى تلك المناطق، وغرق
    بذلك

    هرقل في مستنقع الكفر، وهكذا بطانة السوء، ومن رضي ببطانة السوء،

    المهم أنه
    نتيجة هذا الإعراض عن الرسالة، وهذا التحرش بالمسلمين، نتجت

    موقعتان بين المسلمين
    والروم، نتجت سرية مؤتة في سنة 8 من الهجرة،

    وهذه كانت سرية عجيبة ثبت فيها
    المسلمون بثلاثة آلاف مقاتل أمام مائتي

    ألف من الروم المقاتلين، وقتل من المسلمين
    زعماؤهم الثلاثة، ثم استطاع

    خالد بن الوليد رضي الله عنه بتكتيك رائع أن ينسحب
    بجيشه دون هزيمة من

    الروم، بل عند التحليل الصادق للمعركة يثبت فرار الروم، وخشيتهم
    من

    الجيش الإسلامي، وما حدث من فرار لبعض المسلمين حتى وصلوا إلى

    المدينة في فرارهم
    لم يكن إلا طائفة محدودة، لكن بصرف النظر عن كل

    شيء، فقد تراءى للروم ثبات
    المسلمين، وخطورتهم، وعلموا أن بأسهم

    شديد، وقتالهم شرس، ومرت سنة واحدة على مؤتة
    وجاء ما هو أعظم،

    حشد المسلمون ثلاثين ألفًا من المقاتلين الأشداء في غزوة تبوك
    العظيمة

    سنة 9 من الهجرة، ومع قلة إمكانيات المسلمين المادية من سلاح ومئونة،

    إلا
    أن معنويات الجيش كانت مرتفعة جدًا، وتحركت الجموع الإسلامية إلى

    مسافات بعيدة جدًا
    عن المدينة دون وجل ولا خوف، وفر الجيش الروماني،

    وأعوانه من نصارى الشام العرب من
    أمام الجيش الإسلامي، ولا شك أن

    الرومان سمعوا بأنباء بعث أسامة بن زيد رضي الله
    عنهما، والذي جهزه رسول

    الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بقليل حتى يغزو الشام،
    ويقاتل الروم،

    والقبائل المناصرة لها، ولا شك أنهم يعلمون أن الجيش الإسلامي ما زال

    رابضًا في المدينة بعد خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا سيكون

    رد فعل
    الرومان، والقبائل المتحالفة معهم أمام هذا الحدث، أتراهم يستغلون

    الفرصة، ويهاجمون
    المدينة حيث أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم؟


    هل يست

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 1:23 am