ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    شوبنهور وإرادة الحياة

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    شوبنهور وإرادة الحياة Empty شوبنهور وإرادة الحياة

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) السبت أكتوبر 04, 2008 2:46 am

    شوبنهور وإرادة الحياة



    يرى الفيلسوف الألماني «شوبنهور» أن العالم شر كله, لأن العالم كما يراه الفيلسوف صوفي حقيقته إرادة.
    وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون مليئاً بالألم والعذاب لأن الإرادة نفسها تعني الرغبة وهي دائماً تطلب المزيد عما حصلت عليه وكلما أشبع الإنسان رغبة أطلت عشرات الرغبات التي تطلب الإشباع والتحقق, من هنا نجد أن الرغبة لا نهاية لها, ومن المتعذر أن لم يكن من‏
    المستحيل إشباعها. إنها كالصدقة نقدمها للفقير تشبعه اليوم ليواجه البؤس والفقر غداً ومادامت الإرادة تطغى وتملأ شعورنا, وما دمنا خاضعين لتجمع الرغبات وآمالها ومخاوفها الدائمة, ما دمنا خاضعين للإرادة فلن نبلغ السعادة أبداً ولا السلام إطلاقاً. لأن تحقيق الرغبات لا يستتبع القناعة.‏
    إن إشباع العاطفة يؤدي في الغالب إلى الشقاء بدلاً من السعادة لأن حاجاتها كثيراً ما تتعارض مع مصلحة صاحبها إلى أن ينتهي الأمر بالقضاء على هذه المصلحة ودائماً الرغبة المشبعة تولد رغبة جديدة تريد الإشباع وهكذا إلى ما لا نهاية, لأن الإرادة على حد تعبير شوبنهور جائعة دائماً.‏
    لذلك يرى (شوبنهور) أن الحياة شر لأن الألم دافعها الأساسي وحقيقتها وليست اللذة سوى مجرد امتناع سلبي للألم, لذلك قال أرسطو: «إن الرجل الحكيم لا يبحث عن اللذة, ولكن عن التحرر من الألم والهم».‏
    إن الحياة شر لأن الإنسان لا يكاد يشعر براحة من الألم والحاجة حتى يتملكه شعور بالسأم والملل فيحاول أن يبحث عما يعوضه عن هذا الشعور, ويبدأ في مواجهة المزيد من الألم, وحتى لو تحققت أحلام الاشتراكيين في إقامة المدينة الفاضلة فسيبقى من الشرور ما لا يحصيه العد, لأن بعضها كالكفاح مثلاً أمر ضروري للحياة, وإذا قضينا على الشرور جميعاً, ووضعنا حداً للكفاح في هذه الحياة تصبح السآمة عبئاً لا يحتمل كالألم سواء بسواء, وهكذا تصبح الحياة تتأرجح بين السأم والألم.‏
    لذلك نجد السآمة كالسوط الذي يلهب ظهر العالم الحديث, وكلما ازدادت ظاهرة الإرادة كمالاً ازداد العذاب وضوحاً, والألم يزداد كلما تطور العقل, أي بمقدار اقتراب المعرفة من الدقة, لذلك يبلغ الألم ذروته عند الإنسان كلما ازداد رقياً ومعرفة واشتد ذكاؤه والعبقري الموهوب أشد أنواع الناس مقاساة للألم.‏
    والحياة شر لأنها حرب, فأينما نظرت لا تقع عينيك إلا على صراع ومنافسة, ونزاع وتبادل انتحاري بين الهزيمة والنصر, وكل نوع يقاتل للفوز بالمادة والأرض والسيطرة, من النملة الاسترالية التي تقدم أغرب الأمثلة, إذ تنقسم النملة إلى قسمين وتبدأ المعركة بين الرأس والذنب ويأخذ الرأس بعض الذنب بأسنانه, ويدافع الذنب عن نفسه بشجاعة يلدغ الرأس, وقد تدوم المعركة إلى أن يموتا.‏
    هكذا تفترس إرادة الحياة نفسها في كل مكان, إلى أن يجيء في النهاية الإنسان, أو الجنس البشري ليقدم لنا أبشع أنواع الصراع والنزاع.‏
    لذلك قيل أن الإنسان ذئب للإنسان, وإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.‏
    إن أكثر الناس تفاؤلاً لو أدخلناه إلى المستشفيات وملاجئ العجزة, والمقعدين, وغرف العمليات الجراحية والسجون, وغرف التعذيب, وحظائر العبيد, ولو أخذناه إلى ميادين القتال, وأماكن الإعدhم ولو فتحنا له كل مساكن البؤس والفاقة المظلمة حيث يواري البؤس نفسه, لو سمحنا له بالنظر إلى أولئك الذين يموتون بالآلاف من الجوع في هذا العالم الذي يراه بعض الفلاسفة أفضل العوالم, لشعر بالرعب, وإلا فما الذي أوحى لدانتي بجحيمه?.‏
    لذلك لا يجد شوبنهور أمامه سوى القول: نحن تعساء في زواجنا, وفي عزوفنا عن الزواج, تعساء في انعكافنا ووحدتنا, تعساء في اجماعنا بالناس, إننا كالقنافذ نقترب من بعضها لنشعر بالدفء و ولا نشعر بالراحة إذ اشتد التصاقها, ومع ذلك هي تعيسة في ابتعادها عن بعضها, أن الحياة مضحكة ولكنه ضحك كالبكاء إنها مأساة في الحقيقة.‏
    أما إذا تناولناها في تفاصيلها فسنجدها ملهاة, مضحكة .انظر ترَ الصبي منا في الخامسة عشر من عمره يدخل ميدان العمل في مصنع ما, ويظل منذ ذلك الوقت يذهب كل يوم يؤدي نفس العمل, الآلي ليشتري بأغلى الأثمان أنفاس الحياة, ولكن هذا هو مصير الملايين من البشر فأمام كل هذه الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية ألا يكون التفاؤل سخرية?..‏
    ويتساءل شو بنهور: ألا يعتبر الجنون هو العلاج الوحيد والأخير من طبيعة إرادتنا المزعجة, بل لعل المهرب الأخير هو الإنتحار, حيث يتغلب الفكر والخيال على الغريزة وهو أمر يدعو إلى الدهشة.‏
    لقد وضع «ديوجينس» حداً لحياته برفضه التنفس, فكان انتصاراً رائعاً على إرادة الحياة, ولكنه مجرد انتصار فردي.‏
    ويقول شوبنهور: أن سخفاء الناس يعتقدون أنهم يستطيعون إرضاء إراداتهم وإشباعها إشباعاً تاماً ببلوغ الثروة وجمع المال, ويعتقدون أن مالك الثروة لديه الوسيلة لإشباع كل رغباته لذلك يصبح المال لدى هؤلاء هو الخير المطلق.‏
    فإذا كان المال يملك هذه القدرة على اشباع الرغبات, فإن هذا المال لا قيمة له إلا إذا عرف الإنسان كيف يحول هذا المال إلى سعادة وهو فن يحتاج إلى ثقافة وحكمة والناس يميلون إلى جمع المال والثروة أكثر بملايين المرات من ميلهم إلى تحصيل الثقافة مع أن سعادة الإنسان تتوقف على ثقافته أكثر مما تعتمد على ثروته وماله.‏
    فالإنسان المجرد من المقدرة العقلية يندفع اندفاع الشره النهم من مكان إلى آخر بحثاً عن اللذات وإشباع الرغبات وملء الفراغ والحاجات الحسية إلى أن تقهره أخيراً السآمة آلهة الانتقام من الأثرياء والكسالى.‏
    إذن ليست الثروة هي الطريق إلى السعادة وإنما الحكمة. ففي الإنسان ناحيتان في أن واحد ناحية كونه مكافحاً عنيفاً تدفعه الإرادة التي مركزها في الجهاز التناسلي وناحية كونه خالداً, حراً حكيماً, ذا معرفة خالصة ومركزها المخ, وعندما يستطيع العقل التغلب على الرغبة برفضه إطاعة الإرادة يصبح سيد الإرادة بدل أن يكون خاضعاً لها.‏
    إن سيطرة العقل على الإرادة هو الذي يفسح لنا طريق التطور والرقي.‏
    واللجوء إلى الفلسفة الجبرية يساعدنا في تخفيف حدة رغباتنا وتعديلها, لأن الفلسفة الجبرية تسلم بأن كل شيء نتيجة حتمية لسوابقه, لذا يصبح العقل بالنسبة للإرادة بمثابة اللجام من الجواد الجموح.‏
    فلا شيء يبعث فينا الانسجام أكثر من المعرفة وكلما ازددنا معرفة بعواطفنا قلت سيطرتها علينا.‏
    إن قاهر العالم لا يثير فينا الإعجاب كما يثيره قاهر نفسه, هكذا تصفو الإرادة بالفلسفة.‏
    إن سعادتنا تعتمد على ما في عقولنا من علم لا على ما في جيوبنا من مال, السعادة ليست في الشهرة ولا في تقدير الناس لنا بمقدار ما هي في تقديرنا لأنفسنا, لأن السعادة التي نستمدها من نفوسنا أعظم بكثير من تلك التي نتلقاها ممن يحيطون بنا, لذلك قال ارسطو: «إذا أردت أن تكون سعيداً ينبغي أن يكون لديك اكتفاء ذاتي».‏
    أخيراً : يرى شوبنهور أن الفن وسيلة لتحرير المعرفة من استعباد الإرادة ونسيان الذات الفردية ومصالحها المادية, والسمو بالعقل إلى مرتبة من تأمل الحقيقة اللا إرادي.‏
    وتعد الموسيقا أكثر الفنون قدرة على رفعنا والسمو بنا فوق كفاح الإرادة. أن الموسيقا تخاطب فينا شيئاً أرق من العقل‏

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 5:08 am