ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


3 مشترك

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية)

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) Empty نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية)

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء أكتوبر 28, 2008 4:55 pm

    كيف استقبل المسلمون الثورة الكمالية ؟

    لما قام مصطفى كمال، بوحي من السلطان وحيد الدين، بثورته التي أرادها السلطان عثمانية إسلامية وجعلها مصطفى كمال غربية علمانية، لم يكن المسلمون يعلمون عن أسراراها وخفاياها شيئاً فخدعوا بظاهرها وبالدعايات التي كانت ترافقها وأولوها كل دعم وتأييد واكبروا همة وإخلاص باعثها وذلك لأن العالم الإسلامي كان قد فقد صوابه بعد انهيار الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية وكان على استعداد تام لتأييد أية حركة تقوم في أية ناحية من العالم لنصرة الإسلام وإعادة الخلافة أو أنه كان كالغريق يرفع يديه إلى السماء ليتمسك بحبال الهواء.

    لقد عايشت - الدكتور إحسان حقي - الحركة الكمالية منذ يومها الأول وأدركت كل أدوارها وقد أخذت بها وخدعت كما أخذ غيري وخدع من المسلمين إذ ظنناها حركة إسلامية ولم يكن من شيء يعزينا عما نحن فيه، بعد اندحار الدولة العثمانية، إلا الإسلام. فقد أصبحنا غرباء في أوطاننا أشقياء في بلادنا تعساء في مجتمعنا. أو نحن كالأيتام على مأدبة اللئام ليس لنا وطن ندعيه لأن الغريب يستعمره ولا لنا دولة نستند إليها لأن الأغراب يحكموننا. وصرنا نسمع سفهاء الناس يشتمون ديننا في وجوهنا ومن كان منهم مهذباً ولم يشتم قال لنا : لقد ولى زمانكم ونحن اليوم أسيادكم وإن لم يقولوها بألسنتهم قالوها بأفعالهم. وكنا نتطلع يمنة ويسرة فلا نجد على سطح الأرض كلها، وعلى كثرة عدد المسلمين فيها، دولة إسلامية واحدة مستقلة حرة نستطيع أن ندعيها أو ننتسب إليها لنعتز بها بل كان العالم الإسلامي كله مستعمرات غربية أو شبه مستعمرات.

    لهذه الأسباب كان سرورنا بالثورة الكمالية عظيماً ولا حدود له لأننا كنا نستطيع أن نقول بأنه قام مسلم من بين المسلمين يقف في وجه الغرب ويعلن ثورته عليه وأنه غداً سيعيد إلى المسلمين الخلافة الإسلامية ويعيد إلينا شأننا وعظمتنا. وكما سررنا وانتعشنا بثورة مصطفى كمال فقد سررنا وانتعشنا بثورة أنور باشا ولكن سرورنا بثورة مصطفى كمال كان أعظم لاسباب كثيرة منها :

    1-إن بلاد الأناضول متصلة ببلادنا العربية اتصالاً مباشراً وان وجود دولة إسلامية إلى جوارنا أفضل من وجود دولة غربية عدوة.

    2-إن الدولة العثمانية هي أمنا التي غذينا بلبانها وكنا جزءاً منها فرجوع الحياة إليها هو بعث لنا.

    3-إن مصطفى كما يعمل للخلافة الإسلامية بينما أنور باشا يعمل لإقامة دولة إسلامية وليس هذه كتلك.

    4-إن السلطان يؤيد حركة مصطفى كمال ولم نسمع أنه كان يؤيد حركة أنور باشا.

    5-إن هالة الدعاية التي أحيطت بها الثورة الكمالية كانت أعظم وأحكم من هالة الدعاية التي رافقت حرب أنور باشا.

    6-إن الثورة الأنورية ماتت سنة 1922 بموت قائدها ولم يبق أمامنا إلا الثورة الكمالية.

    7- إن الغربيين أرادوا أن يصرفوا تفكير العالم الإسلامي إلى الثورة الكمالية لكي يستهلكوا آلام المسلمين ويخففوا على نفوسهم أثر الصدمة التي أنزلوها بهم بإزالة الخلافة فأولوا الثورة الكمالية كل عنايتهم ودعموها برعايتهم لأنهم كانوا يعلمون نتائجها مسبقاً على اعتبار أنهم هم الذين صنعوها.

    وكما أن الغربيين قد نجحوا في مخططهم وجعلوا العالم الإسلامي كله يسير فخوراً بضع سنوات وراء الثورة الكمالية فقد استغل مصطفى كمال عواطف المسلمين وأموالهم إلى أبعد حدود الاستغلال وكسا ثورته لباساً إسلامياً، سواءً بأحاديثه وتصريحاته وخطبه، أو بمعاملته لزعماء المسلمين. فمن ذلك أنه استعان بالزعيم الليبي الشهير السيد أحمد السنوسي وجعله مستشاراً له وكان يبرق إليه، كما قال لي صديقي الأمير شكيب ارسلان، إذا اراد شن هجوم على مكان ما قائلاً: إننا ننوي الهجوم غداً أو بعد غد على مكان ما فاقرأوا البخاري الشريف على نية النجاح والتوفيق، واستغل أيضاً أعمال وأقوال جميعة الخلافة الهندية التي قامت بزعامة الأخوين شوكة علي ومحمد علي واستغل الشعراء فمدحوه والأدباء فأثنوا عليه ومشايخ الطرق فرفعوه إلى مقام الولاية.

    كان مصطفى كمال يبطن غير ما يظهر وينوي أن يفعل غير ما يقول إذ أنه ما كاد ينتصر نهائياً ويطمئن إلى مصيره حتى ألغى الخلافة وطرد الخليفة من البلاد وطرد السيد أحمد السنوسي وتنكر لكل القيم الإسلامية وسار بسيرة ليس فيها أية مصلحة للإسلام ولا للمسلمين لا بل ليس فيها أية مصلحة لتركيا نفسها، فها هي تركيا بعد مضي ستين سنة على هذه الثورة ما زالت بلداً نامياً ضعيفاً لا حول له ولا طول فالحركة العلمية فيها ضعيفة والأمية سائدة والحياة الاجتماعية متأخرة والحالة الاقتصادية في الحضيض، وكل ما فعلته هذه الثورة أنها أشغلت الناس بأمور جانبية تافهة مثل إلقاء الطربوش وسفور النساء ولو كان هذان الأمران تركا للزمن لتكفل بتحقيقهما من غير ثورة كما حدث في كل البلاد الإسلامية حتى في أشدها تعصباً ومحافظة مثل اندونيسيا وباكستان والهند وأفغانستان وحتى إيران حيث كان ذكر المرأة على اللسان في هذه البلدان يعد عورة، فأصبحت المرأة في هذه البلاد وفي بحر سنوات قليلة قد تخطت التركية وهي تماشي الغربية. وإذا كان السفور قد تحقق في بعض المدن التركية الكبيرة حيث لم تكن المرأة متحجبة حجاباً كاملاً فإن المرأة في بعض المدن الكبيرة الأخرى وفي الأرياف ما زالت كما كانت وما زالت متأخرة ولم ينفع السفور في تقدمها.
    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) Empty رد: نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية)

    مُساهمة من طرف أحمد الثلاثاء أكتوبر 28, 2008 5:00 pm

    ما نتائج الثورة الكمالية ؟

    خرج مصطفى كمال من ثورته منصوراً يكلل هامته تاج العز والفخار لأنه أعاد إلى تركيا حياتها واستقلالها وقد تقبل نصف العالم الإسلامي هذا النصر بسرور عظيم لأنهم خدعوا بظاهره وهذا النصف هو النصف الجاهل أو الغبي أو الذي لا يعرف من الأمور إلا ظاهرها، وأما النصف الآخر العاقل المفكر الذي ينظر إلى خلفيات الأمور بمنظار الحقيقة فقد أدرك مدى الكارثة التي حلت بالعالم الإسلامي كله وليس بتركيا وحدها.

    لقد أشغل مصطفى كمال المسلمين بأمور جانبية تافهة أرضى بها الشبان التواقين إلى الأخذ بالمظاهر وأخذ المعول وهدم الكيان التركي من جذوره. واذا جاز لنا أن نسمي ما قام به مصطفى كمال ثورة فهي ولا شك ثورة على الدين وعلى الثقافة وعلى التاريخ وعلى العالم الإسلامي عامة والأمة التركية بصورة خاصة.

    لقد أبطل مصطفى كمال الأبجدية العربية وأحلَّ محلها الأبجدية اللاتينية فقطع بعمله هذا صلة الأمة التركية بالعالم الإسلامي وقطع صلتها بماضيها وهدم أمجادها وقضى على ثقافة ترجع إلى ألف سنة فيها الكثير الجيد من العلوم والفنون والأدب والشعر والتاريخ.

    لقد قضى مصطفى كمال الأمة التركية وطمس معالمها وعراقتها وخلقها أمة جديدة وكأنها ليست من هذا العالم أو كأنها كما يقول المثل مقطوعة من شجرة. ولم يقدم البلاد ولا أهلها خطوة واحدة إلى الأمام بل أرجعها خطوات إلى الوراء من كل ناحية بدليل تقدم بعض البلاد التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية وفصلت عنها وقد تقدمت، بفعل الزمن، خطوات واسعة في الفن والأدب والعلم والعمران. وما دامت تركيا لم تتقدم فهي إذن متأخرة.

    ثم إنه بقضائه على الخلافة جردها من سلاح ماض كان في يدها تهزه متى شاءت في وجه الأعداء وكانت الدولة العثمانية حتى في أخريات أيامها، يوم لم يكن لها حول ولا طول، مرهوبة الجانب يخشاها القريب والبعيد ويحترمها العدو قبل الصديق لأنها كانت تحمل صولجان الإسلام الذي كانت تهدد به العالم فأصبحت اليوم بفضل مصطفى كمال دولة ثانوية مثل غيرها من الدول الصغيرة ليس لها وزن سياسي إلا بقدر ما لمركزها الاستراتيجي من أهمية وبقدر حاجة الدول إليه وليس لها مركز علمي ولا اقتصادي حتى ولا سياحي على الرغم من جمال تركيا وما فيها من جبال وبحار وغابات وأنهار لو كانت في بلاد أخرى لاستغلت أحسن استغلال في السياحة والاقتصاد.

    إننا إذا أخذنا في تقييم هذه الثورة نجد أنها كانت وبالاً على تركيا وعلى العالم الإسلامي لأنها قضت على كل ثروات تركيا المعنوية وسلبتها عظمتها التي كانت تقوم على الإسلام وعلى اللغة العربية وهي عظمة لن تعود ابداً.

    إن ما فعله مصفى كمال كان في مصلحة الغرب وليس في مصلحة تركيا ولا في مصلحة الشعب التركي. لقد قطع مصطفى كمال كل صلة للاتراك باخوانهم المسلمين حتى أنه غير أسماء الناس وغير اسمه. لقد قضى مصطفى كمال على هذه الأمة بالعقم الأبدي وأجهض مقدماً كل حركة إصلاحية يمكن أن تقوم في البلاد لخير البلاد وخير أهلها.

    لقد كانت الخلافة، على ضعف الخلفاء، وتخاذلهم وجهل بعضهم لا بل ورذائلهم، سلاحاً ماضياً بيد المسلمين يزعج الغربيين فعملوا حتى قضوا عليه. ولو كان مصطفى كمال أبقى على الهيكل الإسلامي ولم يمس اللغة لكان خلق تركيا خلقاً جديداً سليماً ولكانت اليوم سيدة العالم الإسلامي كما كانت من قبل ولو تقلصت أطرافها.

    وإذا نظرنا إلى السياسة التي انتهجها السلطان الظاهر بيبرس والسياسة التي انتهجها مصطفى كمال نجد الفرق بين تفكير الرجلين بعيداً جداً إذ بينما استند بيبرس على الخلافة وأحياها في مصر، بعد أن تلاشت في بغداد فرفع بذلك من شأن نفسه ومن شأن المسلمين في كل مكان وكانت الخلافة له ولخلفائه من بعده قوة ودعماً ودرعاً واقياً، نجد مصطفى كمال قد استند على الانكليز لهدم الخلافة ليرفع نفسه ويهدم تركيا.

    لقد كان باستطاعة مصطفى كمال، بعد أن انتصر على اليونان أن يتنكر للغربيين ويقلب لهم ظهر المجن فيخدم بذلك بلده وأمته ولم يكن الغربيين يستطيعون، آنذاك، أن ينالوه بأذى لأن العالم كله كان معه ولكنه لم يفعل لأن الخطة الغربية كانت تسلير هواه وهذا من سوء حظ المسلمين وحظ البلاد التركية في الدرجة الأولى. وما تشاؤون إلا أن يشاء الله.

    لماذا دعّم الغرب الثورة الكمالية أو لم يناهضوها ؟

    قد يتساءل المرء، حينما يرى دول الحلف الغربي، التي هزمت، في حرب دامت أربع سنوات ونيف، الامبراطورية العثمانية ومعها امبراطوريتين قويتين هما المانيا والنمسا ومملكة البلغار، كيف عجزت عن الانتصار على ثورة قام بها قائد عثماني هو نفسه كان قد انهزم أمام الانكليز في جبهة فلسطين ثم عند جبال طوروس يوم كانت إمكاناته أكثر وقوته أكبر ؟

    وهو تساؤل وجيه ومعقول لا سيما وأن مصطفى كمال ظل نحو سنتين في شرق الأناضول وهو لا يستطيع أن يتقدم لمواجهة أعدائه بل كان أعداؤه اليونان هم الذين يتقدمون حتى وصلوا مشارف انقره.

    وللجواب على هذا السؤال نقول : إن الفرق بين الحالين كان كبيراً جداً وذلك لأنه الحلف الغربي كان في الحالة الأولى يريد دحر الدولة العثمانية، دولة الخلافة الإسلامية، التي كانت قذى في عيون أهل الغرب وحسكةً في حلوقهم، ولذا فقد وضع، في ميدان المعركة، كل طاقاته وإمكاناته وعمد إلى كل السبل فسلكها وعمل بكل الوسائل حتى بلغ ما يريد، بينما الأمر لم يكن كذلك مع ثورة مصطفى كمال، إن أهل الحلف الغربي وعلى رأسهم انكلترا وفرنسا كانتا حريصتين كل الحرص على انتصار مصطفى كمال على اليونان لأسباب مر ذكرها كما أنهما كانتا حريصتين على بقاء بلاد الأناضول لأصحابها على أن تكون تابعة للغرب بعيدة عن الإسلام والمسلمين وكانتا تعلمان مسبقاً أن مصطفى كمال سيحقق لهما هذه البغية.

    كانت دول الغرب حريصة على القضاء على الدولة العثمانية لأنها دولة إسلامية قادرة باسم الإسلام على أن تهدد العالم كله وليس الغرب وحده إذا استعملت هذا السلاح المعنوي استعمالاً صحيحاً وسليماً. ولذا فإن كل الحروب التي شنها أهل الغرب على الدولة العثمانية وكل المعاهدات والاتفاقات التي عقدوها كانت تدور حول هذه النقطة وهذا الهدف.

    إن الحروب الصليبية بدأت منذ ظهر الإسلام ولكنها ظهرت بثوب عملي في القرن الحادي عشر الميلادي، يوم ضعفت البلاد الإسلامية، واشتدت يوم بدأت الدولة العثمانية تغزو أوروبا في عقر دارها. ومع أن دول الغرب مجتمعة ظلت أكثر من ثلاثة قرون تعمل للقضاء على هذه الدولة الإسلامية دون أن تبلغ ما تريد، على الرغم مما أصاب الدولة العثمانية من تضعضع، فانها قد ذهلت وارتبكت حينما تم لها هذا النصر بهذا الشكل الذي حدث والذي لم تكن تتوقعه ولا تتصوره أيضاً وذلك بأن ترى الامبراطورية العثمانية ومعها حليفاتها تنهار أمامها في بحر أسابيع أو شهور قليلة، بعد أن ثبتت أمام ضرباتها أربع سنوات لا بل وانتصرت عليها مرات.

    قلت في بحر أسابيع لأن الحرب في سنواتها الأولية كانت سجالاً بين المتخاصمين، لا بل كانت في بعض الجبهات انتصاراً للحلف العثماني ولم يكن ما يبعث على الاعتقاد بحدوث هذا الانهيار، ولكن وقوف العرب إلى جانب الحلف الغربي وحماقات ارتكبها بعض رجال الاتحاد والترقي وامكانات الحلف الغربي المادية والمعنوية الواسعة واستسلام البلغار المفاجئ، كل أولئك غيرت وجه الحرب فاسفرت عما اسفرت عنه من انهيار ثلاث امبراطوريات كانهيار قصور الكرتون أو بيوت الرمال.

    فهذا النصر الساحق الذي أحرزه الحلف الغربي على الحلف العثماني قد فرّح الغربيين ولكنه ادهشهم وأذهلهم ايضاً لا بل قد كانت دهشتهم أكبر من فرحتهم إذ كان شأنهم شأن الفقير المعدم الذي تهبط عليه ثروة كبيرة فجأة من السماء لم يكن يحلم بها فيحتار في أمره ويحتار فيما يفعل بهذه الثروة الطارئة وكيف ينفقها.

    أدرك الغربيون بعد أن تم لهم هذا النصر أن اللقمة التي امامهم أكبر من أفواههم وأنهم لا يستطيعون هضمها وأنه لا بد لهم من إعادة النظر على برامجهم السابقة، وعلى الرغم من أنهم كانوا قد اقتسموا تركة ( الرجل المريض ) فيما بينهم مرات وأنهم باعوا جلد الدب قبل أن يصطادوه الا أن أوضاعهم اليوم تختلف عما كانوا عليه من قبل اذ مات أحد الورثة قبل موت الامبراطورية العثمانية واعني به امبراطورية موسكو بنشوب الثورة الشيوعية فيها، وماتت ايضاً كل من الامبراطورية الألمانية والامبراطورية النمسوية بسبب تحالفهما مع الدولة العثمانية. فاصبحتا في جانب التركة لا في جانب الورثة، ولذا فقد كان من البديهي أن يتغير التقسيم وتتغير الأهداف لا سيما وأنه لم يعد في الميدان إلا انكلترا وفرنسا، وأما إيطاليا واليونان فقد كان بالامكان إرضاؤهما بالقليل لأن إيطاليا كانت في بداية الحرب حليفة للدولة العثمانية ثم تركتها وانضمت إلى الحلف الغربي وهي لم تهضم بعد البلاد الليبية التي استولت عليها سنة 1911 ولم تكن الدولة العثمانية قد اعترفت بعد بتنازلها عنها، واليونان دولة صغيرة لا حول لها ولا طول وبالتالي فليس لها حساب. وأما امريكا، التي كانت السبب في انتصار الحلف الغربي، فانها كانت، بشخص رئيسها ولسن، تريد الحرية للجميع فإذا لم تصل إلى هذه الغاية تركت الدنيا لأهل الدنيا وانصرفت وهذا ما حدث. وكان كليمنصو رئيس وزراء فرنسا يقول : أنا في حيرة من أمري بين رجلين : الأول يظن نفسه المسيح والثاني يحسب نفسه نابليون. ويعني بذلك ولسن رئيس الولايات المتحدة، الذي كان مشبعاً بالروح الانساني، ولويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا الذي كان مليئاً بالغرور.

    غير أن الذي كان يخيف الغالبين هي روسيا التي وإن كانت قد خرجت من الحرب مغلوبة بسبب نشوب الثورة الشيوعية فيها، تلك الثورة التي كان الفضل الأكبر في نجاحها لألمانيا، التي زودت لينين بالمال والسلاح وأرسلته إلى روسيا ليقلب الحكم فيها، فإن حلفاءها القدامى أي انكلترا وفرنسا ومن معهما، كانوا يعلمون بأن ضعفها لن يطول أمده وأنه لا بد لها من أن تنهض وتقف على ساقيها ثم لا بد لها من أن تطالب بإرثها وأن تسعى إلى تحقيق مطامعها في البحر الأسود وفي الممرين المائيين، ولذا فقد كان لا بد للانكليز وهم سادة البحار، آنذاك، من أن يفكروا بهذه النتيجة وأن يتداركوا عواقبها قبل حلولها. وكان الحل هو إبقاء الأناضول لاصحابها.

    فمن جهة كانت انكلترا وفرنسا تخشيان الدب الروسي الرابض على حدود الأناضول. ومن جهة ثانية كانتا قد تقاسمتا البلاد العربية فأخذت فرنسا سوريا ولبنان وأخذت انكلترا العراق وفلسطين بالإضافة إلى ما كانت تسيطر عليه من قبل من شواطئ الجزيرة العربية بدءاً بمستعمرة عدن فالمحميات فمسقط فمشيخات الخليج العربي بما فيها البحرين والكويت.

    وفي الوقت الذي اتفقت فيه الدولتان الانكليزية والافرنسية على هذا التقسيم سراً كانتا قد أعطتا فلسطين للصهيونيين لتكون وطناً قومياً لهم، ووعدتا الشريف حسين بامبراطورية عربية تشمل الوطن العربي كله، أو أن الشريف حسين ظن أن رغبته حقيقة واقعة وأن مطالبه أوامر تعطى لحلفائه فتنفذ، فبات خاليالبال مرتاح الخاطر يعيش هو وكل العرب في حلم لذيذ معتمدين على صدق الحلفاء وإخلاصهم ويصدقون كل ما يقال لهم، ويكتفون من العهود بالوعود لا بل بالوعود الغامضة، ولم يكونوا يدرون أن عهود أهل الغرب الكلامية هراء والمكتوبة منها قصاصات ورق يمكن تمزيقها وحرقها في كل وقت حتى اذا كانوا مغلوبين فكيف بهم إذا كانوا غالبين ؟

    اقتنع الشريف حسين بحسن نوايا حليفته بريطانيا على الرغم من أن تصرفات رجالها كانت تدل بوضوح على المراوغة والخداع. ولكن أنى للمسلم الشريف أن يسيء الظن بمن يتودد إليه ويظهر له الاخلاص ؟

    ظل الشريف حسين ثابتاً على مبدئه محسناً الظن بالانكليز على الرغم من أن رجال الثورة الشيوعية، بعد أن استلموا الحكم في البلاد، فضحوا الاتفاقية السرية ( اتفاقية سايكس ـ بيكو ) المعقودة بين انكلترا وفرنسا وروسيا لتقسيم الامبراطورية العثمانية، وعلى الرغم من أن جمال باشا نبه العرب في الكلمة التي القاها في بيروت بتاريخ 30/11/1917 إلى هذه الحقيقة. وقد أعرب مندوبا انكلترا وفرنسا المقيمان في الحجاز صراحة عن سوء نية حكومتهما حينما رفضا الحفلة التي أقيمت في جدة احتفاءً بمبايعة الشريف حسين ملكاً على البلاد العربية. وقد تمت المبايعة في مكة المكرمة في 4/11/1916 وأقيم الاحتفال في جدة لكي يتسنى لهذين المندوبين حضوره ولكنهما لم يحضرا لأن حكومتيهما لم تعترفا بالشريف حسين ملكاً على البلاد العربية بل ملكاً على الحجاز ورفضتا منحه لقب صاحب الجلالة بل دعته بصاحب السيادة وأحياناً بصاحب السمو.

    كانت الأمور، اذن، ظاهرة منذ البداية ولكن الشريف حسين لم يعد قادراً على الرجوع كما أنه كان صادقاً في ثورته وظل يحسن الظن بانكلترا.

    فلما انجلت الحرب ورأى العرب أنفسهم أنهم أصبحوا أكثر فرقة وشتاتاً مما كانوا عليه من قبل وانهم أصبحوا محكومين بأسماء مخترعة، منها الانتداب والحماية والتحالف والاستعمار والقوة، بعد أن كانوا شركاء الدولة العثمانية في الحكم، اسقط في أيديهم وكانت ردة فعلهم عنيفة ويأسهم من حلفاء الأمس عظيماً ولكنهم لم يتحركوا بل ظلوا يعيشون بالآمال، اللهم إلا ما قيل عن مراسلات جرت بين الشريف حسين وبين مصطفى كمال ومراسلات جرت بين بعض رجالات سوريا وبين مصطفى كمال أيضاً ولكنها دفنت في المهد. وبدهي أن هذه المراسلات لم تكن تنفع شيئاً لأن مصطفى كمال نفسه كان بحاجة إلى المعونة من جهة ثم إنه لم يكن من الناس الذين يحبون العرب أو يعطفون عليهم من جهة ثانية.

    ولعل السبب في عدم قيام العرب بحركة هو تقطيع أوصالهم وانعدام القيادة الموحدة فيهم وفقدان التنظيم السياسي وعدم وجود جيوش نظامية ثم وجود جيوش فرنسية وانكليزية في البلاد وهي لم تعد جيوشاً حليفة بل أصبحت جيوشاً غازياً.

    وبينما كان العرب غارقين في بحور تأملاتهم يستجدون عطف حلفائهم تنبه السلطان وحيد الدين للأمر وأدرك أن بقاء الأناضول بلداً مستقلاً أمر لازم لأعداء الدولة العثمانية كما أن أدرك بأن الحصول على الاستقلال لن يتم إلا بالسعي إليه فاوعز إلى مصطفى كمال بأن يقوم بثورة مسلمة وكان ما كان مما أسلفنا ذكره.

    هذا ما كان من أمر المغلوبين وأما ما كان من أمر الغالبين فقد ادركت انكلترا، وهي التي تحتل استانبول، انها لا تستطيع ابتلاع البلاد العثمانية كلها وان حصتها من البلاد العربية كافية لها وأن تماديها في استفزاز الشعور الإسلامي قد ينقلب عليها ويضر بمصالحها ولا سيما في شبه الجزيرة الهندية والباكستانية، التي كان يهمها امرها كثيراً، وأن الثورة التركية انما هي الخطوة الأولى وربما تبعتها ثورات وبالتالي فإنه لا بد من الهاء العالم الإسلامي بهذه الثورة، التي علق عليها المسلمون كل آمالهم في إحياء الخلافة، وعلق الغربيون عليها آمالهم بأن تكون هدماً للخلافة واجتثاثاً لجذور الإسلام من البلاد حتى لا تقوم لها قائمة، ولذا فان نجاحها كان يهم الانكليز أكثر مما يهم المسلمين، لأنها بهذه الثورة تصرف العرب عن التفكير بانفسهم وتعلق آمالهم على الثورة التركية، من جهة، وتكون، من جهة ثانية، قد ثبتت أقدامها وأقدام حليفتها فرنسا في البلاد العربية فإذا صحا العرب لا يجدون لأنفسهم مخرجاً مما وقعوا فيه.

    عمل الانكليز جهدهم لإنجاح الثورة التركية بدليل أنهم لم يساعدوا اليونان بشيء، وبما قاموا به من دعاية للثورة ذاتها ولشخص مصطفى كمال حتى جعلوا الناس يظنون أن الخلافة الإسلامية أصبحت في متناول أيديهم وأنها قد استعادت مجدها وأن مصطفى كمال هو نور الدين زنكي أو صلاح الأيوبي أو حتى عمر بن الخطاب ونسي المسلمون مصائبهم فرحاً بانتصارات مصطفى كمال التي اعتبروها الخطوة الأولى نحو تحقيق آمالهم الإسلامية. غير أن ما حدث بعد ذلك خيب آمال المسلمين، ولكن الفرصة كانت قد فاتت ولم يعد بمقدورهم أن يفعلوا شيئاً بعد أن تفرق شملهم، وبعد أن انتزع عبد العزيز بن السعود الملك من الحسين، خليفة المسلمين المنتظر، فأخذه الانكليز وسجنوه في قبرص إلى أن توفي وجازوه جزاء سنمار.

    كان الغرب عامة والانكليز خاصة يفضلون وجود دولة تركية ضعيفة مشذبة الأطراف بعيدة فكراً ومبدأ وروحاً عن البلاد العربية المجاورة على أن يسيطروا هم على الأناضول لأن وجود أية دولة أوروبية في الأناضول باسم الاستعمار أو الحماية أو الانتداب سيجعل الاحتكاك مع الروس مستمراً بينما وجود دولة تركية ضعيفة سائرة في ركاب الغرب أضمن للغرب وأنفع له.

    وإذا كان الانكليز قد نكثوا عهودهم مع العرب لأنهم أدركوا ضعفهم وشتات كلمتهم وعدم اتفاقهم على رأي ولأنهم كانوا يعلمون بأنهم لن يتنازلوا عن دينهم ولا عن قوميتهم الإسلامية فإنهم قد ساعدوا مصطفى كمال، أو إن شئت فقل أنهم لم يناهضوه، لأنهم كانوا يعلمون أنه سيعطيهم كل ما يطمعون به وذلك لأن الاستعمار لم يعد، في أيامنا هذه، استعمار أرض وسماء وسيطرة عسكرية وحكماً مباشراً بل أصبح استعمار أفكار ومبادئ وأهداف، وقد أصبحت تركيا مستقلة في ظاهرها وفيما لا يضر الغرب ولكنها مستعمرة في أفكارها ومبادئها.

    لقد جرب الانكليز العرب وامتحنوا إخلاصهم فوجدوهم لا يصلحون لصداقتهم لأنهم صادقون مع أنفسهم وإذا كان الملك حسين قد رضي بالسجن والنفي ولم يرض بأن يسجل التاريخ عليه أنه رضي بالوطن القومي اليهودي، مع أن رضاه أو عدمه لم يكن ليقدم ولا ليؤخر شيئاً، فمن البدهي الا يكون أداه طيعة في أيدي أهل الغرب ولذا فقد لاقى منهم العداوة والبغضاء.

    لقد فرح المسلمون في العالم كله بنجاح الثورة التركية ولكن فرحتهم لم تطل بعد أن أدركوا ابعادها ومراميها ورأوا نتائجها ولمسوها في أنفسهم وفيما يعانون من أوضاع. ويحاول اليوم كثير من الأتراك المخلصين الرجوع إلى ماضيهم ولكنهم لا يستطيعون لأن الثورة قد ضربت بينهم وبين ما يبتغون سداً منيعاً لا يقدرون على النفوذ منه بعد أن قطعتهم الثورة من جذورهم وأبعدتهم عن تاريخهم ولغتهم وثقافتهم.

    لقد ربح أهل الغرب بهذه الثورة شيئاً كثيراً لم يكونوا يحلمون به ولكن هذا الربح لم يأتهم مجاناً وهم نائمون بل لقد علموا له قروناً "وأن ليس الإنسان إلا ما سعى".
    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) Empty رد على موضوع الاخ احمد

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الأربعاء نوفمبر 19, 2008 3:51 pm

    center]نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) 716041787[/center]


    و



    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) 251040571

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) 180321267

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) 200851077

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) 143778974

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) 597034296
    avatar
    سوسو (ابتسام)
    عضو مثمر
    عضو مثمر


    عدد الرسائل : 125
    العمر : 36
    المزاج : راضية عن نفسي
    نقاط : -1
    تاريخ التسجيل : 17/10/2008

    نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية) Empty رد: نهاية الخلافة الإسلامية (الثورة الكمالية)

    مُساهمة من طرف سوسو (ابتسام) الأربعاء نوفمبر 19, 2008 10:33 pm

    جزاك الله كل خير

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 11:16 pm