ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    ملامح النحو العربي في برنامج تعليم العربية لغير الناطقين بها

    أحمد
    أحمد
    إدارة ثمار الأوراق
    إدارة ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 16791
    الموقع : القاهرة
    نقاط : 39117
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    ملامح النحو العربي في برنامج تعليم العربية لغير الناطقين بها Empty ملامح النحو العربي في برنامج تعليم العربية لغير الناطقين بها

    مُساهمة من طرف أحمد الخميس يناير 22, 2015 2:30 am

    الملخص:
    إنَّ النحو الذي نقدِّمه للأجانب الذين يدرسون العربيَّة كلغة ثانية أو أجنبية، يَجب أن يكون مغايرًا عمَّا نقدِّمه لأبناء اللُّغة، من حيث طريقةُ العرْض والتَّنظيم، والكمّيَّة والنَّوعية؛ وهذا لأنَّ طبيعة الطَّلبة تَختلف تمام الاختِلاف من جوانب كثيرة، كالخبرة والقدرة اللغويَّة والبيئة اللغويَّة والاجتماعيَّة والأهداف التعلميَّة، والاختلاف أيضًا قد يكون في الدَّوافع والسُّلوك واحتياجات الطَّلبة في النَّحو واستعداداتهم في تعلُّمه.
     
    إنَّ الطَّالب الأجنبيَّ في المرحلة العامَّة من التعلُّم ليس لديْه قدرة لغوية كافية كما يملكها النَّاطق الأصلي، فهذا البحث يهدِف إلى عرض إطار نظري حوْل أسس اختِيار موضوعات نحويَّة، وبيان ملامِحها في برنامج تعْليم اللُّغَة العربيَّة للأجانب، والَّتي يحب أن يفْهَمَها معلِّمو اللغة ومصَمِّمو البرنامج التَّعليمي، ولقد قام الباحث بالاطِّلاع على كثيرٍ من الكتُب في طرُق تعليم اللُّغات والبحوث العلميَّة لوضع ملامح أساسيَّة، أو مواصفات مهمَّة للنَّحو العربي، في برنامج تعليم العربيَّة لغير النَّاطقين بها، ومن تلك الملامح: الغائيَّة، والتكامليَّة، والتدريبيَّة، والسياقيَّة، والأمثلة، والإفادة، والضروريَّة، والتدريجيَّة، والأهميَّة، والوضوح، والتناسبيَّة، والسهولة، والشيوع. 
     
    المقدِّمة:
    تُعتبر قواعد اللُّغة العربية من أكثر المجالات غموضًا وصعوبة في منهج تعْليم اللغة بشكل عامّ، وهذه الصعوبة لا تقتصِر فقط على متعلِّميها من غير الناطقين بها؛ بل تنسحِب أيضًا على أبنائها، ويَرى كثيرٌ من المتخصِّصين في تعليم اللُّغة العربية هذه الصُّعوبة ويقدِّرها؛ فيقول حسين قورة: "إنَّ قواعدَ اللغة العربية متشعِّبة ومتعدِّدة، ومبنيَّة في تشعُّبها على أُسُس نُطْقيَّة وفلسفيَّة لا يكاد يدخُل إليها الدَّارس من أبناء العربيَّة نفسِها ليسبُر غورَها حتَّى ينزلق إلى متاهات قد يضلُّ فيها المسالك، تلك المسالك التي عبَّر عنها عيسى الناعوري بأنَّها فلسفات لغويَّة تكثر فيها التَّسميات والقياسات، والتَّفريعات والتَّخريجات والجوازات"[1].
     
    هذه وجهة نظر عربيَّة، فإذا أخذنا وجهة نظر غير عربيَّة، نجد فيشر في معرِض حديثِه عن معالجة القواعد في كتُب تعليم اللُّغة العربية يقول: "لقد قام العرب بوضْع نظام خاصّ بالقواعد بالنِّسبة للغتهم، وقد تمَّت صياغةٌ لهذا النظام من أجل العرب الرَّاغبين في تعلُّم العربية الفصيحة، ولكنَّه لا يناسب غير العرب"[2].
     
    إنَّ قضيَّة تعليم النَّحو العربي للأجانب يشغل عقول المدرِّسين ومصمِّمي برنامج تعليم العربية للأجانب، وتلك المشكلات تتمثَّل عادة في اختيار الموضوعات المناسبة، وطريقة التدريس، والأمثلة والتدريبات، وفي تَحديد الأهداف.
     
    ويقول محمود كامل الناقة: قبل أن نَقوم بتقْديم أيِّ جُزْء من القواعِد، علينا أن نسأل أنفسنا: هل ما نقدِّمه مفيدٌ ونافع للدَّارسين؟ هل هو ضَروري لتحْقيق أهدافهم من تعلُّم اللغة؟ هل هذا هو الوقْت المناسب لتقديمه؟ لماذا ندرس النَّحو بهذا المحتوى وبتلك الطَّريقة فقط دون غيرها؟[3]
     
    إنَّ الطالب الأجنبي في المرحلة العامَّة من التعلّم ليس لديه قدرة لغوية كافية كما يملكها الناطق الأصلي، وإنَّه يعيش في بيئة غير عربيَّة وفي مجتمع أجنبي، ولديْه عادات تَختلف عن العربيَّة، وهذه كلها بالطَّبع لم تهيِّئه لتعلُّم اللغة العربيَّة كما حدث عند الطَّالب العربي، وكذلِك بالنِّسبة للأهداف من تعلُّم العربيَّة أيضا تختلِف بين الأجنبي والعربي، فليس هناك وجه للمقارنة بين صنفين من الطلبة؛ ولهذا فإنَّ النَّحو الذي يراد تعليمه لهذيْن الصِّنْفين من الطَّلبة يجب أن يختلف إلى حدٍّ ما، ولا بدَّ كذلك أن يَحمل صفات خاصَّة ومميِّزة تفرقه بالنَّحو الذي يراد تعليمه لأبناء العرب.
     
    وبناء على تلك الاختِلافات الداخليَّة والخارجيَّة السَّابقة؛ أراد الباحِث في هذه الورقة المتواضِعة أن يضع بين أيْدي القارئ مواصفات وملامح للنَّحو العربي لغرضٍ خاصّ، وهو للأجانب أو لغير الناطقين بالعربيَّة، وبعد أن قام الباحِثُ بالاطِّلاع على مَجموعةٍ من الكتُب في مجال تعْليم اللُّغات والبحوث العلميَّة استطاع أن يرسُم ملامحَ أساسيَّة أو مواصفات مهمَّة للنَّحو العربي في برنامج تعليم العربيَّة لغير النَّاطقين بها، ولعلَّ هذه الملامح يمكن أن تكون أُسسًا ومعاييرَ مفيدة يَبني عليها مؤلِّف كتاب النَّحو، أو مصمّم برامج تعليم العربية لغير النَّاطقين بها، وتلك الملامح هي كالآتي:
     
    1-الغائيَّة:
    أنَّ النحو الذي نريد أن نعلِّمه لا بدَّ له من أهداف وأغراض واضحة ومرتبطة بالمهارات اللغويَّة، وتلك الأهداف يجب أن تكون متماشية مع أهداف التَّعليم والتعلُّم، وهي خلق السلوك اللغوي السَّليم لدى المتعلمين، وكما يقول رشدي أحمد طعيمة: "إنَّ هدف تدريس النَّحو ليس تَحفيظ الطَّالب مجموعةً من القواعد المجرَّدة أو التَّراكيب المنفردة، وإنَّما مساعدته على فهْم التَّعبير الجيِّد وتذوُّقه وتدرُّبه على أن ينتجه صحيحًا بعد ذلك، وما فائدة النَّحو إذا لم يُساعد الطَّالب على قراءة النَّصّ فيفهمه، أو التَّعبير عن شيء فيجيد التَّعبير عنه؟![4]
     
    وقال أحمد مدكور: "الهدف من دراسة القواعد النحويَّة هو تقويم الأذُن واللِّسان والقلم؛ أي: إقدار الفرْد على الاستماع والكلام والقراءة والكتابة بطريقة صحيحة"[5].
     
    وهناك دروس نحويَّة تقدَّم في الكتُب النحويَّة بدون أهداف واضحة، يُمكن ربْطها بالمهارات اللغويَّة، وبالإضافة إلى ذلك تُوجد موضوعات نحويَّة تُعرض وتشْرَح بالتَّفاصيل تشْمل الخلافات المذهبيَّة وآراء النُّحاة، ومثل هذه المواد أو الخبرة التَّعليميَّة بالتَّأكيد لا تُساعد الطَّلبة على تكوين السلوك اللغوي السليم كما قصده طعيمة وعلي مدكور في تعريفِهما من قبل؛ ولهذا فإنَّ تَحديد الأهداف لكلِّ درسٍ نحوي وربْطها بالمهارات اللغوية ضروري؛ لأنَّها تساعد المدرِّس في عملية التَّعليم، خصوصًا في إجراء التَّدريبات التي تهدف إلى رفع مستوى الأداء اللغوي، إضافةً إلى ذلك أنَّها تحدِّد نشاطات المدرِّس حتَّى لا ينحرف كثيرًا عن تلك الأهداف المرسومة.
     
    2- التكامل:
    المقصود به هنا: هو تنظيم الدُّروس النَّحويَّة بطريقة متكامِلة؛ أي: بربْطها بالفروع اللغويَّة الأُخرى كالإنشاء والقراءة والحوار، وألاَّ ندرِّس النَّحو كمادَّة مستقلَّة عن فروعها اللغويَّة، ويقول داود عبده: "إنَّ تعلُّم اللغة كوحدة متكاملة لا كفروع مستقلَّة: فرع القراءة، وفرع القواعد، وفرع الإملاء، وفرع التعبير، وفرع الخط.. وهو أمر يُمكن تطبيقه على أيِّ نصّ لغوي؛ لأنَّ الوحدة اللغويَّة موجودة في أيّ نصّ لغوي مهما كان، وبالتَّالي فإنَّ طريقة الوحدة في تعليم اللغة ليست متوقِّفة على وجود كتاب معدٍّ لهذه الغاية"[6].
     
    ويقول حسن شحاتة: "إنَّ من الواجب أن ندرس قواعد النَّحو في ظلّ اللُّغة، ولكن على ألاّ يكون ذلك في حصص خاصَّة بها؛ أي: إنَّه من المستحسن أن نستمدَّ منه دروس القراءة والتَّعبير حافزًا يدفع التلاميذ إلى دراسة القواعد، بأن ننتهِز فرصة خطأ نحوٍ شائع بينهم في القراءة أو التَّعبير، فنعجِّل بشرح قاعدة ذلك، والتَّطبيق عليها في الحصَّة الخاصَّة بالنَّحو، ولا نتقيّد بترتيب أبواب المنهج المدرسي"[7].
     
    ويقول عبَّاس محجوب: إن هناك سببين لضعف الطَّلبة في الدروس النَّحويَّة، الأوَّل: هو تدْريس القواعد كمادَّة مستقلَّة منفصلة، والثاني: هو التَّركيز في تعليم النحو على القواعِد وإغفال الجانب المهمّ في تعلّم اللغة وتذوُّقها، وهو جانب التذوُّق اللغوي والإحساس باللغة، وطرُق استِعْمالها[8].
     
    في المنهج القديم نَجِد أنَّ النَّحو يُدرَّس كمادَّة مستقلَّة ومنفصلة عن الدُّروس اللُّغويَّة الأُخْرى؛ كالتَّعبير والحوار، وقراءة النَّصّ والإملاء، وبِهذه الطَّريقة يشعر الطَّالب بوجود حاجزٍ أمامَه، ويتصوَّر أن تلك الدروس مختلفة تمامًا عن الأخرى، بالرَّغم أنَّها كلها فروع اللغة التي ترتبط بعضها ببعض.
     
    3- التناسُبية لمستوى الطالب:
    إنَّه لا بدَّ من تنسيق منهج النحو العربي حتى يكون مناسبًا بمستوى الطَّلبة الأجانب، من حيث المحتوى واللغة واحتياجاتهم، ولا بدَّ أن نربط اللغة والمنهج بالمهارات اللغويَّة لدى الطَّلبة، وأن نراعي مستوى اللغة عندهم يَختلف اختلافًا كبيرًا عن الطلاَّب العرَب؛ ولهذا فإنَّ المنهج النَّحْوي للأجانب يَجب أن يكون سهلاً ومناسبًا لمستوى الطّلاب الأجانب لغويًّا وكمِّيًّا.
     
    ومن حيث المراحلُ التعليميَّة، نجد أنَّ احتياجات الطلاَّب العرب للنَّحو العربي في المراحل الثلاثة، الأولى والثانية والثالثة تَختلف عن احتِياجات الأجانب، ويَجب أن يكون ذلك الاختِلاف كذلك في المرحلة الثَّانويَّة والجامعيَّة، وفي هذا الصَّدد يقترح عابد توفيق ويقول: "عدم الإيغال في دقائق الموضوع والوجوه المتعدِّدة له والشَّواذّ عن القاعدة، وحِفْظ الشَّواهد فيه، واختِلاف الآراء والمذاهب النَّحويَّة، وضرورة البُعد عن الاستِطْراد في الموضوعات النَّحويَّة التي لا تُفيد الطَّالب في مواقع الحياة؛ كدقائق الإعراب وما يتَّصل به من بناء وإعْراب تقْديري ومحلّي، ويحسن بالمدرِّس العناية ببيان معاني الأدوات اللغويَّة وطريقة استِعْمالها في الكلام، وبيان أثرها الإعرابي دون تفصيل"[9].
     
    4- التدريبية والتطبيقية:
    إنَّ النَّحو العربيَّ الَّذي يقدَّم للطَّالب الأجنبي أو لغير النَّاطقين بالعربيَّة يجب أن يحتوي على مجموعة من التدريبات الكافية، وقال الركابي تأكيدًا على ذلك: "ألاّ يقتصر المدرّس في درس القواعد على مناقشة ما يعرض من الأمثلة، واستنباط القاعدة وتقْريرها في أذهان التلاميذ؛ بل عليْه أن يكثر من التدريبات الشفهيَّة المتركِّزة من أسس منظَّمة من المحاكاة والتكرار؛ حتَّى تكون العادة اللغوية الصحيحة عند التلاميذ"[10].
     
    إنَّ الهدف من التَّدريبات هو تثبيت القواعد النَّحويَّة في ذهْن الطَّالب، ونقلها في الاستعمال الواقعي في حديثهم وكتابتهم، ولقد أشار محمود كامل الناقة إلى الأدوار الثلاثة التي يُمكن أن تلعبها التدريبات في برنامج تعليم اللغة الأجنبية: أولاً: أنَّها تستطيع أن تحدّد وتوضِّح الأهداف المقرّرة من المنهج، وثانيًا: أنَّها تستطيع أن تُثير دوافع الطَّلبة للتعلُّم، وثالثًا: أنَّها تستطيع أن تقيِّم تحصيل الطلبة في الغرفة الدراسيَّة[11].
     
    ولقد اقترح النَّاقة مواصفات عامَّة للتدريبات اللغوية، وهي كالآتي:
    - أن تتعدَّد أشكال التَّدريبات إن أمكن ذلك.
    - أن تكون التدريبات تثير الدَّارس إلى العمل الإضافي، كالواجب المنزلي والاعتماد على النَّفس في عملية التعليم الذَّاتي.
    - أن تصمَّم التدريبات في كلّ درْس بِحيث تصِل بالدَّرس إلى استخدام مُحتواه اللّغوي بشكْل فعَّال.
    - تركز التَّدريبات على التَّقابل بين اللغة العربية ولغة الدارس، وعلى ما يسبّب صعوبات ومشاكل للدَّارس.
    - تركز التدريبات على المشاكل الأُخرى الناتِجة عن دراسات تحليل الأخطاء[12].
     
    وينصّ رشدي أحمد طعيمة على أمور يَجب مراعاتها عند إعداد التَّدريبات، وهي:
    - أن تكون متنوّعة بحيث يعالج منها مهارات لغويَّة أو تذوقيَّة معيَّنة.
    - أن تكون كثيرة بحيث تغطِّي أكبر عدد من المهارات اللغويَّة والتذوقيَّة.
    - ألا يقتصر على تنمية وقياس الجانب العقلي، وإنَّما يجب أن تعالج التدريبات أيضا المهارات الوجدانيَّة والجماليَّة التي تندرج تحت مفهوم التذوّق الأدبي.
    - أن تجمع التدريبات التقويميَّة بين الاختبارات الموضوعيَّة واختبارات المقال.
    - أن تتيح للدَّارسين فرصة القراءة الجهْريَّة التذوقية.
    - أن يخصّص بعضها للعمل الجماعي في الفصْل وتوزيع المسؤوليَّات بين أكبر عددٍ من الدَّارسين.
    - أن تخصّص بعض التَّدريبات لإسماع الدَّارسين قصائد مسجَّلة بصوت جيد تساعدُهم على الإحساس بمتعة الاتِّصال بالتراث العربي[13].
    - إنَّ تدريس القواعد النَّحوية لا ينتج نتيجة مرجوَّة إذا لم نتبعه بتدريبات كافية، وإنَّ فهم الطَّالب للقواعد النَّحوية لا يكفيه لتكوين السلوك اللغوي، وإنَّ السلوك اللغوي عادة تُكتسب من خلال تدريبات وتطبيقات كثيرة ومستمرة[14]؛ ولهذا فإنَّ المنهح النحْوي لا بدَّ أن يحتوي على تدريبات كافية لمساعدة الطَّلبة في تقويم السّلوك اللغوي.
     
    5- الأمثلة:
    إنَّ القواعد المقدَّمة للطلبة يجب أن تكون أمثلتها كثيرة وكافية، وسهلة ومرتبطة بحياة الطلبة، وكثرة الأمثلة تساعد الطَّلبة في استِنْتاج القواعد النحويَّة المدْروسة، ورأى إي أه مينج Ee Ah Meng أنَّ الأمثلة المقدَّمة للطلبة يجب أن تكون كافية وواضحة؛ وبهذا يستطيع الطَّالب أن يستنتج القواعد المدروسة ويبني عليها التصور أو النظرة[15]، وينصح عبدالحميد فايض مدرس اللغة باختيار الأمثلة وإكثارها قبل أن يستنتج القواعد حتَّى تكون راسخة وثابتة في ذهن الطالب[16].
     
    وعند اختيار الأمثلة يجب أن نُراعي كذلك معيار السهولة من حيث الكلِمةُ والتَّراكيب، وأن نستبعِد الأمثلة التي فيها خلافات عند عُلماء النَّحو، والافتراضات التي لم تكن موجودة في اللغة؛ وذلك لأنَّه يجعل عمليَّة تعليم النَّحو صعبة[17].
     
    وإضافة إلى ذلك فإنَّه يحسن ألا تُختار الأمثلة من الشعر العربي؛ وهذا لأنَّه بعيد عن حياة الطلبة، وقليل الاستخدام مع صعوبة الفهم، ومن هذا المنطلق يدْعو الباحث ألا تُحشى كتب النحو وكتب تعليم العربية بالأبيات الشعريَّة، ولا يجوز الاقتداء بما فعله العرب في كتب النحو التي وضعت أساسًا كالشواهد النحويَّة.
     
    6- السياقية والموقفية:
    المقصود بالسياق هنا: هو أنَّ الأمثلة القاعديَّة والنَّحويَّة يجب أن تُوضع في سياقات لغويَّة أو جملة مناسبة، ويقول حسني عبدالهادي: "تذكَّر دائمًا أنَّك تشرح النَّحو الذي هو علم الجملة، ففكِّر في درسك بالجملة واشرح بالجملة، وابْنِ بدقَّة صورة الجملة العربيَّة في أذهان تلاميذك"[18].
     
    وقال أيضًا: "إنَّ الغرض من تدريس القواعد هو أن تكون وسيلة تُعين الدارس على تقويم لسانه وعصمة أسلوبه من اللحن والخطأ، وإنَّ الطريقة لتحقيق هذه الغاية هو أن تدرس القواعد في ظلّ اللغة، وذلك بأن تختار أمثلتها وتمريناتها من النّصوص الأدبيَّة السهلة التي تسمو بأساليب التَّلاميذ، وتزيد ثقافاتِهم وتوسّع دائرة معارفهم[19].
     
    إنَّ الدراسة النَّحويَّة لا بدَّ أن ترتبط بمواقف الحياة فضلاً عن السياق اللغوي، وقال الأستاذ الدكتور أتان لونج Atan Long: "إنَّه من الأحسن أن يُوجِد المدرّس المواقف الحقيقيَّة في التعلّم، ويجب أن يرشد الطلاب حتى يكونوا واعين أنَّ التعليم والنشاطات المدرسيَّة جزء من الحياة"[20].
     
    السياق اللغوي الاتّصالي وسيلة لتعليم التَّركيب اللُّغوي أو القاعدة، وهذه الطريقة ترى أنَّه لا ينبغي الحديث حول اللغة قبل أن نعرِف كيف نتحدَّث بها، وهي تُنادي بأن يتعلَّم المبتدئ القواعد عن طريق السَّيْطرة على الجمل الأساسيَّة واستِخْدامها وظيفيًّا، ولعلَّ هذا يذكِّرنا بأنَّ الَّذي يتعلَّم لغته الأمَّ يتعلَّمها هكذا قبل أن يدخل المدرسة، إنَّه لم يجلس في ركن منعزِل ليحفظ قواعد اللغة، ولكنَّه خرج إلى المجتمع ولعِب مع الأصدقاء وأقرانه وخالطَ الكِبار والصِّغار وتعلَّم منهم وعلَّمهم؛ ومن ثم عليْنا أن نتيح نفس الفرصة لمتعلّم اللغة الأجنبيَّة لكي يسيْطِر على التَّراكيب والجمل الأساسيَّة أوَّلاً، ثم ننتقِل به بعد ذلك إلى تقْديم القواعد في صورتِها الوصفيَّة[21].
     
    وعلى حسب أصحاب نظريَّة السّياق، فإنَّه من خلال ملاحظة اللّغة وتقليدها في المواقف الحقيقية يستطيع الدارس أن يسيطر على القواعد عن طريق الاستنتاج، ودون الحاجة إلى معرفة واعية تفصيلية في شكل قواعد نحو[22]؛ وبناء على هذه الآراء نستطيع القول بأنَّ الدروس النحويَّة يَجب تنسيقُها في سياقات لغوية لها علاقة مباشرة بِحياة الطلبة، وهذا لفتح مجال الممارسة والتَّطبيق بشكل واسع أمامهم.
     
    7- الإفادة:
    إنَّ القواعد النحويَّة التي نقدّمها للطلبة يجب أن تكون أيضًا من النَّوع الذي يستفيد منها الطلاب، وتساعدهم في رفع مستوى الأداء اللغوي، وهناك كثيرٌ من الموضوعات النَّحويَّة التي تتعلَّق بالنَّحو، في المنهج أو المقرَّر الدِّراسي لا تُساعدهم في ذلك؛ بل تَجعل عمليَّة التعلُّم صعبة ومعقَّدة؛ ولهذا ينفر منه الطَّلبة، وكما قال زكريا إسماعيل: "هناك الكثير من الموضوعات المغْرِقة في التخصص، فلا داعي لتدريسِها في مراحل التعليم العامّ؛ لأنَّها لا تخدم الهدَف الأساسي من تدريس النحو، وهو ضبط الكلام وصحَّة النطق والكتابة"[23].
     
    وعلى نفس المقصود يقول محمود كامل النَّاقة: "أن تَعْرِض المادَّة بحيث تقدّم ما يمكن تعلّمه، لا ما ينبغي أو يجب معرفته"[24]، وقال الركابي في هذا الصَّدد: "علينا أن نختار من القواعد ما له أهمية وظيفيَّة وفائدة في عمليَّة الكلام، جاعلين من درس القواعد وسيلة محبَّبة تعين على سلامة اللسان والقلم من الخطأ، دون الإيغال في سرْد التَّفاصيل النحويَّة والشَّواهد اللغويَّة وحِفْظ المصطلحات"[25].
     
    ولعلَّ هذا الملمح يظهر بما نسميه بالنحو الوظيفي، والنحو الوظيفي يَختار من النحو الَّذي له علاقة بأساليب وأنماط لغويَّة مستخدمة في حياة الطلبة اليوميَّة.
     
    إنَّ دراسة النحو يجب أن تُوجّه إلى مهمتين أساسيتين، هما: التعليم والاكتساب.
     
    إنَّ عمليَّة التعليم يمكن أن تنطلِق من طريقة نحويَّة عامَّة وسهلة وغير معقَّدة، وبعيدة من المصطلحات التي لا تعطي فوائد كثيرة للطَّلبة، وأمَّا عملية الاكتِساب، فيُمكن أن تحدث من خلال الأمثلة الكافية، وبهذه الطَّريقة يستطيع الطَّلبة الاستفادة منها، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة.
     
    8- الضرورية:
    إنَّ المنهج النَّحويَّ يجب أن يتَّصف بالضَّروريَّة؛ أي: بتقديم الدروس النحويَّة الضرورية فقط للطلبة، طبقًا لمستوياتهم التعليميَّة، وهذا الملمح له علاقة بالفائدة؛ وهذا لأنَّ شَكل النحو الذي يفيد الطلبة كثيرًا في الكلام والكتابة هو الشَّكل الذي يجب تقديمه وتدريسه للطلبة، وبعبارة أخرى: إنَّ شكل النحو الذي لا يُفيد الطلبة أو أقلّ فائدة لهم يَحسن استبعادُه، أو تأجيل تدريسِه إلى وقت آخر حتَّى يصل الطلبة إلى مستوى الأداء اللّغوي العالي، أو في مستوى التخصّص.
     
    في مرحلة تعلّم اللغة ينبغي أن يُقدم للطَّلبة النحو الأساسي حتَّى يستطيعوا تطبيقه بطريقة صحيحة، سواء في الكلام أم في الكتابة، يقول زكريا إسماعيل: إنَّ هناك الكثير من الموضوعات المغرقة في التخصّص، فلا داعيَ لتدريسها في مراحل التعليم العامّ؛ لأنَّها لا تخدم الهدف الأساسي من تدريس النحو، وهو ضبط الكلام وصحَّة النطق والكتابة[26].
     
    وهناك محاولات عديدة في تَحديد الموضوعات النحويَّة الأساسيَّة، ولقد قام محمود أحمد السيد في دراسته للحصول على درجة الدكتوراه الَّتي كانت تحت موضوع: "أسس اختيار القواعد النحويَّة في منهج تعليم اللغة بالمرحلة الإعدادية"، ولقد توصَّل الباحث إلى واحدٍ وعشرين موضوعًا أساسيًّا وهي: المضارع وأحواله، والفاعل ونائب الفاعل، والمبتدأ والخبر، وإنَّ وأخواتها، وكان وأخواتها، والمفعول به، والمفعول فيه، والحال والاستثناء والتَّمييز، والمجرور بالحروف والمضاف إليْه، وحروف الجر وحروف العطْف، وحروف النصب وحروف الجزم، وأسماء الاستفهام، والإفراد والتَّثنية والجمع، والأسماء الخمسة والنَّعت. (انظر محمود كامل الناقة)[27].
     
    وبناء على تلك الآراء السَّابقة؛ فإنَّه من الضَّروري لمن يقوم بوضْع المنهج النحوي أن يضع في اعتِباره هذا الملمح، وأن يستبعِد غير الضروري من النَّحو العربي.
     
    9- التدرُّجية:
    المقصود بالتدرج هنا هو تقديم النَّحو بطريقة تدريجية؛ أي: من السَّهل إلى الصَّعب وإلى الأكثر صعوبة، ومن الضَّروري إلى الأكثر ضرورة، ويقول ابن خلدون: "اعلم أنَّ تلقين العلوم للمتعلّمين إنَّما يكون مفيدًا إذا كان على التدرّج شيئًا فشيئًا، وقليلاً قليلاً"[28].
     
    والتدرّج على حسب تعريف محمود كامل الناقة: "إدخال نواة التَّراكيب قبل التَّركيب الموسَّع، ويقصد به عدم الإدخال في صورة من صوره الموسعة قبل إدخاله في أبسط صوره، فلا يصحّ مثلاً إدخال تركيب مثل: (هذا الطالب الباكستاني جديد) قبل إدخال (هذا الطالب جديد) وهذا بدوْرِه لا يدخل قبل: (الطالب جديد)[29].
     
    وقال داود عبده: إنَّ اكتساب اللغة عند الأجانب قائمٌ على اكتِساب القواعد اللغوية كما لاحظنا، يتمّ بتعلم التراكيب الأقلّ تعقيدًا أوَّلاً، ثمَّ الأكثر تعقيدًا بتطبيق القواعد اللغوية[30]، وأضاف: "خُذْ مثلاً الصفة وأفعل التَّفضيل، الطفل العربي أو الطَّالب الأجنبي يتعلَّم قاعدة صياغة أفعل التفضيل من الصفة على وزن أفعل، يستطيع أن يصوغ أكبر من كبير، أو أشطر من شاطر، وأشْجَع من شجاع، أمَّا إذا كان الطفل أو الطَّالب الأجنبي قد تعلَّم أشجع قبل أن يتعلَّم شُجاع، فإنَّه لا يستطيع استنتاج الصفة من ذلك، فقد يكون الصّفة على وزن فعيل أو فاعل، أو فعال أو فعل"[31].
     
    وقال داود عبده كذلك: "إنَّ الفعل المتعدي أصعب من الفعل اللازم؛ ولهذا يتعلَّم الطفل "نام" قبل كلمة "نوَّم"، وأفعل التفضيل أصعب من الصّفة؛ ولهذا يتعلَّم الطفل كلمة "حلوان" قبل كلمة "أحلى"[32].
     
    وفي عملية التَّعليم فإنَّ تقديم المعلومات بالتدرّج ضروري؛ وهذا لضمان نجاح وتثبيت المعلومات في أذهان الدارسين، وفي ظاهرة نزول القرآن نَجِد جبريل - عليه السلام - أنزلَه على محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بالتدرُّج، وكذلك نلاحظ في الأحكام الشرعيَّة أنَّها منزَّلة بالتدرج[33]، فعند وضع القواعد النحويَّة يجب أن تكون معيار التدرّج أساسًا في ذلك؛ حتَّى تكون الدّروس النحويَّة منظَّمة وقابلة للتعلّم.
     
    10- الأهمّيَّة:
    المقصود بالأهمّيَّة هنا: أنَّ الخبرات النحويَّة المقدَّمة للطلبة لا بدَّ أن تتَّصف بالأهميَّة، وضرورة تعليمها لغرض الاستِعْمال في الحديث اليومي وفي الكتابة حسب مستوى الطَّالب، لا لغرض المعرفة فقط، فإنَّ عنصر الأهمية له علاقة وثيقة بعنصر الضروريَّة والفائدة، كما سبق الحديث عنها من قبل.
     
    هناك بعض الموضوعات النحويَّة التي لا تهمّ الطلبة، ولا يَجوز تقديمها لهم؛ لضيق مَجال استخدامها في النَّشاطات اللغويَّة شفويًّا وكتابة بطريقة مباشرة، وتلك الموضوعات تدرس على أساس أنها من الظَّواهر اللغوية، ولتوسيع معلومات الطَّلبة فقط، لا لغرض تطبيقي مطلقًا، وفي هذا الصَّدد يقول زكريا إسماعيل: "هناك الكثير من الموضوعات المغرِقة في التخصّص، فلا داعي لتدريسها في مراحل التعليم العامّ؛ لأنَّها لا تخدم الهدف الأساسي من تدريس النَّحو وضبط الكلام وصحَّة النطق والكتابة"[34].
     
    من الموضوعات التي لا تهمّ الطَّلبة في مرحلة التعلّم واكتساب اللغة: الاشتغال والاستغاثة، والإعراب التقديري، والتَّنوين والحذْف، مثل حذف الفاعل والمفعول، والعامل والتَّقديم والتَّأخير، والمصدر المؤوَّل، والمعرب والمبني، وأنواع الخبر والتَّنازُع والتَّصغير؛ لأنَّ هذه الموضوعات تناسب المتخصّصين.
     
    المهمّ أنَّ المعلومات المقدَّمة في مرحلة التعلّم واكتساب اللّغة لا بدَّ أن تكون من المعلومات التي لها فائدة مباشرة ومهمَّة، ويجب ألا تنحرف عن الأهداف المرْسومة في برنامج تعليم النَّحو، وهي لتقويم الألسنة من الخطأ واللَّحن، وإنَّ الموضوعات النَّحويَّة التي تتَّصف بالتفاصيل يَجب إبْعادها عن الطَّلبة في هذه المرحلة.
     
    11- التَّطبيقيَّة:
    المقصود بالتطبيقيَّة هنا: أنَّ القواعد النحويَّة المدروسة يمكن تطبيقها في الكلام والقراءة والكتابة، حيث يستطيع الطَّلبة تطبيقها ويمارسون بها اللغة في داخل الفصل وخارجه، وهي ليْست مجرَّد نظرية وقواعد وافتراضات، ويقول علي جواد الطَّاهر: "إنَّنا نراعي الجانب العملي من النَّحو، وتتسع فيه طريقة منبثقة من كيان الطلبة، ثمَّ نقف عند تمرينات صفّية وبيتيَّة"[35].
     
    وإنَّ التطبيق ليس من لوازم النحو وحْده، وإنَّما من لوازم الموادّ اللغويَّة الأُخْرى كلّها؛ كالمطالعة والتَّعبير والنصوص، وإنَّه لفرصة ثمينة تلك التي تبين للطَّلبة وحدة اللغة العربيَّة وتكامل أجزائها، وتدلُّهم على صلة اللغة بالحياة وحاجة هذه الحياة إلى اللغة"[36].
     
    ويمكن كذلك جعل فروع اللغة العربية كلْها مواد تطبيقيَّة لمادَّة النَّحو، وعدم التَّهاون في أي تقصير لغوي من جانب التلاميذ[37].
     
    إنَّ النشاط اللغوي الذي يمارسه الدَّارس مرتبط بخبراته وما يدور في حياته اليومية، وإنَّ دراسة النَّحو تهدف إلى تقويم اللسان والقلم؛ ولهذا فإنَّ موضوع النَّحو الذي يُختار لا بدَّ له من علاقة تطبيقية بذلك النشاط اللغوي لدي الطلبة؛ إذ ليس من المعقول أن نختار موضوعًا خارجًا عن ذلك النشاط، وكذلك التدريبات والأمثلة الجافَّة لا تساعد الطلبة في ممارسة اللغة وتطبيقها؛ ولهذا فإنَّ الافتراضات والخلافات المذهبيَّة والموضوعات التي ينْدر استخدامها يجب إبعادها من كتب تعليم النحو في المرحلة الهامَّة؛ لأنَّها لا تتنافى مع مبدأ التطبيقية.
     
    ونحن نريد أن نكون واقعيين في مجال تعليم اللغة العربية للأجانب، وعلينا أن نستبعِد الأمثلة الشاذَّة ومتعدّدة الأوجه والمتباينة؛ لأنَّها متنافية بمبدأ التطبيقية، ومن أسباب صعوبة النحو: قلَّة التطبيق، كما يقول زكريا إسماعيل: "بالرَّغم من استجابة التّلميذ أثناء حصَّة النَّحو وإجابته عن الأسئلة التي توجَّه إليه بعد الانتِهاء منها، فإنَّ طريقة التَّدريس نفسها تعتمِد على التَّلقين، ولا تستثير اهتِمامات التّلاميذ لتطبيق ما يدرسونه من قواعد"[38].
     
    ألخص الكلام وأقول: إنَّ النَّحو الذي نريد أن نقدّمه للطلبة هو نحو تطبيقي، وليس نحوًا افتراضيًّا ونظريًّا إعرابيًّا، حيث يستطيع الطَّلبة بعد دراسة مجموعة من القواعد النحويَّة تطبيقها كلامًا وكتابة وقراءة.
     
     12- الوضوح والسهولة:
    إنَّ الحديث عن صعوبة النَّحو ظهر منذ قرون ماضية وحتى الآن، ونجد أنَّ ابن حيَّان والجاحظ وابن مضاء، وطه حسين وايراهيم مصطفى، وأمين الخولي وشوقي ضيف، واللغويين الآخَرين - كانوا يتحدثون عن ذلك، ورأى حسن شحاتة أنَّ: "من أسباب صعوبة النَّحو العربي في المدارس الآن: كثرة الموضوعات في الكتاب المقرَّر التي في الحقيقة يجب استِبْعادها، والسَّبب الثاني يرجع إلى المدرّس نفسه؛ وذلك لأنَّ المدرّس يهتم بنظريَّاته دون الاهتمام بالجوانب التطبيقيَّة إلاَّ بقدر مساعدة الطَّلبة لفهم القواعد وحفْظها استعدادًا للامتحان، وأنَّ أسئلة الامتحان تُصاغ لاختبار فهْم الطَّالب وقدراتهم على الحفظ"[39].
     
    إنَّ المعلومات النحويَّة وموادَّها التي تقدّم للطَّلبة في الدروس النحويَّة يجب أن تُصاغ بسهولة ووضوح، من حيث طريقةُ العرْض والأمثلة والمناقشة والتدريبات، وإنَّ المعلومات النَّحويَّة المعقَّدة والطويلة والكثيرة أحيانًا تجعل الدروس صعبة وغير محبَّبة عند الطلبة، وقال إلياس ديب في ذلك: "فلنجعل شعارنا في تعليم القواعد البساطة والوضوح، فقليلٌ يفيد ويُستوْعَب ويُفهم ويُستخدم خيرٌ من كثير يُحفظ ويردَّد بدون فهم، ثمَّ يتلاشى كضباب كثيف خانق"[40].
     
    ويقول عابد توفيق الهاشمي: "عدم الإيغال في دقائق الموضوع، والوجوه المتعددة له، والشواذّ عن القاعدة، وحفظ الشَّواهد فيه، واختلاف الآراء والمذاهب النحويَّة، وضرورة البعد عن الاستِطْراد في الموضوعات النَّحويَّة التي لا تُفيد الطَّالب في واقع الحياة، كدقائق الإعراب وما يتَّصل به من بناء وإعراب تقديري ومحلّي، ويحسن للمدرّس العناية ببيان معاني الأدوات اللغويَّة وطريقة استِعْمالها في الكلام، وبيان أثرِها الإعرابي دون التفاصيل"[41].
     
    وأخيرًا أقول: إنَّ تعليم النَّحو في مرحلة التَّعليم المدرسي يجب أن تقصر وتكتفي بالمعلومات الأساسية، ويَجب الابتعاد عن الشّروح الطويلة، والإكثار من التَّطبيقات الكتابيَّة والكلامية، وبعبارة أخرى: إنَّ النَّحو الذي يراد تدريسُه هو من النوع الوظيفي والعملي.
     
    13- الشيوع:
    المقصود بالشيوع هنا: نسبة كثرة تكْرار استخدام موضوع النحو في لغة الكتابة والحديث، وإنَّ نسبة كثرة استِخْدام موضوع معيَّن تعتبر معيارًا؛ حيث يمكننا أن نضع هذا الموضوع في قائمة أوليات النَّحو التي لا بدَّ من تدريسها، ويعني هذا أيضًا أنَّه من الأحسن أن نؤجِّل تدريس النَّحو الذي هو أقلّ شيوعًا وأقلّ استِخْدامًا؛ لتجنُّب صعوبة النَّحو وكثْرة الموضوعات في الكتاب المقرَّر.
     
    ويقول محمود كامل الناقة تمثيلاً لذلك الرأي: إنَّ أكثر التَّوابع شيوعًا هو النَّعت، وأقلّ التَّوابع شيوعًا التَّأكيد، وقال: إنَّ الفاعل أكثر المرفوعات شيوعًا، وضمير الغائب أكثر شيوعًا من ضمير المتكلّم والمخاطب، والمفعول به لعامل مذكور هو أكثر المنصوبات شيوعًا[42].
     
    وفي مُحاولة تكوين منهج دراسي جديد للنَّحو العربي، أُجْرِيتْ هناك دراسات عديدة على التراكيب العربيَّة وموضوعات النَّحو التي تتمتَّع بمعيار الشيوع، وغير الموضوعات النحويَّة التي حدَّدها محمود أحمد السيد عند حديثي عن ملمح الضَّروريَّة قبل هذا، هناك دراسة قام بها محمد علي الخولي على 1000 كلمة و144 جُملة، في مختلف المجلاَّت والأخبار والكتُب، والكلِمات التي تستخدم فيها، ووجد أنَّ نسبة استخدام مركَّب وصفي أكثر من مركَّب توكيدي، وأنَّ ضمائر الغائبة أكثر استِخْدامًا من ضمير المتكلّم والمخاطب[43].
     
    ومن هنا نقول: إنَّ اختيار الموضوع الذي يراد تدريسُه للطَّلبة - خصوصًا للأجانب - يجب أن ينبنِي على هذا الملمح، وإنَّه ليس بمفيد أن نختار قاعدة أو أسلوبًا أو مركَّبًا يقلُّ استخدامه أو أنَّ استخدامه نادر، وبهذه الطريقة نستطيع أن نجعل الموادّ المقرَّرة أكثر تقبُّلاً لدى الطَّلبة؛ لأنَّنا نقدّم شيئًا مفيدًا، ونعطي لهم فرص التَّطبيق والممارسة للغة.
     
    الخلاصة:
    خلاصة ما تقدَّم من الحديث عن ملامح النحو العربي للأجانب: يُمكن القول بأنَّ تدريس النَّحو ليس هو الهدف في ذاته، وإنَّما الهدف الحقيقي من تدْريسه هو تقويم اللسان من اللَّحن والانحراف اللغوي؛ وبناء على هذه الدّراسة يدعو الباحث جَميع مصمِّمي البرامج ومؤلّفي الكتب التعليميَّة في القواعد العربيَّة أن يراعوا تلك الملامح أثْناء وضعهم للمنهج النحوي، أو عند تأليف الكتاب المدرسي؛ حتَّى يكون المنهح ونتائح عملهم مبنيًّا على أسس صحيحة لغويَّة وتربوية ونفسيَّة.
     
    ويأمل الباحث أن يظهر في يوم من الأيَّام كتاب نحْوي صالح للأجانب، ينبني على أسس نحوٍ وظيفي، ويراعى فيه تلك الملامح التي يقترحها خبراء اللغة، وحتَّى الآن لم نجِد كتابًا نحويًّا يستطيع أن يخدم الطَّالب الأجنبي النَّاطق بغير العربيَّة، إلاَّ أنَّه متأثِّر إلى حد كبير بالمنهج وشكل الكتاب الذي ألِّف لأبناء العرب، الذي يناسب استخدامه في الدول العربية.
     
    ويُمكن القول أيضًا: إنَّه لا يوجد كتاب يستطيع به أن يتدرَّب الطَّالب من خلال تدريباتِه تدرُّبًا ذاتيًّا بدون المدرس؛ ولهذا لا ننكر أنَّ فشل الطالب للتحدّث والكتابة بطريقة صحيحة يرجع إلى سوء تنظيم الموادّ التعليميَّة في الكتاب المستخدم اليوم في مختلف الهيئات التعليميَّة، وهذا لا يُنفى، وكذلك العناصر الأخرى التي تُساهم في فشل الطَّالب في تحقيق الأهداف من دراسة النَّحو، مثل: عدم كفاءة المدرّسين واستخدام طرُق تدريس غير مناسبة، وعدم الاهتمام بدوافع الطَّلبة في تعلُّم العربية واختيار الموادّ التعليميَّة التي لا تناسب مستوى الطلبة.
     
    وهل نتصوَّر أنَّ هناك طالبًا تخرَّج في المدرسة الدينيَّة العربيَّة، التي قضى سبع سنوات فيها، لا يستطيع أن يعبِّر تعبيرًا صحيحًا ولا يكتب فقرة واحدة، ولا يفرِّق كذلك بين اسم الفاعل والمفعول، وبين الفاعل والمفعول، على الرَّغْم من أنَّه كان يدرس النَّحو والتَّعبير، والفقه والتَّوحيد، والتَّاريخ الإسلامي والأدب العربي، واللغة العربيَّة الاتّصالية كلها باللغة العربية؟ وأين الخطأ؟ وهل الخطأ في المدرس أو في المنهج، أو في طرق التدريس أو في الطلبة أنفسهم؟
     
    وتعبيرًا عن الحزن نحو وضع مستوى اللغة العربية لدى الطلاب الماليزيين، سواء في المدرسة الدينيَّة العربيَّة أو في المدرسة الحكوميَّة الوطنية الدينية SMKA أو في الجامعات المحلّية، يدعو الباحث جَميع المسؤولين في وضع المنهج الدّراسي في العربيَّة، سواء من وزارة التربية أو من المعاهد الأهليَّة أن يُعيدوا النَّظَر وتقويم نتائج عملهم في هذا المجال، وأن يدعوا الخبراء والباحثين المتخصّصين من أساتذة الجامعات المحلّية والعربيَّة؛ للاشتراك في وضع المناهج التَّعليميَّة والكتب المدرسيَّة.
     
    المراجع:
    - أحمد شيخ عبدالسلام، 1996، معايير تحديد القواعد النحوية في تعليم اللغة العربية بوصفها لغة ثانية، ورقة العمل التي قدمت في المؤتمر المنعقد في الجامعة الإسلامية الماليزية 24 - 26 من أغسطس سنة 1996. 
    - إلياس ديب، 1981، مناهج وأساليب التربية والتعليم لتراكيب اللغة العربية: دراسة لغوية، بيروت، دار الكتاب اللبنانية.
    - ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد، دون التاريخ، مقدمة ابن خلدون، بيروت، دار الجيل. 
    - الجرجاني، عبدالقاهر، 1976، دلائل الإعجاز، تحقيق محمد عبدالمنعم الخفاجي، القاهرة، مكتبة القاهرة.
    - جنزرلي، رياض صالح، 1986، التعلم وظاهرة الوحي، في بحوث تربوية ونفسية، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى. 
    - حسن شحاتة، 1992، تعليم اللغة العربية بين النظرية والتطبيق، القاهرة، دار المصرية اللبنانية.  
    - حسني عبدالهادي، دون التاريخ، الاتجاهات الحديثة لتدريس اللغة العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، الإسكندرية، مكتب العربي الحديث. 
    - حسين سليمان قورة، 1969، تعليم اللغة العربية، دراسة تحليليَّة ومواقف تطبيقيَّة، القاهرة، دار المعارف. 
    - الخولي، محمد علي، 1981، دراسة استطلاعيَّة تحليليَّة لتراكيب اللغة العربيَّة، دراسة لغويَّة، القاهرة، دار العلوم للطباعة والنَّشر. 
    - داود عبده، 1984، دراسات في علم اللغة النفسي، جامعة الكويت، مطبوعة الجامعة. 
    -  1979، نحو تعليم اللغة العربية الوظيفيَّة، الكويت، مؤسسة دار العلوم. 
    - الركابي، جودت، 1986، طرق تدريس اللغة العربية، الرياض، دار الفكر.
    - زكريا إسماعيل، 1991، طرق تدريس اللغة العربية، الإسكندرية، دار المعرفية الجامعية. 
    - عباس محجوب، 1986، مشكلات تعليم اللغة العربية: حلول نظرية وتطبيقات، الدوحة، قطر، دون المطبع.  
    - طعيمة، رشدي أحمد، 1989، تعليم العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، الرباط، تونيس: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. 
    - عبدالحميد فايض، 1984. رائد التربية العامَّة وأصول التدريس، بيروت، دار الكتاب اللبنانيَّة.
    - فتحي علي يونس ومحمود كامل الناقة وعلي أحمد مدكور، 1981، أساسيَّات تعليم اللغة العربية والتربية الدينية، القاهرة، دار الثقافة.
    - فولد فيشر، معالجة القواعد في كتب تعليم اللغة العربية، (ندوة تأليف كتب تعليمية للغة العربية للناطقين باللغات الأخرى، الرباط من 4 - 7 مارس 1980م) ص 2. 
    - مدكور، علي أحمد، 1984، تدريس فنون اللغة العربية، الكويت، مكتبة الفلاح. 
    - الناقة، محمود كامل، 1985، وقائع ندوات تعليم اللّغة العربيَّة لغير النَّاطقين بها، ج2، رياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج.
    -  محمود كامل، 1985، خطط مقترحة لتأليف كتاب أساسي لتعليم اللغة العربيَّة للناطقين بغيرها، في وقائع الندوات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ج2، الرياض، مكتب التربية العربي لدول الخليج.
    -  محمود كامل، 1985، تدريس القواعد في برنامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، في مجلة العربية للدراسات اللغوية، ج3، السودان، معهد الخرطوم الدولي.
    -  محمود كامل، 1985، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بلغات أخرى: أسسه ومداخله وطرق تدريسه، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى. 
    - الهاشمي، عابد توفيق، 1987، الموجه العملي لتدريس اللغة العربية، لبنان، مؤسسة الرسالة. 
    المراجع الأجنبية 
    Atan Long. 1980. Pedagogi Kaedah Am Mengajar. Selangor: Fajar Bakti Sdn. Bhd.
    Ee Ah Meng. 1997. Psikologi pendidikan II. Selangor: Fajar Bakti Sdn.Bhd.
     


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    [1]   - حسين سليمان قورة، تعليم اللغة العربية، دراسة تحليليَّة ومواقف تطبيقية، القاهرة، دار المعارف 1969، ص9.
    [2]   - فولد فيشر، معالجة القواعد في كتب تعليم اللغة العربية، "ندوة تأليف كتب تعليميَّة للّغة العربيَّة للناطقين باللغات الأخرى"، الرباط من 4 - 7 مارس 1980م، ص 2.
    [3]   - محمود كامل الناقة، تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى: أسسه - مداخله - طرق تدريسه، جامعة أم القرى،     1985م، ص: 285.
    [4]  - رشدي أحمد طعيمة، تعليم العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، تونيس، رباط: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة 1989، ص20.
    [5]   - علي أحمد مدكور، تدريس فنون اللغة العربية، الكويب، مكتبة الفلاح، 1984، ص 249.
    [6]   - داود عبده، نحو تعليم اللغة العربية الوظيفي، الكويت، مؤسسة دار العلوم 1979، ص 67.  
    [7]   - حسن شحاتة، تعليم اللغة العربية بين النظرية والتطبيق، القاهرة، دار المصرية اللبنانية، 1992، ص 204. 
    [8]   - عباس محجوب، مشكلات تعليم اللغة العربية: حلول نظرية وتطبيقات، دوحة، قطر، دون المطبع، 1986، ص 68. 
    [9]   - عابد توفيق اله

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 7:53 pm