ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    إيديولوجيا عصر ما بعد الايديولوحيا

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 40
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    إيديولوجيا عصر ما بعد الايديولوحيا Empty إيديولوجيا عصر ما بعد الايديولوحيا

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الجمعة يوليو 03, 2009 5:58 am

    إيديولوجيا عصر ما بعد الايديولوحيا




    في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك ما ارتبط به من دول ما كان يسمى بـ”المعسكر الشرقي”، وانهارت الفلسفة الماركسية وانحل مشروعها المجتمعي الاشتراكي، وبفعل هذا الانهيار خفت ذلك السجال “الإيديولوجي” الذي كان محتدا خلال فترة “الحرب الباردة”.
    وعند بداية التسعينات أخذت المنتديات الفكرية والإعلامية تتحدث عن دخول البشرية إلى عصر جديد، وزمن ثقافي جديد “اتفق” على تسميته حينا بعصر “ما بعد الإيديولوجيا”، وحينا آخر بـ“عصر التقنية”، وثالثا بـ“عصر العولمة”... وغير هذه وتلك من العناوين والمسميات التي تختلف في مدلولاتها المباشرة، بيد أنها تلتقي في النهاية عند الاعتقاد بأن هذا العصر هو عصر سيخفت فيه صراع الأفكار والنظريات الشمولية، وسيستعاض عنه بزمن تقني يتم فيه الصراع ليس على المثل الفكرية بل على الثروات المادية، عصر لن تتكتل فيه الشعوب والأمم على وحدة ثقافية تشترك في الاقتناع بها، بقدر ما ستتكتل على مصالح اقتصادية “تشترك” في اقتسامها.
    فما الذي يقصد بنهاية عصر الايديولوجيا؟ وما سمات هذا العصر الجديد عصر “ما بعد الايديولوجيا”؟
    تدل الايديولوجيا، عند القائلين اليوم بنهايتها، على ذلك المنظور الفكري الشمولي الذي يحدد “الرؤية الكلية” للفرد والجماعة إلى العالم. ومن أخص وظائف هذا المنظور الفكري أن يخلع على العالم والوجود معنى ودلالة.
    وإذا رجعنا إلى لحظة ظهور مصطلح “نهاية الايديولوجيا”، فإن هذا التعبير، إن كان قد شاع مع بداية عقد التسعينات من القرن العشرين، فقد ظهر قبل ذلك التوقيت بحوالي ربع قرن، حيث أصدر المفكر دانيل بيل في سنة 1967 كتابا عنونه بـ“نهاية الايديولوجيا”. وقد جاء تعبيره هذا متزامنا مع ابتداء التفكير في طرح مشاريع النهايات، مع الفكر البنيوي، وفلسفة ما بعد الحداثة.. وأعتقد أن التفكير بأسلوب “الما بعد” واستخدام لغة “النهايات”، يأتي دائما لاحقا لأزمة وتحول كبيرين، فنظرية بيل القائلة بنهاية الايديولوجيا جاءت تعليقا وتأملا في نهاية التجربة النازية والفاشية، ونظرية فوكوياما القائلة بـ“نهاية التاريخ” جاءت لاحقة للسقوط الكبير للاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي، بيد أن المشترك في نظريات النهايات هذه هو أنها تكون في الغالب مثل التعليق السياسي الذي يلتصق براهنية الحدث وآنيته ولا يلتفت إلى المحددات والمرجعيات التي أنتجت تلك الأحداث والنهايات، ومن ثم يعجز هذا النوع من التفكير عن إبصار الأبعاد الحقيقية للأحداث. هذا أحد الأسباب التي تفسر، في تقديرنا، سطحية التحليل الذي قدمه فوكوياما، مثلما تفسر محدودية التأمل في نهاية الايديولوجيا الذي أنتجه بيل. فقد كانت هذه وتلك من النظريات مشدودة إلى دوي الحدث، حدث انهيار النازية مع بيل وانهيار الشيوعية مع فوكوياما، ولم تستطع، بفعل هذا الدوي، أن تنصت إلى ذلك النبض الخافت العميق، نبض الأسباب الفعلية للانهيار. حيث يظن هؤلاء أن معنى “موت الايديولوجيا” هو انتهاء الرؤى الشمولية الكليانية مثل الشيوعية، وأن الانتقال إلى ما بعد الايديولوجيا دلالة على ارتقاء الوعي الأوروبي إلى انفتاح الفكر وليبراليته، بينما الصحيح في تقديرنا أن ما يسمى بموت الايديولوجيا يدل على خلل بنيوي أعمق من كل هذا السطح الظاهر، خلل يمس المرجعية الثقافية الغربية بأكملها، حيث يعكس عجزها عن توليد قناعة فكرية وتحديد معنى للوجود والعالم قادر على إقناع العقل وطمأنة الشعور.
    ولإيضاح موقفنا هذا نقول:
    إذا كان القرن السابع عشر، ثم إلى حد ما القرن الثامن عشر أيضا، زمن ابتداع وشيوع الأنساق الفلسفية الكبرى، مثل فلسفات ديكارت وسبينوزا ولايبنز وبيكون، والنقدية الكانطية، وإذا كان القرن التاسع عشر زمن الرؤى والأنساق الفلسفية السياسية والتاريخية الكبرى، المتمثلة في الهيجلية والماركسية والسانسيمونية والوضعية؛ فإن القرن العشرين، سواء من الناحية الفلسفية أو السياسية، كان قرنا متواضعا على مستوى الإبداع داخل سياق تطور الفكر الغربي، فقد كان من حيث النظريات السياسية والرؤى الفلسفية عالة على القرن التاسع عشر تحديدا. ونحن إذا استثنينا من القرن العشرين هوسرل وهيدغر وهوايتهيد، فإن جملة الأسماء الفلسفية التي التمعت فيه بدءا من سارتر وفتجنشطين وانتهاء بمشيل فوكو وجاك دريدا، هي بالمعيار الفلسفي الصارم مجرد أقزام بالقياس إلى كانط أو هيجل، لكن ميزتها أنها أقزام أثارت من الضجيج قدرا غير قليل. أما على المستوى السياسي، فإن النظريات التي اشتغل بها القرن العشرون كانت كلها مستدانة ومعارة من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أي كانت نظريات مستعارة من روسو ومونتسكيو وهيجل وماركس. ولم يضف هذا القرن العشرون على مستوى التنظير السياسي إلا النظرية الفاشية والنازية مع موسوليني وهتلر. ولا أعتقد أن هذه تعد إضافة تستحق أن تحمد!
    وحتى على مستوى الإبداع الفني، يحق لدارس الفن الغربي أن يقول إن هذا القرن عمل على إفساد الذوق، أكثر مما عمل على تجويده وترقيته، فموسيقى القرن التاسع عشر مثلا نجدها موسيقى تطفح بالمعنى وبحس وجداني وشعوري قوي راق، بينما موسيقى القرن العشرين (قرن ضحالة الفكر وتبلد الشعور والإحساس) هي موسيقى الطنين وليس موسيقى الإحساس والتفكير، إنها موسيقى ضجيج الآلة لا موسيقى الحس الوجداني. وما وجد في هذا القرن من استثناءات هو من قبيل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
    ولذا ليس من المستغرب أن ينتهي قرن الضحالة هذا بعد أن عجز عن الإبداع الفكري إلى القول بانتهاء عصر التفكير وزوال المثل الفكرية والاستعاضة عن ذلك بغطس الرأس في حديد التقنية والإنصات إلى إيقاع الآلة النشاز. فعندما أخذ العقل الأوروبي يكتشف محدوديته بعد النقد الكانطي، وعندما انحصر التأثير الكنسي بفعل النقد الفلسفي المادي في القرنين الثامن والتاسع عشر، وعندما انهارت الايديولوجيا المادية في القرن العشرين، استبدل العقل الأوروبي بالايديولوجيا المسؤولة عن إعطاء معنى ودلالة للعالم، بايديولوجيا تسفه كل محاولة لإعطاء معنى ودلالة!! وذلك لأنه أدرك مسبقا عجزه عن إعطاء الدلالة والإقناع بها. إنها ايديولوجية جديدة، ايديولوجية عصر التقنية التي تريد أن تغطس بالرأس البشري في عدم التفكير، وإشغاله بشيء واحد فقط هو”الاستهلاك” بمدلوله كاستجابة للغريزة.
    إنها ايديولوجية تدفع نحو عالم بلا فكر، ولا حس نقدي، عالم الآلة والشهوة: الآلة كمصدر للإنتاج، والشهوة كدافع للاستهلاك. وبين جدل الإنتاجية والاستهلاكية يراد للكائن الإنساني أن يستقيل من وظيفته كإنسان مفكر، ويستحيل إلى حيوان مستهلك، وتلك في الحقيقة هي ايديولوجيا هذا العصر، ايديولوجيا عصر ما بعد الايديولوجيا!

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 1:07 am