ثمار الأوراق



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ثمار الأوراق

ثمار الأوراق

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ثمار الأوراق

منتدى تعليمي يهتم باللغة العربية علومها وآدابها.


    الفاجعة ومفهوم الكتابة

    تاج العروبة (الفوهرر)
    تاج العروبة (الفوهرر)
    فيلسوف ثمار الأوراق
    فيلسوف ثمار الأوراق


    عدد الرسائل : 598
    العمر : 39
    الموقع : العراق
    العمل/الترفيه : خريج كليه الاداب - قسم الفلسفة
    المزاج : الارادة مفتاح النصر
    نقاط : 104
    تاريخ التسجيل : 17/09/2008

    الفاجعة ومفهوم الكتابة Empty الفاجعة ومفهوم الكتابة

    مُساهمة من طرف تاج العروبة (الفوهرر) الخميس سبتمبر 25, 2008 8:25 pm

    الفاجعة ومفهوم الكتابة - الجزء الاول

    1/ هل هي تراجيديا معاصرة ؟

    في (ميلاد التراجيديا)(1) يتحدث (نيتشه) عن تعارض الأبولونية والديونيزوسية، عن تعارض النحت والموسيقى، عن الاختلاف الأساسي بين الفرد المتعقل والجماعة الانفعالية المتهيجة. يقف نيتشه عند الاختلاف بين العقل والحلم والنشوة. هذا التعارض والانفصال كانا تمهيدا لظهور التراجيديا، وهما ضروريان، فالأبولونية المحدودة بالشروط والضوابط والقوانين والكابحة لكل جماح تتعارض والديونيزوسية الانفعالية المهتاجة المحطِّمة لكل الحدود والقوانين. والتعارض يقصد منه أساسا نقاء الجنس وانفصال الطبقات في الوعي أو في المجتمع، ولكي تنشأ التراجيديا، الحس التراجيدي في الكتابة المعاصرة كان من اللازم تمازج النقيضين. كيف ذلك ؟
    يستعين نيتشه في تحقيق ذلك على الاستعارة ( La metaphore) التي هي بالنسبة للشاعر الحقيقي "ليست صورة استبدالية يراها حقيقة محل الفكرة"(2). كما يستعين بالمسخ/التحول ( -La meta morphose) إلا أن العامل الأكثر فاعلية هو الموسيقى والغناء، لأنهما معا يساعدانه (الفرد المتعقل) على تجاوز الحدود الضابطة للعقل. ففي الاحتفالات الديونيزوسية وبالموسيقى يلتبسُ الأمر وينتفي التعارض بين العقل والحلم والنشوة، وينسى الفرد-كما يقول نيتشه-القوانين الأبولونية.
    1.1/ نرى في هذه الرواية [يقين العطش](3)تجسيدا للرؤية الفجائعية لعدد من الاعتبارات؛ أولا، لأنها تتضمن البعدين الأساسيين في دراسة نيتشه عن ميلاد التراجيديا، يورد (إدوار الخراط) في أكثر من موطن من الحكاية الإله (أبوللو)، وفي ذكره اختزال للقيم التي حددها نيتشه:العقل والحدود والضوابط. إلا أن الكاتب لا يورد اسم الإله ديونيزوس صراحة بل يجعله روح العمل، الروح التي يسري في جسد الرواية، في أوصال العلاقات سواء مع الآخر أو مع الذات. والفاجعة عند إدوار الخراط تُسْتَمَدُّ من التمازج والانصهار بين الألم واللذة.
    ثانيا، لأن الرواية من حيث الموضوع تتطرق لمشكلة الصراع الدامي العقائدي بين الإسلاميين والأقباط المسيحيين في مصر المعاصرة. والحس الفاجع يأتي من خلال الاختراق اللاَّمعقول للروابط التاريخية والانسانية التي جمعت الأقباط المسيحيين والمسلمين تحت لواء المواطنة والإخلاص والوفاء لمصر. إن تهدد هذه العلاقة بالدمار والتمزق يتضمن حسا فجائعيا يتجاوز العقائدي إلى الوجودي والمصيري. فبناء الوطن والحفاظ على استقلاله وحمايته من كل خطر يتهَدَّدُهُ في هذه الرواية الخضوع لكل معتقد ضيق الأفق أو نزعة انفعالية.
    ثالثا، شعور الراوي (ميخائيل) بالغربة والوحدة والعطش المطلق والمستشري في الذات والروح، وهو الفاجعة التي يختم بها إدوار الخراط الرواية كأفق تخييلي يختزل أبعاد الوجود والمصير الواقعيين الفعليين.
    2.1/ يقول ابن منظور في لسان العرب مادة (فَجَعَ):" الفجيعة الرزية الموجعة ... والفواجع: المصائب المؤلمة التي تفجع الانسان بما يَعِزُّ عليه من مال أو حَمِيمٍ …"(4). والمصائب الموجعة في (يقين العطش) تشمل الأقانيم الثلاثة المحددة للفضاء الروائي وموضوعاته، وهي: الحب، والأثر، والصراع، ومحورها الأساس (الوطن).
    • في الحب: (رامة) آخر الذات وموضوعها، وجود صعبٌ يتأرجح بين الحضور والغياب. موضوع يبزر قلق الذات (ذات ميخائيل) وبالتالي فهي علامة على الفاجعة. فالشعور الذي يكتسح ميخائيل لا يستقر على حال، شعورٌ يتهدده الشك فيتحول الحضور إلى غياب والغياب إلى حضور، وكأن ما يسعى إليه ميخائيل هو تحويل الجسد المادة الحية إلى لغة متخيلة صعبٌ الامساك بها، لا تشبع اللهفة ولا تطفئ الرغبة، حضورها رمزيٌّ (بلاغي) استعاري مجرد. عند تقاطب فعلي الحضور والغياب تتولد الفاجعة في الذات.
    • في الأثر: الآثار موضوع آخر تتوحد فيه شخصية ميخائيل وشخصية رامة الروائيتين. إلا أن الفاجعة تتولد عن تصادم وعيين متناقضين؛ عالم الآثار الذي يسعى إلى ترميم البقايا وابتعاث الماضي بكل زخمه وحرارته وحيويته، وإضفاء القيمة عليه ، وناهبو الآثار ومهربوها أصحاب المصالح الشخصية الذين لا يعيرون أي اعتبار للتاريخ الموحِّدِ للأمة الضامن استمرارها والمعلي مكانتها بين الأمم. إنه تصادم مفجع. وأمام استفحال اللصوصية يتحول فعل الترميم والإحياء إلى عمل عبثي. هنا تظهر ملامح الرؤية الفجائعية وآلام الذات.
    • في الصراع: لعل في لفظة (صراع) فاجعة، وتزداد حدة عندما يصبح الصراع بين مكونين أساسيين لوطن واحد، ويصبح الصراع يتهدد الوطن. أي أن معاداة طرف للآخر يخل بوجود وبمصير المكونين معا. والطرفان هما؛ الإسلام والمسيحية. يورد الخراط في يقين العطش أكثر من نموذج على روح الانسجام والتعايش بين العقيدتين. لكن يورد ذلك بألم وبتأسٍ على ماض يكاد يكون قد ولى إلى غير رجعة-هنا تصعيد للحس الفجائعي-يحكي ذلك عبر علاقة المسلمين والمسيحيين الأقباط أيام الأعياد(5).
    3.1/ إذا كانت الأقانيم الثلاثة تمثل الفاجعة فإنها كذلك تمثل اللذة والحلم والنشوة والمتعة، لكنَّ أهم ما يبرز هذه المتع الديونيزوسية إقبال ميخائيل على الحياة. يتجلى ذلك الاحتفاء بالملاذ في:
    • الطعام: يبرز من خلال العمل الروائي اطلاع الكاتب على أنواع الأطعمة المختلفة المحلية، واهتمامه بطرائق طهيها وتحضيرها. وتلك بلاغة خاصة تنبني عن وعي اجتماعي متجذر، وذلك أيضا معجم يؤثث به الكاتب عالمه الروائي ويكتسب من خلاله علامات التمييز الكتابية.
    • الشراب: لكي تكون الجلسة ممتعة فلابد لها من شراب، من كؤوس تنوس على الحبيبين رامة وميخائيل، ويورد الكاتب في هذا المقام عددا من صنوف الشراب مميزا بينها في اللون والمذاق وشكل الزجاجة، والمفعول ودرجته لدى كل طرف على حدة أو على الطرفين معا.
    • الألبسة: يُغني الكاتب معجمه الديونيزوسي عبر معرفته بالألبسة، ووقوفه الطويل واصفا إياها. لأن اللباس أيضا دليل على المستوى الاجتماعي وعلامة على نمط الوعي والمعرفة. فوصفه مثلا لطعام ولباس الصعايدة يختلف عن وصفه لطعام وشراب ولباس رامة.
    • الموسيقى: إذا كان النحت عنوانا على العقل والدقة والنظام والصرامة فإن الموسيقى عنوان على الاحتفال وعلى اختراق النُّظُمِ والقوانين والحدود، وعلى الاختلاط والاندماج، هذا ما يستخلص من كتاب نيتشه. لكنَّ الموسيقى توظف في العمل الروائي توظيفا مختلفا. فهي دليل على رقي حسي واجتماعي كما لو أن الموسيقى المتحدث عنها لا تتصل بالصخب الجماعي الديونيزوسي وإنما هي موسيقى هادئة (صامتة! كما يقال) مما يجعل الحديث عنها هنا كالحديث عن الطعام والشراب واللباس وأيضا الأثاث المنزلي؛ أي أنها بلاغة ومعجم يؤثتان فضاء العمل الروائي، وإمكانية لامتصاص الفاجعة (وجهها الآخر).
    4.1/ يناوبُ الكاتب بين الحسرة والألم وبين المتعة واللذة. وإذا كان الحب لديه كماء البحر لا يطفئ عطشا بل يؤجج أوار الرغبة والشهوة، ومن ثم تولد الفاجعة، فإنه في الحديث عن الصراع يجد في الكلام رامة مستندا ومتكأ يعطي الانطباع ببعض الانفراج ويكسر بالتالي النغمة الدرامية والمتحسرة. تقول رامة على لسان الراوي:" قالت: مع ذلك، وبالرغم من ذلك فإن أواصر المحبة وحسن الجوار عريقة في وجدان الناس، كل الناس. الشواهد على التآخي بيننا، لا نهاية لها، كلنا نعرفها وعشناها فعلا، كلنا"ويضيف ميخائيل على لسان الراوي كذلك:" قال: لماذا نحتاج أن نكرر مئات الشواهد والأدلة على حقيقة أولية بسيطة كان حقها أن تكون قائمة وثابتة دون برهان أو تدليل ؟"(6).
    إن الحديث عن الصراع بين الاسلاميين والأقباط في مصر سينتهي بالرواية إلى الحديث عن التسامح والتعايش بين الأديان كما رصدناهما في رواية (سلالم الشرق)(7) لأمين معلوف، وفي رواية بهاء طاهر (خالتي صفية والدير)(8) من خلال علاقة (حربي) أو إقامة حربي في الدير حماية له من (صفية) ورجالها وتوعداتها بالفتك والثأر والقتل، وعبر مكانة الدير في نفسية أهل القرية المسلمين، ومكانة (المقدس بشاي).
    إن الصراع بين الأديان والمعتقدات ظهر إلى السطح كفعل فاجع في عدد من بقاع العالم الجديد، ومن بينها العالم العربي المتعدد الأديان والذي يتكون من أقليات ذات أصول مختلفة وغير مسلمة. لقد ظهر هذا الفعل الفاجع بعد انحسار الايديولوجيات الكبرى. وتظهر الرؤية الفجائعية كذلك من خلال الصراع السياسي الذي يقود إلى الآفاق المسدودة وتمتهن الحق الانساني والمصيري للأفراد والجماعات كما أوضحنا في دراستنا "هلوسات ترشيش"(9) لحسونة المصباحي، وفي روايات سحر خليفة(10).

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 5:29 am